Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 11-21)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { هُنَالِكَ ٱبْتُلِيَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } إلى قوله { وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً } . هنالك ظرف زمان ، والعامل فيه " ابتلي " . والتقدير : وقت ذلك اختبر المؤمنون فعرف المؤمن من المنافق ، والابتداء به حسن على هذا . وقيل : إن العامل فيه " { وَتَظُنُّونَ } " أي : وتظنون بالله الظنون الكاذبة هنالك / ، والابتداء به على هذا التقدير . ثم قال تعالى : { وَزُلْزِلُواْ زِلْزَالاً شَدِيداً } أي : حركوا وأزعجوا بالفتنة إزعاجاً شديداً . ثم قال : { وَإِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ } أي : شك في الإيمان وضعف في الاعتقاد . { مَّا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً } . يروى أن قائل ذلك معتب بن قشير ، قاله يزيد بن رومان ، وقد تقدم ذكر هذا . ثم قال تعالى : { وَإِذْ قَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ يٰأَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ } أي : قال طائفة من المنافقين : يا أهل يثرب لا تقيموا مع النبي وارجعوا إلى منازلكم ، ويثرب اسم أرض ومدينة النبي صلى الله عليه وسلم في ناحية من يثرب . ثم قال : { وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ ٱلنَّبِيَّ } أي : يستأذن طائفة من المنافقين النبي في الانصراف إلى منزلهم اعتلالاً بالخوف على منزله من السرق ، وليس به إلا الفرار والهرب . قال ابن عباس : هم بنو حارثة قالوا : بيوتنا مخلاة نخاف عليها السرق . قال قتادة : يقولون بيوتنا مما يلي العدو وإنا نخاف عليها السرق . ففضحهم الله ، وقال : { وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً } أي : ما يريدون إلا الهرب . يقال : أعور المنزل إذا ضاع ولم يكن له ما يستره أو سقط جداره . وقرأ يحيى بن يعمر وأبو رجاء " عَوِرَةٌ " بكسر الواو ، فمعنى عورة : ضائعة . وقيل : معنى قراءة الإسكان : إن بيوتنا ذات عورة ، يقال للمرأة : عورة ، فالمعنى ذات نساء نخاف عليهن العدو . ويجوز أن تكون عورة مسكنة من " عَوِرَة " . ويجوز أن تكون مصدراً . ويجوز أن تكون اسم فاعل على السعة ، كما يقال : رجل عَدْلٌ أي عَادِلٌ . ثم قال تعالى : { وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِّنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُواْ ٱلْفِتْنَةَ لآتَوْهَا } . [ أي : لو دخلت المدينة على هؤلاء القائلين : إن بيوتنا عورة من جوانبها قاله قتادة . { ثُمَّ سُئِلُواْ ٱلْفِتْنَةَ لآتَوْهَا } ] أي : لو سئلوا الشرك لأعطوه من أنفسهم طائعين ، ومن قطر لأتوه ، فمعناه : لجاؤوا الكفر طوعاً . وقيل : المعنى : ولو دخلت عليهم البيوت من نواحيها ثم سئلوا الشرك لقبلوه وأتوه طائعين . ثم قال تعالى : { وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ } أي بالمدينة . قاله القتبي . وقيل : المعنى : وما تلبثوا بالفتنة . ثم قال تعالى : { وَلَقَدْ كَانُواْ عَاهَدُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ لاَ يُوَلُّونَ ٱلأَدْبَارَ } أي : ولقد كان هؤلاء الذين يستأذنون رسول الله في الانصراف عنه عاهدوا الله من قبل لا يولون عدوهم الأدبار فما أوفوا بعهدهم . { وَكَانَ عَهْدُ ٱللَّهِ مَسْئُولاً } أي : يسأل الله ذلك من أعطاه إياه من نفسه . وذكر أن ذلك نزل في بني حارثة لما كان من فعلهم ، وهم الذين هموا أن يفشلوا يوم أحد مع بني سلمة ، وهو قوله جل ذكره : { إِذْ هَمَّتْ طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ } [ آل عمران : 122 ] ، ثم عاهدوا الله لا يولون العدو الأدبار ولا يعودون لمثلها فذكر الله لهم ما قد أعطوا من أنفسهم ولم يفوا به . قال قتادة : كان ناس غابوا عن وقعة بدر ورأوا ما أعطى الله أصحاب بدر من الكرامة والفضل فقالوا : لئن أشهدنا الله قتالاً لنقاتلن ، فساق الله إليهم ذلك حتى كان ناحية المدينة . ثم قال تعالى : { قُل لَّن يَنفَعَكُمُ ٱلْفِرَارُ إِن فَرَرْتُمْ مِّنَ ٱلْمَوْتِ أَوِ ٱلْقَتْلِ } أي : قل لهم يا محمد لا ينفعكم هروبكم إن هربتم من الموت أو القتل لأن ذلك إن كان كتب عليكم فلا ينفعكم فراركم شيئاً ، لا بد لكم مما كتب عليكم . { وَإِذاً لاَّ تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً } أي : لا يزيد لكم فراركم في أعماركم شيئاً بل إنما تمتعون في هذه الدنيا إلى الوقت الذي كتب لكم ، لا تجاوزوه ، هو قليل لأن الدنيا كلها متاع قليل ، فما بقي من أعماركم أقل من القليل . ثم قال تعالى : { قُلْ مَن ذَا ٱلَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ } أي : يمنعكم من الله إن أراد بكم سوءاً في أنفسكم أو عاقبة وسلامة ، فليس الأمر إلا ما قدر الله . ثم قال : { وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } أي : لا يجدون لأنفسهم من يليهم بالكفالة مما قدر الله عليهم من سوء ، ولا نصيراً ينصرهم مما أراد بهم . ثم قال تعالى : { قَدْ يَعْلَمُ ٱللَّهُ ٱلْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ } أي : قد يعلم الله الذين يعوقون الناس فيصدونهم عن رسول الله في حضور الحرب . وهو مُشتق من عاقني عن كذا ، أي : صرفني عنه ومنعني ، وعوق على التكثير لعاق فهو مُعَوِّقٌ . ثم قال : { وَٱلْقَآئِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا } أي تعالوا إلينا ودعوا محمداً فإنا نخاف عليكم الهلاك . { وَلاَ يَأْتُونَ ٱلْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً } أي : الحرب والقتال ، لا يشهدون ذلك إلا تعذيراً ، ودفعاً للمسلمين عن / أنفسهم ورياءً ، وهذا كله في المنافقين . قال قتادة : هؤلاء ناس من المنافقين كانوا يقولون لإخوانهم ما محمد وأصحابه إلا أُكْلَةُ رأسٍ ولو كانوا لَحْماً لالتهمهم أبو سفيان وأصحابه دعوا هذا الرجل فإنه هالك . وقال ابن زيد : نزلت في أخوين أحدهما مؤمن والآخر منافق ، جرى بينهما كلام في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال المنافق للمؤمن : هلمَّ إلى الطعام فقد نعق بك وبصاحبك والذي يحلف به ، لاستقبلها محمد أبداً ، فقال له المؤمن : كذبت والذي يحلف به ، ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، فنزلت : { وَٱلْقَآئِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا } . ثم قال تعالى : { أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ } . قال الفراء : هو منصوب على الذم ، وأجاز نصبه على الحال ، وقدره : يعوقون أشحة . وقيل : هو حال ، والتقدير : والقائلين لإخوانهم أشحة . وقيل : التقدير : ولا يأتون البأس إلا قليلاً ، يأتونه أشحة ، أي أشحة على الفقراء بالغنيمة جبناء . وقال الطبري : التقدير هلمَّ إلينا أشحة . وقال السدي بنصبه على الحال ، والتقدير : ولا يأتون البأس إلا قليلاً بخلاً عليهم بالظفر والغنيمة . ومن جعل العامل في أشحة " المُعَوِّقِينَ " أو " القائلين " فقد غلط لأنه تفريق بين الصلة والموصول . قال قتادة : معنا أشحة عليكم في الغنيمة . وقال مجاهد : أشحة عليكم في الخير . وقيل : التقدير : أشحة عليكم بالنفقة على الضعفاء منكم . والتأويل : جبناء عند الناس أشحاء عند قسم الغنيمة . وقال يزيد بن رومان : أشحة عليكم للضغن الذي في أنفسهم . ثم قال تعالى : { فَإِذَا جَآءَ ٱلْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ } أي : فإذا جاء يا محمد القتال وخافوا ( الهلاك ) رأيتهم ينظرون إليك لواذاً عن القتال تدور أعينهم خوفاً من القتال . { كَٱلَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ } أي : تدور أعينهم كدوران عين الذي يُغشى عليه من الموت النازل به . ثم قال تعالى : { فَإِذَا ذَهَبَ ٱلْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ } أي : فإذا زال القتال عفوكم بألسنة ذربة . يقال للرجل الخطيب : مِسْلَقٌ وَمِسْلاقَ وَسَلاقٌ بالسين والصاد فيهن ، أي : بليغ . والمعنى : أنهم عند قسم الغنيمة يتطاولون بألسنتهم لشحهم على ما يأخذ المسلمون ، يقولون : أعطونا أعطونا ، فإنا شهدنا معكم ، وهم عند البأس أجبن قوم ، هذا معنى قول قتادة . ويدل على صحة هذا التأويل قوله بعد ذلك : { أَشِحَّةً عَلَى ٱلْخَيْرِ } أي : على الغنيمة إذا ظفر المسلمون . وقيل : بل ذلك أذى المنافقين للمسلمين بألسنتهم عند الأمان . قاله ابن عباس ويزيد بن رومان . ثم قال تعالى ذكره : { أوْلَـٰئِكَ لَمْ يُؤْمِنُواْ فَأَحْبَطَ ٱللَّهُ أَعْمَالَهُمْ } أي : هؤلاء المنافقون الذين تقدمت صفتهم لم يصدقوا بالله ورسوله بقلوبهم فأحبط الله أعمالهم ، أي : أذهبها وأبطلها . ويروى أن الذي وُصِفَ بها كان بدرياً فأحبط الله عمله ، قاله ابن زيد . { وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } أي : وكان إحباط أعمالهم على الله هيناً حقيراً . وتقف على " { إِلاَّ قَلِيلاً } " إذا نصبت " أشحة " على الذم ، ولا تقف عليه على غير هذا التقدير . قال تعالى : { يَحْسَبُونَ ٱلأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُواْ } أي : يحسب هؤلاء المنافقون من جبنهم وخوفهم أن الأحزاب لم ينصرفوا وأنهم باقون قريباً منهم . ثم قال تعالى : { وَإِن يَأْتِ ٱلأَحْزَابُ يَوَدُّواْ لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي ٱلأَعْرَابِ } أي : وإن يأتكم الأحزاب لحربكم ودّ هؤلاء المنافقون لو أنهم في البادية غيب عنكم يسألون عن أخباركم من بعيد جبناً منهم وهلعاً من القتل ، يقولون : هل هلك محمد وأصحابه ؟ يتمنون أن يسمعوا هلاكهم . وقرأ طلحة : " لَو أَنَّهُم بُدًّى " فِي الأَعْرَابِ مثل : غُزىًّ . ثم قال تعالى : { وَلَوْ كَانُواْ فِيكُمْ مَّا قَاتَلُوۤاْ إِلاَّ قَلِيلاً } أي : لو كانوا معكم لم يقاتلوا معكم إلا تعذيراً لكم لأنهم لا يحتسبون في ذلك ثواباً ولا جزاءً . ثم قال تعالى : { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } هذا عتاب من الله للمستخفين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة من المؤمنين ، أي : كان لكم أن تتأسوا به ، وتكونوا معه حيث كان ولا تتخلفوا عنه . ثم قال : { لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ ٱللَّهَ } / أي : ثواب الله في الآخرة . { وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ } أي : ويرجو عاقبة اليوم الآخر . { وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيراً } أي : وأكثر ذكر الله في الخوف والشدة والرخاء .