Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 34, Ayat: 25-37)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { قُل لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّآ أَجْرَمْنَا } إلى قوله : { فِي ٱلْغُرُفَاتِ آمِنُونَ } . أي : قل يا محمد لهؤلاء المشركين : لا تسئلون أنتم عن ذنوبنا ولا نسأل عن ذنوبكم ، وقل لهم يا محمد : يجمع بيننا ربنا في الآخرة ثم يفتح بيننا بالحق ، أي يحكم ويقضي بيننا بالحق فيظهر عند ذلك المهتدي هنا من الضال . ثم قال : { وَهُوَ ٱلْفَتَّاحُ ٱلْعَلِيمُ } أي : والله الحاكم القاضي بين خلقه لا يخفى عليه حالهم ولا يحتاج إلى شهود ، العليم بجميع الأمور / . ثم قال تعالى : { قُلْ أَرُونِيَ ٱلَّذيِنَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَآءَ كَلاَّ } أي : قل لهم يا محمد أروني الذين جعلتم لله شركاء في عبادتكم إياه هل خلقت شيئاً ، أو رزقتكم شيئاً ، أو نفعتكم ، فعرفوني ذلك وإلاَّ فلِمَ عبدتموها ؟ { كَلاَّ } أي : كذبوا ، ليس الأمر كما ذكروا من أن لله شركاء في ملكه ، بل هو الله المعبود وحده ، العزيز في انتقامه ، الحكيم في تدبيره خلقه . وقيل : إن " كلا " رد لجوابهم المحذوف ، كأنهم قالوا هي هذه الأصنام ، فرد عليهم قولهم ، أي : ليس الأمر كما زعمتم ، أي : ليست شركاء له بل هو ( الله ) العزيز الحكيم . وأروني هنا من رؤية القلب . والمعنى عرفوني ذلك ، فشركاء مفعول ثان ، ويجوز أن يكون من رؤية العين ، فيكون شركاء حالاً . ثم قال : { وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ } أي : ما أرسلناك يا محمد إلا جامعاً لإنذار الناس وتبشيرهم ، العرب والعجم . ومعنى كافة في اللغة الإحاطة . ثم قال تعالى : { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } أي : لا يعلمون أن الله أرسلك كذلك إلى جميع الخلق . قال قتادة : أرسل الله جل ذكره محمداً صلى الله عليه وسلم إلى العرب والعجم فأكرمهم على الله أطوعُهُم له . قال قتادة : ذكر لنا أن النبي عليه السلام قال : " أنَا سابقُ العرب ، وَصُهَيْبٌ سابقُ الروم ، وبلال سابق الحبشة ، وسلمان سابق فارس " . ثم قال تعالى : { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } أي : متى يأتي العذاب الذي تعدنا به يا محمد ؟ قل لهم يا محمد : لكم أيها القوم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون ، أي : لا يؤخرون للمؤنة إذا جاءكم ولا يتقدم العذاب إليكم قبله . ثم قال : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن نُّؤْمِنَ بِهَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ وَلاَ بِٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ } أي : لن نؤمن بما جاء به محمد ولا بما أتى قبله من الكتب ، أي لا نصدق بذلك كله . ثم قال تعالى : { وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ ٱلظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ } أي : لو تراهم يا محمد موقوفين يتلاومون يحاور بعضهم بعضاً ، يقول الذين استضعفوا في الدنيا للذين كانوا يستكبرون عليهم في الدنيا : لولا أنتم لكنا في الدنيا مؤمنين . { قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ } أي : في الدنيا للذين استضعفوا فيها . { أَنَحْنُ صَدَدنَاكُمْ عَنِ ٱلْهُدَىٰ } أي : منعناكم من اتباع الحق بعد إذ جاءكم من عند الله . { بَلْ كُنتُمْ مُّجْرِمِينَ } بإيثاركم الكفر بالله على الإيمان . ثم قال تعالى : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ } أي : في الدنيا للذين استكبروا فيها عليهم . { بَلْ مَكْرُ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَآ } أي : بل مكركم بالليل والنهار صدنا عن الهدى إذ تأمروننا أن نكفر بالله . { وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً } أي : أمثالاً وأشباهاً في العبادة والألوهية . وأضيف المكر إلى الليل والنهار على الإتساع ، لأن المعنى معروف لا يشكل كما يقولون : نهارك صائم وليلك قائم . وقال ابن جبير : معناه بل مر الليل والنهار فغفلوا . وقال الأخفش : رفعه على معنى بل هذا مكر الليل . ثم قال تعالى : { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱْلَعَذَابَ } أي : أظهروها . وقيل : المعنى : تبينت الندامة في أسرار وجوههم لأن الندامة إنما هي في القلوب فلا تظهر ، إنما تظهر بما تولد عنها . والمعنى : ندموا على ما فرطوا فيه من طاعة الله في الدنيا حين عاينوا عذاب الله الذي أعده لهم . وقال قتادة : وأسروا الندامة بينهم لما رأوا العذاب . ثم قال : { وَجَعَلْنَا ٱلأَغْلاَلَ فِيۤ أَعْنَاقِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي : أغللنا أيدي الكافرين بالله في جهنم إلى أعناقهم جزاء بما كانوا في الدنيا يكفرون بالله . قال الحسن : إن الأغلال لم تجعل في أعناق أهل النار لأنهم أعجزوا الرب ، ولكن إذا طفى بهم اللهب ترسبهم في النار . ثم قال تعالى : { وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ } أي : ما بعثنا في أهل قرية نذيراً ينذرهم بأس الله أن ينزل بهم على كفرهم . { إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ } أي : كبراؤها ورؤوسها في الضلالة . { إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } كما قال لك مشركوا قومك يا محمد . ثم قال : { وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَـرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً } أي : وقال أهل الاستكبار على الله ورسله من كل قرية أرسلنا فيها نذيراً : نحن أكثر من الأنبياء أموالاً وأولاداً وما نحن في الآخرة بمعذبين / ، لأن الله لو لم يكن راضياً عنا في ديننا لم يعطنا ذلك ويفضلنا به ، كما قال قومك يا محمد لك . ثم قال تعالى ذكره لنبيه : { قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ } أي : يوسع على من يشاء في رزقه ويضيق على من يشاء . وليس التوسع في الرزق بفضل ومنزلة وقربة لمن وسع عليه ، ولا التضييق في الرزق لبغض ولا مقت ولا إهانة لمن ضيق عليه ، بل ذلك كله لله تعالى ، يفعل ما يشاء محنة لعباده وابتلاء منه ليعلم الشاكر من الكافر ، علماً يجب عليه الجزاء ، وقد كان علمه قبل أن يبتلي أحداً بذلك ، ولكن يريد أن يعلمه علم مشاهدة يقع عليه الجزاء . ثم قال تعالى : { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } أي : لا يعلمون أن الله إنما يفعل ذلك اختباراً وامتحاناً فيظنون أنه إنما وسع على قوم لفضلهم ومحبتهم ، وضيق على قوم لبغضهم ومقتهم . ثم قال : { وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ بِٱلَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ } أي : ليس ما كسبتم من الأموال والأولاد مما تقربكم إلى الله ، إنما يقرب من الله تعالى الإيمان والعمل الصالح ، فلا فائدة لكم في احتجاجكم أنكم أكثر أموالاً وأولاداً من الرسل . وقوله : { إِلاَّ مَنْ آمَنَ } نصب بالاستثناء . وقال الزجاج : من في موضع نصب على البدل من الكاف والميم في تقربكم . وهو غلط لأن الغائب لا يبدل من المخاطب . لو قلت : رأيتك زيداً ، لم يجز . وهو معنى قول الفراء . وأجاز الفراء أن تكون " من " في موضع رفع بمعنى ما هو إلا من آمن . وهو بعيد في المعنى ، وإنما وحد " التي " وقد تقدم ذكر أموال وأولاد لأنه على حذف ، والتقدير : وما أموالكم بالتي تقربكم ولا أولادكم بالتي تقربكم ، ثم حذف الأول لدلالة الثاني . وقال الفراء : التي تكون للأموال والأولاد جميعاً . ثم قال تعالى : { فَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ جَزَآءُ ٱلضِّعْفِ بِمَا عَمِلُواْ } أي : إلا من آمن وعمل صالحاً وأنه تقربه أمواله وأولاده بطاعتهم لله في ذلك وأدائهم حق الله فيه دون أهل الكفر ، فيضاعف لهم الحسنة بعشرة أمثالها وفي سبيل الله إلى سبع مائة ضعف . وقال ابن زيد : إلا من آمن فلن تضره أمواله ولا أولاده في الدنيا ، وقرأ : { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ } [ يونس : 26 ] . وقال : الحسنى : الجنة والزيادة : ما أعطاهم الله في الدنيا لا يحاسبهم كما يحاسب الكفار . ثم قال تعالى : { وَهُمْ فِي ٱلْغُرُفَاتِ آمِنُونَ } أي : من العذاب ، ومعنى " زلفى " قربى ، قاله مجاهد وغيره .