Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 35, Ayat: 33-37)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ } إلى قوله : { مِن نَّصِيرٍ } . أي : بساتين إقامة لا زوال منها ، يدخل هؤلاء المتقدمون ذكرهم ، على ما ذكرنا من الاختلاف في الآية التي قبلها ، ورجوع الضمير على الكل أو على البعض . ثم قال : { يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ } أي : يلبسون ذلك في هذه البساتين . وأساور جمع الجمع واحده أَسْوِرَة ، وواحد أَسْوِرَة سَوار وسِوَار لغتان فيه . وحكي إِسْوَارٌ ، وجمعه أساوير . وفي حرف أُبَيّ : " أساوير " على هذا المعنى . وقال بعض أهل اللغة : قوله { مِنْ عِبَادِنَا } عام في النساء والرجال ، وقوله : { يُحَلَّوْنَ فِيهَا } يعني به النساء خاصة ، وهو غلط لأنه كان يجب أن يقول يحلين ، ولكن هو للرجال . ويجوز أن يكون لهما جميعاً فيغلب المذكر على المؤنث . ثم قال : { وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ } من خفض فعلى العطف على " أساور " . ومن نصب فعلى موضع " أساور " . وروي أن كل واحد يحلّى في يده ثلاث أسوِرة : واحد من فضة ، وآخر من ذهب ، وآخر من لؤلؤ ، والذهب في الوسط في كل يد . ثم قال تعالى : { وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِيۤ أَذْهَبَ عَنَّا ٱلْحَزَنَ } . قال ابن عباس : الحزَن : حزن دخول النار ، وهو قول الحسن . وقال عطية الحزنَ : الموت . وقال شمر : الحزنَ : حزن الخبر . وقال قتادة : كانوا في الدنيا يعملون وينصبون وهم في حزن فحمدوا الله على ذهاب ما كانوا فيه . وروى أبو الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أَمَّا الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ فَيُصِيبُهُ فِي ذَلِكَ المَكَانِ مِنَ الغَمِّ وَالحُزْنِ ، فَذَلِكَ قَوْلُهُم : الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الحَزَنَ " يعنون ما كانوا فيه - في الموقف - من الخوف . وقال الزجاج : معناه الذي أذهب عنا الغم بالمعيشة ، والخوف من العذاب وتوقع الموت . وقيل : هو عام في جميع الحزن . وقيل : الحزن هو أعمال عملوها من الخير فكانوا تحت خوف منها أن تقبل منهم أو لا تقبل ، فلما قبلت حمدوا الله على ذلك . وروى زيد بن أسلم عن ابن عمر أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لَيْسَ عَلَى أَهْلِ لا إِلَهَ إلاّ الله وَحْشَةٌ فِي قُبُورِهِم وَلا يَوْمَ نُشُورِهِمْ ، وَكَأَنِّي بِأَهْلِ لا إِلَهَ إلاَّ اللهَ يَنْفُضُونَ التُّرابَ / عَنْ رُؤُوسِهِمْ يَقُولُونَ : الحَمْدُ للهِ الَّذي أَذْهَبَ عَنَّا الحَزَنَ " . ثمّ قال : { إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ } قيل : إنه من قول الثلاثة الأصناف . قال قتادة : غفور لذنوبنا شكور لحسناتنا . قال شمر : غفر لهم ما كان من ذنب وشكر لهم ما كان من عمل . وقيل : هو من قول الظالم لنفسه ، أي : غفر الذنب الكثير وشكر العمل القليل . رواه أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم ذكره في قوله : { أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ } . وذكر ابن وهب عن أبي رافع أنه قال : بلغنا أنه يُجاء لابن آدم يوم القيامة بثلاثة دواوين ، ديوان فيه الحسنات ، وديوان فيه النِّعم ، وديوان فيه السيّئات ، فيقال لأصغر تلك النّعم : قومي فاستوفي ثمنك من الحسنات فتستوعب عمله ذلك كله فتبقى ذنوبه والنّعم كما هي ، فمن ثم يقول العبد : { إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ } . وعن ابن عباس أنه قال : السابق بالخيرات يدخل الجنة بغير حساب ، والمقتصد يُحاسب حساباً يسيراً ، والظالم لنفسه يحاسب حساباً شديداً ويحبس حبساً طويلاً . فإذا أدخل هؤلاء الظلمة لأنفسهم الجنة قالوا : الحمد لله الذي أذهب عنّا الحزَنَ - الذي كنا [ فيه ] حين حبسنا - إنّ ربنا لغفور شكور ، غفر الذنوب العظيمة وشكر العمل القليل . ثم قال تعالى ذكره : { ٱلَّذِيۤ أَحَلَّنَا دَارَ ٱلْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ } أي : أنزلنا وأدخلنا دار الإقامة . والمقامة والإقامة سواء ، وهي الجنة . { لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ } أي : تعب ولا وجع . { وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ } أي : عياء . يقال : لغب يلغبُ لُغُوباً . قال ابن عباس : اللغوب : العياء . والنَّصبُ بفتح النون والصاد التعب والنُّصْبُ بضم النون وتسكين الصاد : الشَّرُّ ، والنُّصُبُ بضمّتين : ما يُنصَبُ لذبح أو غيره . وقرأ أبو عبد الرحمن : " لَغوب " بفتح اللام جعله مصدراً كالوَقود والطَّهور . وقيل : هو ما يلغب منه . ثم قال تعالى : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ } قال قتادة : لو ماتوا استراحوا ، ولكن لا يموتون . ثم قال : { وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا } أي : لا ينقص عنهم من النوع الذي هم فيه من العذاب . ثم قال : { كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ } أي : نكافئ كلّ جَحُود لنعمة ربه يوم القيامة . ثم قال تعالى : { وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا } أي : يستغيثون فيها ويضجون ، يسألون الرجعة إلى الدنيا ليعملوا صالحاً ، فيقال لهم : { أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ } . قال ابن عباس : هو أربعون سنة أعذر الله فيه لابن آدم ، وقاله مجاهد . وقال مسروق : إذا بلغ أحدكم أربعين سنة فليأخذ حذره من الله جلّ ثناؤه . وقيل : وهو ثماني عشر سنة . وعن ابن عباس أيضاً : إنها ستون سنة ، وهو قول علي بن أبي طالب . وروي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ نُودِيَ أَيْنَ أَبْنَاءُ السِّتِّينَ وَهُوَ العُمْرُ الَّذِي قَالَ اللهُ تَعالَى ذِكرُهُ : أَوَ لَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ " . وروى أبو هريرة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لقَدْ أَعْذَرَ اللهُ فِي العُمْرِ إلَى صاحبِ السِّتِّينَ سنَة والسَّبْعِينَ " . ثم قال : { وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُ } . قال ابن زيد : هو محمد صلى الله عليه وسلم ، وقرأ : { هَـٰذَا نَذِيرٌ مِّنَ ٱلنُّذُرِ ٱلأُوْلَىٰ } [ النجم : 56 ] . وقيل : هو الشّيب . والمعنى عمرتهم هذا العمر فلم تتعظوا ولم تعملوا ولم تؤمنوا . ثم قال : { فَذُوقُواْ } أي : عذاب جهنّم . { فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ } أي : ما لهم من ينصرهم من عذاب الله فيستنقذهم منه .