Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 35, Ayat: 13-23)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ } إلى قوله : { إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ } . أي : يزيد من الليل في النهار ، ومن النهار في الليل . وأصل الإيلاج الدخول . فالمعنى يدخل مِنْ هذا في هذا ، وَمِنْ هذا في هذا . قال ابن عباس : هو انتقاص أحدهما من الآخر . ثم قال : { وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى } أي : سخرهما في الجري نعمة منه وفضلاً لتعلموا عدد السنين / والحساب ، والليل من النهار ، يجريان لوقت معلوم لا يتقدمانه ولا يتأخران عنه . قال قتادة : لا يقصر دونه ولا يتعداه . وقيل : الأجل المسمى هنا : القيامة . ثم قال : { ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ } أي : الذي يفعل هذه الأفعال هو الله معبودكم الذي لا تصلح العبادة إلاّ له . ثم قال : { لَهُ ٱلْمُلْكُ } أي : له الملك التام ، كل في سلطانه وملكه يفعل ما يشاء . ثم قال : { وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ } أي : الأوثان والأصنام التي تعبدون من دون الله لا تملك شيئاً من ذلك ولا مقدار قطمير فما فوقه ، وهي القشرة الرقيقة التي على النواة . وقال ابن عباس : قَطمير هو الجلد الذي يكون على ظهر النواة . وقال مجاهد : لفافة النواة كسحاة البيضة . وقال قتادة : هو الذي على رأس النواة . وقال جويبر عن بعض رجاله : هو القمع الذي على رأس الثمرة ثم قال : { إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُواْ دُعَآءَكُمْ } يعني الأصنام لأنها جمادات لا روح لها . ثم قال : { وَلَوْ سَمِعُواْ مَا ٱسْتَجَابُواْ لَكُمْ } أي : لو كان لها روح فسمعت لم تستجب ، إذ هي ليست ممن ينطق وليس كل سامع ينطق . فكيف تعبدون من هذه حاله وتتركون عبادة من خلقكم وأنعم عليكم بتسخير الليل والنهار والشمس والقمر وغير ذلك من نعمه . قال قتادة : { وَلَوْ سَمِعُواْ مَا ٱسْتَجَابُواْ لَكُمْ } أي : ما قبلوا ذلك عنكم ولا نفعوكم فيه . ثم قال : { وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِـكُمْ } أي : تتبرأ آلهتكم التي كنتم تعبدون في الدنيا من أن تكون لله شركاء . قال قتادة : معناه يكفرون بشرككم إياهم ، ولا يرضون به ولا يقرّون به . وهو قوله : { مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ } [ يونس : 28 ] . ثم قال : { وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } فالله جلّ ذكره هو الخبير أن هذا سيكون في القيامة . ثم قال : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ } أي : أنتم ذووا الحاجة إلى الله فإياه فاعبدوه ، والله هو الغني عن عبادتكم إياه وعن غير ذلك ، ( المحمد ) على نعمه فله الحمد والشكر بكل حال . { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُـمْ } أي : يهلككم لأنه أنشأكم من غير حاجة به إليكم . { وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ } أي : بخلق سواكم يطيعونه . { وَمَا ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ } أي : وما ذهابكم والإتيان بخلق جديد بعزيز على الله ، أي شديد عليه ، بل ذلك هيّن سهل . ثم قال تعالى : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } أي : لا تحمل نفس حاملة حِمْلَ نفس أخرى ، يعني من الذنوب والآثام . روي أن هذه الآية نزلت في الوليد بن المغيرة المخزومي ، قال لمن أسلم من بني مخزوم : ارجعوا إلى دينكم القديم وأنا أحمل عنكم أوزاركم . وفيه نزلت : { أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ * وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ * أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } [ النجم : 36 - 38 ] . ثم هذا كله عام في كل من ادّعى أن يحمل ذنب غيره لا يجوز له شيء من ذلك ولا ينتفع به المحمول عنه . ثم قال : { وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ } أي : إن تدع نفس مثقلة بالأوزار والذنوب إلى أن يحمل غيرها عنها من ذلك شيئاً ، لا يحمل أحد عنها من ذلك شيئاً ، ولو كان المدعو ذا قرابة من الداعي . قال ابن عباس : لا يؤخذ أحد بذنب أحد . قال عكرمة : بلغني أن اليهودي والنصراني يرى الرجل يوم القيامة فيقول : [ " ألم أكن قد أسديت إليك يداً ؟ ] ، ألم أكن قد أحسنت إليك ؟ ، فيقول : بلى ، فيقول : انفعني ، فلا يزال المسلم حتى ينقص من عذابه ، وإن الرجل ليأتي إلى أبيه يوم القيامة فيقول : ألم أكن بك باراً وعليك مشفقاً وإليك محسناً ؟ وأنت ترى ما أنا فيه ، فهب لي حسنة من حسناتك أو تحمّل عني سيئة ، فيقول : إن الذي سألتني ليسير ولكني أخاف مثل ما تخاف ، وإن الأب ليقول لابنه مثل ذلك ، فيرد عليه نحواً من هذا ، وإن الرجل ليقول لزوجته : ألم أكن حسن العشرة لك ؟ فتحمّلي عني خطيئة لعلي ألْحق ، فتقول : إن ذلك ليسير ولكني أخاف مما تخاف منه ، ثم تلا عكرمة : { وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا } الآية . وهذا القول أيضاً هو قول مجاهد وقتادة . ثم قال تعالى : { إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ } أي : إنما تنذر يا محمد الذين يخافون / عقاب الله يوم القيامة من غير معاينة منهم لذلك ، لكن آمنوا بما جئتهم به من الخير بذلك عن الله وصدقوا به . قال قتادة : معناه يخشون النار والحساب ، وإنما خصّ هؤلاء بالإنذار ، وإن كان صلى الله عليه وسلم نذيراً لجميع الخلق لأنهم هم الذين ينتفعون بذلك . ثم قال تعالى : { وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ } أي : أدوا فروضها في أوقاتها بحدودها . ثم قال : { وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ } أي : ومن تطهر من دنس الكفر والمعاصي بالتوبة إلى الله ، فإنما يتطهر لنفسه ، أي على نفسه يعود نفع تزكيته لأنه يكسبها رضى الله جلّ ذكره والفوز بالنجاة من النار والحلول بالجنة . قال قتادة : ومن يعمل صالحاً فإنما يعمل لنفسه ، فهو مثل قوله : { مَّنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا } [ فصلت : 46 ] . ثم قال : { وَإِلَى ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ } أي : رجوع كل عامل عملاً إلى الله تعالى فيجازيه عليه . ثم قال تعالى ذكره : { وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ } أي : الكافر والمؤمن . أي : { وَلاَ ٱلظُّلُمَاتُ وَلاَ ٱلنُّورُ } الكفر والإيمان . { وَلاَ ٱلظِّلُّ وَلاَ ٱلْحَرُورُ } . أي : الجنة والنار . قال الأخفش : لا زائدة في " ولا النور " و " لا الحرور " . وقيل : إن " لا " لها فائدة في دخولها مع الواو خلاف خروجها وذلك أنها تدل على أن كل واحد من الاثنين لا يتساويان ، فإذا قلت لا يستوي الأعمى ولا البصير ، فمعناه لا يساوي الأعمى البصير ولا البصير الأعمى . وإذا قلت [ لا يستوي الأعمى والبصير ، فمعناه لا يساوي الأعمى البصير ] . وليس فيه دلالة على أن البصير لا يساوي الأعمى ، وهذا القول فيه دخَلٌ . لأن من لم تساوه لم يساوك ، فدخول لا مثل خروجها . قيل : معنى الآية : لا يستوي الأعمى عن دين الله الكافر به ، والبصير في دين الله المتبع له ، ولا ظلمات الكفر ونور الإسلام . وقال ابن عباس : الظل الجنة ، والحرور : النار ، والظلمات : الضلالة ، والنور : الهدى . وقيل : الظل ضد الحر ، والحرور الحر الدائم ، والسموم لا يكون إلاّ بالنهار ، والحر بالنهار والليل ، هذا قول الفراء . وقال رؤبة : الحرور بالليل ، والسموم بالنهار . قال : { وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَحْيَآءُ وَلاَ ٱلأَمْوَاتُ } أي : الأحياء القلوب بالإيمان ، والأموات القلوب بغلبة الكفر عليها ، فلا تعقل عن الله شيئاً … قال ابن عباس : هذا كله مثل ضربه الله لأهل الطاعة والمعصية . ثم قال : { إِنَّ ٱللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَآءُ } أي : يوقف من يشاء لقبول كتابه فيتعظ به . { وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي ٱلْقُبُورِ } أي : لست يا محمد تسمع الموتى كتاب الله فتهديهم به ، فكذلك لا تقدر أن تسمعه من أمات قلبه الكفر فيهتدي به . ثم قال تعالى : { إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ } أي : تنذر من أُرسِلت إليه ليس عليك غير ذلك .