Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 5-7)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ } إلى قوله : { مِّيثَاقاً غَلِيظاً } . أي : انسبوا أدعياءكم إلى آبائهم فهو أعدل عند الله . { فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوۤاْ آبَاءَهُمْ } أي : تعرفوا أسماء آبائهم فتنسبوهم إليهم . { فَإِخوَانُكُمْ فِي ٱلدِّينِ } أي : فهم إخوانكم في الدين إذا كانوا أهل ملتكم . { وَمَوَالِيكُمْ } أي : وهم مواليكم أي : أوليائهم ، أي بنو عمكم . ثم قال تعالى : { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ } أي : لا إثم عليكم في الخطإ يكون منكم في نسب من تنسبونه إلى غير أبيه إن كنتم ترون أنه أبوه ، وليس بأبيه . { وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ } . أي : ولكن الإثم عليكم فيما تعمدتم من ذلك فنسبتم الرجل إلى غير أبيه متعمدين ذلك ، هذا معنى قول قتادة ومجاهد وغيرهما . و " ما " في موضع جر عطف على " ما " الأولى . ويجوز أن تكون في موضع رفع على خبر ابتداءٍ محذوف ، والتقدير : ولكن الذي تأثمون فيه ما تعمدت قلوبكم . وقد أجرى بعض الفقهاء الفتيا في غير التعمد على ظاهرة هذه الآية ، فجعلها عامة في كل شيء لم يتعمده فاعله . قال عطاء : إذا حلف رجل أنه لا يفارق غريمه حتى يستوفي حقه ، فأخذ منه ما يرى أنه حقه فوجدها زائدة أو ناقصة ، إنه لا شيء عليه لأنه لم يتعمد . وكذا إذا حلف أنه لا يسلم على فلان فسلم عليه وهو لا يعلم ، إنه لا حنث عليه لأنه لم يتعمد ذلك . وأكثر الفقهاء على خلافه ، فالآية عندهم مخصوصة في هذا بعينه . إنما كان هذا قبل النهي عندهم ، أو في دعاء الرجل الرجل لغير أبيه مخطئاً . فهي مخصوصة في أحد الحكمين لا عامة في كل ما لم يتعمد الإنسان ، دليله ما أوجبه الله جل ذكره / على القاتل خطأ . ثم قال : { وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً } أي ذا ستر على ذنب من دعا إنساناً بغير اسم أبيه وهو لا يعلم . ومن قال : إن الآية مخصوصة فيما كان قبل النهي ، أو هي مخصوصة في أن يدعو الإنسان الرجل إلى أب وهو عنده أبوه ، وليس هو كذلك ، لم يقف على " ومواليكم " لأن ما بعده متصل به ، ومن جعل { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ } عاماً في هذا وغيره جعله مستأنفاً ، حسن الوقف على { وَمَوَالِيكُمْ } ، ثم استأنف ما بعده لأنه عام . فإذا جعلت ( ما ) في موضع خفض لم تقف على { فِيمَآ أَخْطَأْتُمْ بِهِ } [ لأن ما بعده معطوف عليه . فإن جعلت ( ما ) في موضع رفع على ما تقدم وقفت على " أخطأتم به " ] . ثم تستأنف : { وَلَـٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ } . ثم قال تعالى ذكره : { ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } . أي : أولى بهم من بعضهم لبعض ، مثل : { فَٱقْتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } [ البقرة : 54 ] { تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ } [ البقرة : 85 ] وقيل : المعنى : أمر النبي أولى بالاتباع مما تأمر به النفس . وقال ابن زيد : المعنى : ما قضى فيهم النبي من أمر جاز ، كما كلما قضيت على عبدي جاز . وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلاَّ وَأَنَا أَوْلَى النَّاس بِه فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ ، اقْرَؤْوا إِنْ شِئْتُمْ : " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم " ، فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ تَرَكَ مَالاً فَلِوَرَثَتِهِ وَلِعَصَبَتِهِ مَنْ كَانُوا ، وَمَنْ تَرَكَ دَيْناً أَو ضِيَاعاً فَلْيَأْتِنِي فَأَنَا مَوْلاَهُ " . وحكى قتادة والحسن : بأنه كان يقرأ في بعض القراءات : " مِنْ أنفُسِهِمْ وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ " ، ولا ينبغي أن يقرأ بذلك الآن لمخالفته المصحف والإجماع . ثم قال تعالى : { وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } أي : في الحرمة كالأم ، فلا يحل تزوجهن من بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كما لا يحل تزويج الابن الأم ، وهن في الحق والتعظيم والبِرِّ كالأم . ويروى أنه إنما فعل ذلك بهم لأنهن أزواجه في الجنة . ثم قال تعالى : { وَأُوْلُو ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ } أي : وأولوا الأرحام الذين ورثت يا محمد بعضهم من بعض أولى بالميراث من أن يرثهم المؤمنون والمهاجرون بالهجرة دون الرحم . هذا قول الطبري . قال قتادة : لم يزل المؤمنون زماناً يتوارثون بالهجرة ، والأعرابي المسلم لا يرث من المهاجر شيئاً ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، فخلط المسلمون بعضهم ببعض فصارت المواريث بالملل . وقيل : التقدير : وأولوا الأرحام من المؤمنين والمهاجرين أولى بالميراث من غيرهم ممن لا رحم بينهم من المؤمنين المهاجرين . وقال ابن زيد : كان النبي صلى الله عليه وسلم قد آخى بين المهاجرين والأنصار أول ما كانت الهجرة ، فكانوا يتوارثون على ذلك . قال فلما ظهر الفتح انقطعت الهجرة وكثر الإسلام وتوارث الناس على الأرحام ، فنسخ التوارث بالهجرة ، قال ذلك في كلام طويل تركته إذ الفائدة فيما ذكرت منه . فمعنى الآية على هذا التأويل : وأولوا الأرحام من المهاجرين والأنصار بعضهم أولى ببعض بالميراث من أن يتوارثوا بالهجرة . ثم قال تعالى : { إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً } . أي : إلا أن توصوا لقرابتكم من غير أهل الإيمان والهجرة ، قاله قتادة والحسن وعطاء وابن الحنفية . وقال مجاهد : معناه إلا أن تمسكوا بالمعروف والإحسان بينكم وبين حلفائكم من المهاجرين والأنصار . وقيل : المعنى : إلا أن توصوا لمن حالفتموه وواخيتموه من المهاجرين والأنصار ، قاله ابن زيد . وقوله تعالى : { كَانَ ذَلِكَ فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً } . أي : كان أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في اللوح المحفوظ مكتوباً ، قاله ابن زيد وغيره . وقيل : المعنى : كان منع أن يرث المشرك المسلم مكتوباً في الكتاب ، قاله قتادة . ثم قال تعالى : { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ } . المعنى عند الطبري : { كَانَ ذَلِكَ فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً } ، أي كتبنا ما هو كائن في اللوح المحفوظ ، { وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ ٱلنَّبِيِّيْنَ مِيثَاقَهُمْ } ، كان ذلك أيضاً ، في الكتاب مسطوراً ، يعني العهد والميثاق . فالعامل في " إذ " على هذا : " كان " . والعامل فيها عند أبي إسحاق / " اذكر " مضمرة ، أي : واذكر إذ أخذنا . قال ابن عباس : أخذ منهم الميثاق على قومهم . وقال ابن أبي بن كعب : هو مثل : { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } [ الأعراف : 172 ] الآية فأخذ ميثاقهم على الأنبياء منهم الذين كانوا كالسراج ، ثم أخذ ميثاق النبيئين خاصة على الرسالة . روى قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " كُنْتُ أَوَّلَ الأَنْبِياءِ فِي الخَلْقِ وآخِرَهُمْ فِي البَعْثِ " . فلذلك وقع ذكره هنا مقدماً قبل نوح وغيره لأنه أولهم في الخلق . وقيل : المعنى : إن الله جل ذكره أخذ الميثاق على النبيئين أن يصدق بعضهم بعضاً . قال مجاهد : { وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ } : في ظهر آدم ، فالمعنى أخذ الله عليهم الميثاق إذ أخرجهم من ظهر آدم عليه السلام كالذَّرّ .