Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 22-24)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { وَلَمَّا رَأَى ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلأَحْزَابَ } إلى قوله : { غَفُوراً رَّحِيماً } . أي : ولما عاين المؤمنون جماعة من الكفار ، وقالوا تسليماً منهم لأمر الله وتصديقاً بكتابه : { هَـٰذَا مَا وَعَدَنَا ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ } يعنون قوله تعالى ذكره : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم } [ البقرة : 214 ] . ثم قال : { وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً } أي : ما زادتهم الرؤية لذلك إلا إيماناً بالله وتسليماً لأمره ، وإنما ذُكِّرَ " زادهم " لأن تأنيث الرؤية غير حقيقي . ودل " رأي " على الرؤية ، هذا قول الفراء وعلي بن سليمان . وقال غيرهم : التقدير : وما زادهم اجتماع المشركين عليهم إلا إيماناً ، هذا كله مأخوذ من قول ابن عباس وقتادة وغيرهما . قال الحسن : معناه ما زادهم البلاء إلا إيماناً بالرب وتسليماً إلى القضاء . ثم قال تعالى : { مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ } أي : أوفوا بالصبر على البأساء والضراء إذ قد عاهدوا الله أن يصبروا إذا امتحنوا . ثم قال : { فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ } أي : فرغ من العمل الذي قدره الله وأوجبه له على نفسه ، فاستشهد بعض يوم بَدْر وبعض يوم أُحُد وبعض في غير ذلك من المواطن . { وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ } قضاءه والفراغ منه على الوفاء لله بعهده . وأصل النحب في كلام العرب النذر ، ثم يستعمل في الموت والخطر العظيم ، وقيل : النحب : العهد . قال الحسن : { فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ } موته على الصدق . وقال قتادة : على الصدق والوفاء . قال ابن عباس : نحبه هو الموت على ما عاهد الله ، ومنهم من ينتظر الموت على ما عاهد الله عليه . ويروى أن هذه الآية نزلت في قوم لم يشهدوا بدراً ، فعاهدوا الله إن لقوا قتالاً للمشركين مع رسول الله أن يبلوا من أنفسهم ، فشهدوا ذلك مع رسول الله ، فمنهم من وفى فقضى نحبه ، ومنهم من بدّل وهم الذين قال الله عز وجل فيهم : { وَلَقَدْ كَانُواْ عَاهَدُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ } [ الأحزاب : 15 ] الآية ، ومنهم من وفى ولم يقض نحبه فهو منتظر للموت . قال أنس : تغيَّب أنس بن النضر عن قتال بدر فقال : تغيَّبت عن أول مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لئن رأيت قتالاً ليرين الله ما أصنع ، فلما كان يوم أحد وهزم الناس لقي سعد بن معاذ فقال : والله إني لأجد ريح الجنة فتقدم فقَاتَل حتى قُتِلَ ، فنزلت هذه الآية : { مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ، وقال أنس : فوجدناه بين القتلى به بضعاً وثمانين جراحة من ضربة بسيف وطعنة برمح ورمية بسهم ، فما عرفناه حتى عرفته أخته . وقيل : معنى { صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ } الإسلام . وقوله : { وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً } أي : ما غيّروا العهد ولا الدين كما غيره المعوقون القائلون لإخوانهم هلم إلينا . قال قتادة : معناه ما شكوا ولا ترددوا في دينهم ولا استبدلوا به غيره . ثم قال تعالى : { لِّيَجْزِيَ ٱللَّهُ ٱلصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ } أي : صدقوا ليثبت أهل الصدق منهم بصدقهم الله على ما عاهدوا عليه . { وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَافِقِينَ إِن شَآءَ } بكفرهم ونقضهم ما عاهدوا الله عليه ، أو يتوب عليهم ، أي يخرجهم من النفاق إلى الإيمان به . ومعنى الاستثناء في هذا أن المعنى : ويعذب المنافقين بأن لا يتوب عليهم ، ولا يوفقهم للتوبة ، فيموتوا على نفاقهم إن شاء ، فيجب عليهم العذاب ، فعذاب المنافق لا بد منه لأنه كافر ، والاستثناء إنما هو من أجل التوفيق لا من أجل العذاب ، ويبين ذلك قوله : { أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } فالمعنى ويعذب المنافقين إن لم يهدهم للتوبة ، أو يتوب عليهم فلا يعذبهم . ثم قال : { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً } أي : أن الله لم يزل ذا ستر على ذنوب التائبين ، رحيماً بهم أن يعذبهم بعد توبتهم .