Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 25-29)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيْظِهِمْ } إلى قوله : { أَجْراً عَظِيماً } . أي : ورد الله الأحزاب بغيظهم أي بِكَرْبِهِم وعمهم لفوتهم ما أملوا من الظفر لم ينالوا من المسلمين مالاً ولا غيره . { وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلْقِتَالَ } بالريح / والجنود التي أنزل الله من الملائكة . روى عبد الرحمن بن أبي سعدي الخدري عن أبيه أنه قال : " حُبِسْنَا يَوْمَ الخَنْدَقِ عَنِ الصَّلاةِ فَلَمْ نُصَلِّ الظُّهْرَ وَلاَ العَصْرَ وَلاَ المَغْرِبَ وَلاَ العِشَاءَ حَتَّى كَانَ بَعْدَ العِشَاءِ بِهَويٍّ فَكَفَيْنَا فَأنْزَلَ اللهُ تَعالى : { وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلْقِتَالَ } الآية " فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِلالاً فَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَصلَّى الظُّهْرَ فَأَحْسَنَ صَلاتَهَا كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا ، ثُمَّ صَلَّى العَصْرَ كَذَلِكَ ، ثُمَّ صَلَّى المَغْرِبَ كَذَلِكَ ، ثُمَّ صَلَّى العِشَاءَ كَذَلِكَ ، لِكُلِّ صَلاَةٍ إِقَامَةٌ " . وقوله : { وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً } أي : قوياً في أمره عزيزاً في نقمته . ثم قال تعالى : { وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ } يعني بني النضير وبني قريظة عاونوا المشركين على النبي وأصحابه ، فأنزلهم الله من حصونهم { وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ } يعني المُقَاتِلَةَ . { وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً } يعني النساء والصبيان كما حكم فيهم سعد ، لأنهم حكموه في أنفسهم لحلف كان بينهم وبين قوم سعد فطمعوا أن يميل معهم ، فلم تأخذه في الله لومة لائم ، وحكم بقتل مقاتلهم وسبي ذراريهم ، وقد مضى ذكر ذلك . وأصل الصَّيْصَّةِ ما تمتنع به ، فلذلك قيل للحصن صيصية لأنه يمتنع به ، ولذلك يقال لقرون البقر صياصي لأنها يمتنع بها . وذكر قتادة وغيره : " أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذهاب الأحزاب عنه دخل بيت زينت بنت جحش يغسل رأسه ، فبينما هو يغسله إذ أتاه جبريل صلى الله عليه وسلم ، فقال : عفا الله عنك ، ما وضعت الملائكة سلاحها منذ أربعين ليلة ، فانهض إلى بني قريظة فإني قد قطعت أوتادهم وفتحت أبوابهم وتركتهم في زلزال وبَلْبَالِ فاسْتَلأَمَ صلى الله عليه وسلم ، ثم سلك شق بني غنم ، فاتَّبَعَهُ الناس ، فأتاهم رسول الله فحاصرهم ، وناداهم يا إخوة القرود ، فقالوا : يا أبا القاسم ما كنت فاحشاً ، فنزلوا على حكم سعد فحكم بقتل مقاتلهم - وكانوا ست مائة - ، وسبي ذراريهم ، وقسم عقارهم بين المهاجرين دون الأنصار ، فقال قومه : أَأَثَرْتَ المهاجرين بالعقار علينا ، قال : فإنكم كنتم ذوي عقار وأن المهاجرين لا عقار لهم " . ثم قال تعالى : { وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ } أي : ملككم ذلك بعد مهلكهم . ثم قال : { وَأَرْضاً لَّمْ تَطَئُوهَا } . قال الحسن : هي أرض فارس والروم ونحوهما من البلاد . وقال قتادة : هي مكة . وقال يزيد بن رومان : هي خيبر . وكذلك قال ابن زيد . ثم قال : { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً } أي : لا يتعذر عليه ما أراد . ثم قال : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } الآية أي : إن كنتن تَخْتَرنَ الحياة الدنيا على الآخرة . { فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ } بما أوجب الله على الرجال لنسائهم من المتعة عند مفارقتهن بالطلاق . ومعنى { وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً } : أطلقكن طلاقاً جميلاً ، أي : على ما أذن الله به وأدب به عباده ، وهو قوله { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } [ الطلاق : 1 ] . ثم قال : { وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } رضى الله ورسوله ، { فَإِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً } أي : للعاملات منكن بأمر الله ورسوله أجراً عظيماً . روي أن هذه الآية نزلت من أجل عائشة سألت رسول الله شيئاً من عرض الدنيا ، واعتزل رسول الله لذلك نساءه شهراً ، ثم أمره الله أن يخيرهن بين الصبر والرضى بما قسم لهن والعمل بطاعة الله ، وبين أن يمتعهن ويفارقهن . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم " لم يخرج لصلوات فقالوا : ما شأنه ؟ فقال عمر : إن شئتم لأَْعْلَمَنَّ لكم ما شأنه ، فأتى النَّبِيَّ فجعل يتكلم ويرفع صوته ، حتى أذن له ، قال : فجعلت أقول في نفسي : أيَّ شيء أكلم به رسول الله لعله يَنْبَسِطُ ؟ قال : فقلت يا رسول الله لو رَأَيْتَ فُلانَةَ وسألتني النفقة فصككتها صكة ، فقال : ذَلِكَ حَبَسَنِي عَنكُمْ ، فأتى عمر حفصة فقال لها : لا تسألي رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً ، ما كانت لك من حاجة فإليّ ، ثمَّ تتبع نساء النبي فجعل / يكلمهن ، فقال لعائشة : أَيَغُرُّكِ أنك امرأة حسناء وأن زوجك يحبك ، لتنتهين أو لينزلن الله فيكن القرآن ، فقالت له أم سلمة : يا ابن الخطاب أو ما بقي لك إلا أن تدخل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين نسائه ، من يسأل المرأة إلا زوجها ، ونزل القرآن : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ } إلى قوله { أَجْراً عَظِيماً } ، فبدأ بعائشة وخيرها ، وقرأ عليها القرآن ، فقالت : هل بدَأْتَ بأحد من نسائك قبلي ؟ قال : لا ، قالت : فإني أختار الله ورسوله والدار الآخرة ، ولا تخبرهن بذلك ، ثم تتبعهن فجعل يخبرهن ويقرأ عليهن القرآن ويخبرهن بما صنعته عائشة فتتابعن على ذلك " . قال قتادة والحسن : خيَّرهن بين الدنيا والآخرة والجنة والنار في شيء كُنَّ أَرَدْنَهُ من الدنيا . وقال عكرمة : في غَيْرَةٍ كانت غارتها عائشة ، وكان تحته يومئذ تسع نسوة ، خمس من قريش : عائشة ، وحفصة ، وأم حبيبة ابنة أبي سفيان ، وسودة بنت زمعة ، وأم سلمة بنت أبي أمية ، وكانت تحته صفية بن حيي الخيبرية ، وميمونة بنت الحارث الهلالية ، وزينب بنت جحش الأسدية ، وجويرية بنت الحارث من بني المُصْطَلِق ، فبدأ بعائشة فاختارت الله ورسوله ، فرُئِيَ الفرح في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتتابعن كلهن على ذلك . قال الحسن وقتادة : فلما اخترن الله ورسوله شكرهن الله على ذلك فقال : " لاَ يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ " الآية ، فقصره الله عليهن . وقال ابن زيد : كان سبب ذلك الغيرة . وقد روي في ذلك أخبار كثيرة يختلف لفظها والمعنى يرجع إلى ما ذكرنا في جميعها . قال ابن شهاب : امرأة واحدة اختارت نفسها فذهبت وكانت بدوية . قال ربيعة : فكانت البتة . قيل كان اسمها عمرة بنت يزيد الكلابية ، اختارت الفراق وذهبت ، فابتلاها الله تعالى بالجنون . ويقال : إن أباها تركها ترعى غنماً له فصارت إحداهن ، فلم يعلم ما كان من أمرها وخبرها إلى اليوم . ويقال : إنها كِنْدِية ، ويقال : إنها لم تختر ، وإنما استعاذت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فردَّها ، وقال : " لَقَدْ اسْتَعَذْتِ بِمُعَاذٍ " . ويقال إنه دعاها ، فقالت : إنا قوم نُؤتى ولا نأتي . وإذا خيّر الرجل امرأته فاختارت نفسها فهي البتة ، وإن اختارت واحدة أو اثنتين أو لم تختر شيئاً ، أو قالت : اخترت زوجي ، فلا شيء في ذلك كله بالمدخول بها ، وهي زوجة على حالها . قال ابن عبد الحكم : معنى خيّرهن : قرأ عليهن الآية . ولا يجوز أن يخيّرهن بلفظ التخيير لأن التخيير إذا قُبِلَ ثلاثاً ، والله أمره أن يطلق النساء لعدتهن ، وقد قال : سَرَاحاً جَمِيلاً ، والثلاث ليس مما يَجْمُلُ مِنه ، فالسراح الجميل هو واحدة لا الثلاث التي يوجبهن قبول التخيير .