Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 32, Ayat: 18-26)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً } إلى قوله : { أَفَلاَ يَسْمَعُونَ } . أي : أيكون الكافر المكذب كالمؤمن المصدق ، لا يستوون عند الله . قال قتادة : لا والله ما يستوون في الدنيا ولا في الآخرة ولا عند الموت . وإنما جمع يستوون لأن " مَنْ " تؤدي عن جمع فحمله على المعنى . وقيل : إن المراد به اثنان بأعيانهما ، وذلك أن الآية نزلت في قول ابن عباس وعطاء وغيرها في المدينة في علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، والوليد بن عقبة بن أبي معيط قال عطاء : كان بين الوليد وعلي كلام ، فقال / [ الوليد ] " أنا أبْسطُ منك لساناً وأحَدُّ منك سِنَاناً ، فقال له علي [ اسكت ] فإنك فاسق ، فنزلت { أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً } الآية فيهما . فيكون يستوون على هذا قد جمع في موضع التثنية ، لأن التثنية جمع في الأصل . ويجوز أن تكون لما نزلت في اثنين بأعيانهما ، ثم هي عامة في جميع الكفار والمؤمنين حمل الكلام على معنى العموم ، فجمع يستوون لذلك . ثم قال تعالى [ ذكره ] { أَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ ٱلْمَأْوَىٰ } أي : الذين صدقوا الله ورسوله وعملوا ما أمرهم الله ورسوله فلهم بساتين المساكن التي يسكنونها في الجنة ويأوون إليها . ويجوز أن يكون التقدير : فلهم بساتين جنة المأوى . { نُزُلاً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي : أنزلهم الله فيها نزلاً بعملهم . ثم قال : { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ } أي : كفروا بالله . { فَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ } أي : مساكنهم في النار في الآخرة . ثم قال : { كُلَّمَآ أَرَادُوۤاْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَآ أُعِيدُواْ فِيهَا } . قد تقدم هذا في " الحج " . ثم قال : { وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } أي : في الدنيا . ثم قال [ تعالى ] : { وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلأَدْنَىٰ } أي : لنذيقن هؤلاء الفسقة من مصائب الدنيا في الأنفس والأموال في الدنيا دون عذاب النار في الآخرة . قاله ابن عباس وأُبي بن كعب والضحاك . وقال ابن مسعود : " العذاب الأدنى " يوم بدر . وقال مجاهد : هو الجوع والقتل لقريش في الدنيا . روي أنهم جاعوا حتى أكلوا العِلْهِزَ ، وهو القُرَدُ يفقأ دمها في الوبر ويحمل على النار فيؤكل . وعن ابن عباس أيضاً : أنه الحدود . وعن مجاهد أيضاً : أنه عذاب القبر وعذاب الدنيا . وأكثرهم على أن العذاب الأكبر عذاب يوم القيامة في النار . وقيل : هو القتل يوم بدر . ثم قال تعالى : { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَآ } . أي : لا أحد أظلم لنفسه ممن وعظ بحجج الله وآي كتابه فأعرض عن ذلك وكذب به . ثم قال : { إِنَّا مِنَ ٱلْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ } أي : من الذين اكتسبوا السيئات منتقمون في الآخرة . وقيل : عني بالمجرمين [ هنا ] أهل القدر ، وكذلك قوله : { إِنَّ ٱلْمُجْرِمِينَ فِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ } [ القمر : 47 ] الآيات في أهل القدر أيضاً . [ وقال ] / معاذ بن جبل : سمعت النبي صلى الله عليه [ وسلّم ] يقول " ثَلاَثٌ مَنْ فَعَلَهنَّ فقَدْ أجْرَمَ : مَنِ اعْتَقَدَ لِواءً في غير حقٍّ ، أوْ عَقَّ وَالِِدَيْه ، أو مَشَى مَعَ ظَالِم يَنْصُرُهُ فَقَدْ أجْرَمَ ، يقولُ اللهُ جلَّ ذِكرُهُ { إِنَّا مِنَ ٱلْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ } " . ثم قال تعالى [ ذكره ] : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ } أي التوراة . { فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِ } أي : في شك من أنك لقيته أو تلقاه ليلة الإسراء ، قاله قتادة . وبذلك أتى الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لقيه ليلة الإسراء ، روى ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم / قال : " أرِيتُ لَيْلَةَ أسْرِي [ بي ] موسى بن عِمْرِان رَجلاً آدَمَ طوَّالاً جَعْداً ، كَأنَّهُ مِنْ رِجَال شَنوءةَ ، وَرَأيت عِيسَى رَجُلاً مَربُوعَ الخَلْق ، إلى الحُمْرَةِ وَالبَيَاضِ سَبْطَ الرَّأْسِ ، وَرَأيتُ مَالِكاً [ خَازِنَ ] النَّار والدَّجَّال " فالهاء لموسى ، وقيل : الهاء عائدة على الكتاب . والتقدير : فلا تكن في شك من تلقي موسى الكتاب بالقبول ، وتكون المخاطبة على القول الأول للنبي خاصة ، وعلى القول الثاني لجميع الناس . وعن الحسن أنه قال في معناه : ولقد آتينا موسى الكتاب ، فأوذي وكذب فلا تكن في شك يا محمد من أنه سيلقاك مثل ما لقيه موسى من التكذيب والأذى . فالهاء عائدة على معنى محذوف كأنه قال : من لقاء ما لاقى ، والمخاطبة على هذا للنبي عليه السلام خاصة . ويجوز أن يكون هذا خطاباً للشاك في إتيان الله موسى الكتاب ، وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ، والهاء في { لِّقَآئِهِ } تعود على الرجوع إلى الآخرة والبعث ، والتقدير : قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون ، { فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِ } أي : من لقاء البعث والرجوع إلى الحياة بعد الموت فهو خطاب للنبي عليه السلام ، والمراد به من ينكر البعث . وقوله : { فَلاَ تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآئِهِ } كلام اعترض بين كلامين . ثم قال بعد ذلك : { وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } . أي : الكتاب جعله الله هادياً لهم من الضلالة إلى الهدى . وقال قتادة : { وَجَعَلْنَاهُ } أي : جعلنا موسى هدى لهم . ثم قال ( تعالى ذكره ) { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا } . أي : وجعلنا من بني إسرائيل قادة في الخير يؤتم بهم . قال قتادة : { أَئِمَّةً } رؤساء الخير . { يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا } : أي يرشدون أتباعهم بإذننا هم وتقويتنا إياهم على ذلك . { لَمَّا صَبَرُواْ } أي : حين صبروا على طاعة الله وعلى أذاء فرعون لهم ، فيكون المعنى : إنهم إنما جعلوا أئمة حين وُجِدَ منهم الصبر . ومن قرأ " لِمَا " بكسر اللام فمعناه فعلنا بهم ذلك لصبرهم على طاعة الله . فيكون المعنى : فهل بهم ذلك جزاء لهم لصبرهم المتقدم في الله . ثم قال ( تعالى ) : { وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } أي : بحججنا وكتابنا يصدقون . وفي قراءة أُبي : " كَمَا صَبَروا " . وفي قراءة أبن مسعود : " بِمَا صَبَروا " . فهذا شاهد لمن كسر اللام ، وهو حمزة والكسائي . ثم قال : { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقَيَامَةِ } . أي : يحكم بين جميع خلقه فيما اختلفوا فيه في الدنيا من أمور الدين ، فيوجب للمحسن الجنة وللمسيء النار . ثم قال تعالى [ ذكره ] : { أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ } . قال الفراء : كم في موضع رفع فاعل ليهدي . ولا يجيزه البصريون لأن الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله . وقال المبرد : الفَاعِل المَصَدر مَحْذُوف لأِن يَهْدِي يَدُلُّ عَلَى مَصْدرِهِ ، تقديره : أَوَ لَمْ يَهْدِ الهُدَى لَهُم . وقيل التقدير : أولم يهد الله لهم . وهذا إن شاء الله أحسنها . ويقوي ذلك أن أبا عبد الرحمن السلمي وقتادة قرأ : أو لم نهدِ بالنون . وكم في موضع نصب " أهلكنا " . ومعنى الآية على قول ابن عباس : أَوَلَمْ يتبين لهم ، أي لقريش كم أهلكنا من قبلهم من القرون فيتعظوا ويزدجروا . وقدر بعض النحويين الآية على قول الفراء فقال : التقدير : أو لم يتبين لهم كثرة من أهلكنا من قبلهم من الأمم فيتعظوا . ثم قال تعالى : { يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ } أي : تمشي قريش في مساكن الأمم الخالية ، فكيف لا تتعظ وتزدجر وتعلم أن مصيرها إن كفرت إلى ما صارت إليه هذه الأمم . ثم قال تعالى : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ أَفَلاَ يَسْمَعُونَ } أي : إن في خلاء مساكن من مضى ، وإهلاك الله إياهم لعبرا وحججاً لقريش ، أفلا يسمعون عظات الله وتذكيره إياهم وتعريفه مواضع حججه عليهم . وقيل : { أَفَلاَ يَسْمَعُونَ } ، معناه : أفلا يعقلون ، مثل " سَمِع اللهُ لِمَنْ حَمِدَه " .