Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 21-24)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ } إلى قوله : { فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } . أي ما كان لإبليس على أصحاب الجنتين وغيرهم ممن اتبعه من حجة يضلهم بها إلا سلطناه عليهم لنعلم من يطيعه فينكر الجزاء والبعث ممن يعصيه فيؤمن بالجزاء والبعث ، وذلك أمر قد علمه الله جل ذكره ، ولكن المعنى : لنعلم ذلك علم مشاهدة ، فعليها يقع الجزاء والثواب . وقيل : المعنى : إلا لنعلم ذلك عندكم كما قال : { أَيْنَ شُرَكَآئِيَ } [ القصص : 62 ] ، أي على / قولكم وزعمكم . فقوله : " إلا لنعلم " ليس في الظاهر بجواب لقوله : { وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ } أي : من حجة لكنه محمول على المعنى ، لأن معنى { وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِّن سُلْطَانٍ } : ما جعلنا له عليهم من سلطان إلا لنعلم . فبهذا يتصل بعض الكلام ببعض ويظهر المعنى . ثم قال تعالى : { وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفُيظٌ } أي : وربك يا محمد على أعمال هؤلاء الكفرة وغير ذلك من الأشياء كلها حفيظ لا يغرب عنه علم شيء ، مجاز جميعهم بما كسبوا ، أي في الدنيا من خير وشر . ثم قال تعالى : { قُلِ ٱدْعُواْ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ } أي : قل يا محمد لهؤلاء الجاحدين من قومك : ادعوا من زعمتم أنه شريك لله فاسئلوهم يفعلوا بكم بعض ما فعل بهؤلاء الذين تقدم ذكرهم من خير ونعمة فإنهم لا يملكون زنة مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ، { وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ } أي : فليس يملكون شيئاً على الانفراد ولا على الشركة ، فكيف يكون من هذه حاله شريكاً لمن يملك جميع ذلك ، وإذا لم تقدر ألهتكم على شيء من ذلك ، فأنتم مبطلون في دعواكم . فمفعول زعمتم جملة محذوفة دل عليها الخطاب ، والتقدير : الذين زعمتم أنهم ينصرونكم من دون الله ، يعني الملائكة لأنهم عبدوهم من دون الله وزعموا أنهم ينصرونهم . ثم قال : { وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِّن ظَهِيرٍ } أي : وما لله جل ذكره من آلهتهم من عوين على خلق شيء . ثم قال تعالى : { وَلاَ تَنفَعُ ٱلشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } أي : لا تنفع شفاعة شافع لأحد إلا لمن أذن الله له في الشفاعة ، والله لا يأذن بالشفاعة لأحد من أهل الكفر ، وأنتم أهل كفر فكيف تعبدون من تعبدون من دون الله زعماً منكم أنكم تعبدونه ليقربكم إلى الله وليشفع لكم عند ربكم ، " فَمَنْ " على هذا التأويل للمشفوع له ، والتقدير : إلا لمن أذن له أن يشفع فيه . وقيل : هي للشافع - يراد به الملائكة ، أي لمن أذن له أن يشفع في غيره من الملائكة مثل قوله : { وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ٱرْتَضَىٰ } [ الأنبياء : 28 ] . قيل : من قال لا إله إلا الله . ودل على ذلك قوله : { حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ } . ثم قال تعالى : { حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ } أي : كشف عنها الفزع . ومن فتح فمعناه : إذا كشف الله عن قلوبهم الجزع . وقرأ الحسن : " فُزِّعَ " الراء والعين غير معجمة . وروي عنه بالراء وعين معجمة . والمعنى أزيل عن قلوبهم الفزع . قال ابن عباس : " فزع عن قلوبهم " جُلِيَ . وقال مجاهد : كشف عنهم الغطاء . وهم الملائكة ، وذلك أن ابن مسعود قال : إذا حدث أمر عند ذي العرش ، سمع من دونه من الملائكة صوتاً كجر السلسلة على الصفا فيغشى عليهم ، فإذا ذهب الفزع عن قلوبهم نادوا ماذا قال ربكم ؟ فيقول من شاء الله : قال الحق وهو العلي الكبير . وروى أبو هريرة أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خُضْعَاناً لقوله كأنه سلسلة على صفوان ، فإذا فُزِّعَ عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم ؟ قالوا : الحق وهو العلي الكبير " . وقال ابن جبير : ينزل الأمر من عند رب العزة إلى سماء الدنيا فيسمعون مثل وقع الحديد على الصفا ، فيفزع أهل السماء الدنيا حتى يستبين لهم الأمر الذي نزل فيه فيقول بعضهم لبعض ماذا قال ربكم ؟ فيقولون : قال الحق وهو العلي الكبير . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إذا أراد الله جل ذكره أن يُوِحي بالأمر ، تكلم بالوحي ، أخذت السماوات منه رَجْفَةٌ - أو قال رعدة شديدة - خوفاً من الله ، فإذا سمع ذلك أهل السماوات صُعِقُوا وَخَرُّوا لله سجداً فيكون أول من يرفع رأسه جبريل صلى الله عليه وسلم ، فيكلمه الله جل وعز من وَحْيِهِ بما أراد ، ثم يمر جبريل على الملائكة صلى الله عليهم ، كلما مرَّ بسماء سألته ملائكتها ماذا قال ربنا يا جبريل ؟ فيقول جبريل صلى الله عليه وسلم : قال الحق وهو العلي الكبير . قال : فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل ، فينتهي جبريل عليه السلام بالوحي حيث أمره الله عز وجل " . قال قتادة : يوحي الله جل ذكره إلى جبريل / صلى الله عليه وسلم فتفرق الملائكة مخافة أن يكون شيئاً من أمور الساعة ، فإذا أجلي عن قلوبهم وعلموا أن ذلك ليس من أمور الساعة ، قالوا : ماذا قال ربكم . وقال الضحاك : زعم ابن مسعود أن الملائكة المعقبات يختلفون إلى أهل الأرض يكتبون أعمالهم ، فإذا أرسلهم الرب وانحدروا سمع لهم صوت شديد فيحسب الذين هم أسفل منهم من الملائكة أنه من أمر الساعة فيخرون سجداً ، وهذا كلما مروا عليهم يفعلون ذلك من خوف الله . وذكر ابن سحنون محمد . حدثنا بسنده إلى ابن عباس أنه قال : إن الله تبارك وتعالى إذا تكلم بالوحي سمع أهل السماوات صوتاً كصوت الحديد وقع على الصفا فيخرون سجداً ، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا : ماذا قال ربكم ؟ قالوا : الحقَّ وهو العلي الكبير . وروى محمد حدثنا بسنده إلى ابن مسعود أنه قال : إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماوات صلصلة كجر السلسلة على الصفا فيصعقون ، فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل صلى الله عليه وسلم ، فإذا جاءهم فزع عن قلوبهم فإذا قاموا نادوا يا جبريل ماذا قال ربكم ؟ فيقول : الحقَّ ، فينادون الحق الحق وهو العلي الكبير . وقال ابن زيد : هذا في بني آدم عند الموت أقروا بالله حين لم ينفعهم الإقرار . فالمعنى فزع الشيطان عن قلوبهم وفارقهم وما كان يضلهم ، أي : قالوا : ماذا قال ربكم ، فيكون هذا الكلام مردوداً على من تقدم ذكره من الذين صدق عليهم إبليس ظنه ، وتكون الأقوال المتقدمة مردودة على { إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ } أي لمن أذن له من الملائكة أن يشفع . و { ٱلْعَلِيُّ } الجبار و { ٱلْكَبِيرُ } السيد . ثم قال تعالى : { قُلْ مَن يَرْزُقُكُمْ مِّنَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي : قل يا محمد لهؤلاء المشركين من يرزقكم من السماوات والأرض ؟ ، أي : من ينزل عليكم الغيث من السماء ويخرج النبات من الأرض لأقواتكم ومنافعكم ؟ ثم قال تعالى : { قُلِ ٱللَّهُ } وفي الكلام حذف ، أي : فإن قالوا لا ندري فقل : الله ، وكذلك كل ما كان مثله قد حذف منه الجواب لدلالة الكلام عليه . ثم قال تعالى : { وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } أي : أحدنا على خطأ في مذهبه ، والتقدير : وإنا لعلى هدى أو في ضلال مبين أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين ، ثم حذف " هدى " وقد علم المعنى في ذلك كما تقول ، أنا أفعل كذا وأنت تفعل كذا وأحدنا مخطئ ، وقد عُرف من هو المخطئ . و { لَعَلَىٰ هُدًى } خبر عن إياكم ، وخبر الأول محذوف لدلالة الكلام عليه ، ويجوز أن يكون خبراً للأول ، وهو اختيار المبرد . فيكون خبر الثاني هو المحذوف . ولو عطفت على الموضع فقلت : وأنتم لكان لعلى هدى خبراً للأول لا غير . وقيل : المعنى ، وإنا لعلى هدى وإياكم لفي ضلال مبين . " أو " بمعنى الواو . وهو قول أبي عبيدة . وقال البصريون : أو على بابها : وليست للشك ، وإنما تكون في مثل هذا في كلام العرب تدل على أن المخبر لم يرد أن يبين ، وهو عالم بالمعنى لكنه لم يرد أن يبين من هو المهتد . وقيل : أو على بابها ، ولكن معنى الكلام الانتقاص للمشركين والاستهزاء بهم ، أي : قد بين أن آلهتهم لا ترزق شيئاً ولا تنفع ولا تضر ، وهو مثل قولك للرجل : والله إنَّ أحدنا لكاذب ، وقد علمتَ من هو الكاذب ، ولكن أردت توبيخه واستنقاصه وتكذيبه فدللت عن ذلك بلفظ غير مكشوف . فأمر الله النبي صلى الله عليه وسلم أن يكذبهم ويعيرهم في دينهم بلفظ غير مكشوف .