Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 30-33)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } إلى قوله : { وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيـراً } . قال الطبري : الفاحشة هنا الزنا . { يُضَاعَفْ لَهَا ٱلْعَذَابُ } أي : على فعلها ، وذلك في الآخرة . { ضِعْفَيْنِ } أي : على عذاب أزواج غير النبي عليه السلام إذا أتين بفاحشة . وقيل : إذا أتت الفاحشة المبينة فهي عصيان الزوج ومخالفته ، وكذلك معناها في هذه الآية لا الزنى . فإذا أتت الفاحشة بالألف واللام فهي الزنى واللواط . وإذا أتت نكرة غير منعوتة ببينة فهي تصلح للزنا وغيره من الذنوب . قال قتادة : يعني عذاب الدنيا وعذاب الآخرة . وقال ابن عباس : يعني به عذاب الآخرة . وقال أبو عبيدة : { يُضَاعَفْ لَهَا ٱلْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ } يجعل ثلاثة أضعاف ، أي : ثلاثة أعذبة . وقال أبو عمرو : { يُضَاعَفْ } للمرار الكثيرة ويَضَعَّفُ مرتين . ولذلك قرأ " يُضَعَّفُ " . وأكثر أهل اللغة على خلافها لأن يضاعف ضعفين ويضعف ضعفين واحد ، بمعنى مثلين كما تقول : إن دفعت إلي درهماً دفعت إليك ضعفيه ، أي مثليه يعني درهمين ، ويدل على صحة هذا قوله : { نُؤْتِهَـآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ } فلا يكون العذاب أكثر من الأجر ، وقد قال تعالى : { [ رَبَّنَآ ] آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ ٱلْعَذَابِ } [ الأحزاب : 68 ] أي مثلين . ثم قال تعالى : { وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للَّهِ وَرَسُولِهِ } أي : ومن / يطع منكن الله ورسوله وتعمل بما أمرها الله به ، { نُؤْتِهَـآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ } أي ثواب عملها مثلي ثواب غيرها من نساء المؤمنين . { وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً } أي في الآخرة ، يعني به : في الجنة . ثم قال تعالى : { يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِنِ ٱتَّقَيْتُنَّ } أي : لستن في الفضل والمجازاة كأحد من نساء هذه الأمة ، إن اتقيتن الله بالطاعة له ولرسوله . ووقع أحد في موضع واحدة لأنه أعم إذ يقع على المؤنث والمذكر الواحد والجمع بلفظ واحد . فقوله : { فَلاَ تَخْضَعْنَ بِٱلْقَوْلِ } أي : لا تُلِنَّ القول للرجال . { فَيَطْمَعَ ٱلَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ } أي : شك ونفاق ، أي يطمع في الفاحشة استخفافاً بحدود الله . قال عكرمة { فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ } أي شهوة الزنا . قال قتادة : { مَرَضٌ } نفاق . ثم قال تعالى : { وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً } أي : قولاً أَذِنَ الله لكن فيه وأباحه لكن . قال ابن زيد : معناه : قولاً جميلاً معروفاً في الخير . ثم قال : { وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ } أي : اثبتن في بيوتكن . هذا على مذهب من قرأ بكسر القاف ، يكون عند الفراء وأبي عبيد من الوقار ، يقال وَقَرَ يَقِرُّ وُقُوراً إذا ثبت في منزله . وقيل : هو من قَرَّ في المكان إذا ثبت أيضاً ، فيكون الأصل : واقْرِرْنَ فحذفت الراء الثانية استثقالاً للتضعيف ، وألقيت حركة الأولى الباقية على القاف فاستغني عن ألف الوصل ، فصار وَقِرْنَ كما تقول ظِلْتُ أفعل بكسر الظاء . فأما قراءة من فتح القاف ، وهي قراءة نافع وعاصم ، فهي لغة لأهل الحجاز ، يقولون : قَرَرْتُ بالمكان أَقَرَّ ، بمنزلة قَرِرْتُ به عيناً أَقَرُّ ، حكاه أبو عبيد في " المصنف " عن الكسائي . فيكون التقدير : واقْرِرْنَ [ في بيوتكن ] ، ثم أُعِلَّ في الأولى فيصير : وَقَرْنَ . ويجوز أن يكون من قرة العين هذا على الحذف ، والاعتلال أيضاً ، وشاهده قوله : { ذَلِكَ أَدْنَىٰ أَن تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ } [ الأحزاب : 51 ] فيكون التقدير : واقررن عيناً في بيوتكن . وروي أن عماراً قال لعائشة رضي الله عنها : إن الله قد أمركِ أن تَقَرّي في منزلك ، فقالت : يا أبا اليقظان ، ما زلت قَوَّالاً بالحق ، فقال : الحمد لله الذي جعلني كذلك على لسانك . ثم قال تعالى : { وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ } أي : إذا خرجتن من بيوتكن . قال قتادة : التبرج في هذا الموضع التبختر والتكسر ، وكانت الجاهلية الأولى مشية فيها تكسير وتغنج فنهاهن الله عن ذلك . وقيل التبرج إظهار الزينة للرجال . وحقيقتها إظهار ما ستر الله ، وهو مأخوذ من السعة . يقال في أسنانه بَرَجٌ إذا كانت متفرقة . والجاهلية الأولى ما بين عيسى ومحمد عليهما السلام . وروي أن هذه الفاحشة كانت ظاهرة في هذا الوقت ، وكانت ثم بغايا يقصدن للفاحشة . وقيل : ما بين نوح وآدم عليهما السلام كان بينهما ثمان مائة سنة ، وكان نساؤهم أقبح ما يكون ، ورجالهم أحسن ما يكون ، فكانت المرأة تريد الرجل على نفسه . وقال ابن عباس هو ما بين إدريس ونوح عليهما السلام ، وكان ذلك ألف سنة ، وأن بطنين من وُلْدِ آدم أحدهما يسكن السهل والآخر يسكن الجبل ، وكان رجال الجبال صِبَاحاً والنساء قباحاً ، وكان نساء السهل صِباحاً والرجال قباحاً ، وأن إبليس أتى رجلا من أهل السهل في صورة غلام فأجر نفسه منه فكان يخدمه ، واتخذ إبليس شيئاً من الذي يزمر فيه الرِّعَاء فجاء فيه بصوت لم يسمع الناس مثله ، فبلغ ذلك من حولهم فانتابوهم يستمعون إليه ، واتخذوا عيداً يجتمعون له في السنة ، فتبرج الرجال حسناً ، وتبرج النساء للرجال وإن رجلاً من أهل الجبل هجم عليهم ، وهم في عيدهم فرأى النساء وصباحتهن فأتى أصحابه فأخبرهم بذلك فتحولوا إليهن ، فنزلوا معهن ، فظهرت الفاحشة فيهم فهو قوله جل ذكره : { وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ } . وقوله : { ٱلْجَاهِلِيَّةِ ٱلأُولَىٰ } يدل على أن ثم جاهلية أخرى في الإسلام ، دل على ذلك / قول النبي صلى الله عليه وسلم " ثَلاثَ مِنْ عَمَلِ أهلِ الجَاهِلِيَّة لا يَدَعْهُنَّ النَّاسُ : الطَّعْنُ بِالأنْسابِ ، والاسْتِمْطارُ بالكَواكِبِ وَالنِياحَةُ " . ( وقال ابن عباس لعمر لما سأله عن الآية ، فقال له : وهل كانت الجاهلية إلا واحدة ؟ ) ، فقال ابن عباس : وهل كانت أولى إلا ولها آخرة ؟ فقال له عمر : لله دَرُّكَ يا ابن عباس / ، كيف قلت ؟ فأعاد ابن عباس الجواب . وقال النبي صلى الله عليه سلم لأبي الدرداء وقد عيّر رجلاً فوعاه يا ابن فلانة ، فقال له : " يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ إِنَّ فِيكَ جَاهِليَّةٌ ، فَقَالَ أَجَاهِليَّةُ كُفْرٍ أَوْ إِسْلامٍ ؟ قَالَ : بَلْ جَاهِليَّةُ كُفْرٍ " ، قَالَ أَبُو الدَّردَاء : " فَتَمَنَّيْتُ لَوْ كُنْتُ ابْتَدَأْتُ إِسْلامِي يَوْمَئِذٍ " " . ثم قال [ تعالى ] : { وَأَقِمْنَ ٱلصَّلاَةَ } أي : المفروضة . { وَآتِينَ ٱلزَّكَـاةَ } يعني الواجبة في الأموال . { وَأَطِعْنَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } أي : فيما أمركن به ونهاكن عنه . ثم قال ( تعالى ) : { إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُـمُ ٱلرِّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ } أي : الشر والفحشاء يا أهل بيت محمد . { وَيُطَهِّرَكُمْ } أي من الدنس والمعاصي تطهيراً . قال ابن زيد : الرجس هنا الشيطان . وقيل : عُنِيَ بأهل البيت هنا النبي صلى الله عليه وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، رواه الخدري . عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " نَزَلَتِ الآيَة فِي خَمْسٍ : فِيَّ وَفِي علي وحَسَنٍ وحُسَينٍ وَفَاطِمَةَ " وهو قول جماعة من الصحابة . وقال عكرمة : عني بذلك أزواج النبي صلى الله عليه وسلم . ويلزم عكرمة أن يقرأ عنكن . وقيل عني بذلك : نساؤه وأهله .