Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 35, Ayat: 38-43)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { إِنَّ ٱللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ } إلى قوله : { لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحْوِيلاً } . أي : يعلم ما يخفي جميع الخلق وما يسرّون ، وما لم يخفوه . { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } أي : ما تخفون في أنفسكم . ثم قال : { هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ فِي ٱلأَرْضِ } أي : استخلفكم في الأرض بعد الأمم الماضية . قال قتادة : أمة بعد أمة وقرناً بعد قرن . وفيه معنى التنبيه والتخويف أن يصيبهم مثل ما أصاب الأمم قبلهم . ثم قال تعالى : { فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ } أي : على نفسه ضرر كفره راجع ، مثل : { وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا } [ فصلت : 46 ] . وقيل : معناه : فعليه جزاء كفره . ثم قال تعالى : { وَلاَ يَزِيدُ ٱلْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً } أي : بعداً من الله ورحمته . { وَلاَ يَزِيدُ ٱلْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَسَاراً } أي : هلاكاً . والمقت / عند أهل اللغة أشد البغض . ثم قال تعالى : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَآءَكُمُ } أي : قل يا محمد لهؤلاء المشركين : أخبروني عن شركائكم الذين تدعون من دون الله ، { مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ } ، أي : هل خلقوا شيئاً ، { أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ } - إن لم يكونوا خلقوا في الأرض شيئاً - أم أعطاكم الله كتاباً أن تشركوا بها ، وتعبدونها من دون الله ، فأنتم على حجج من عبادتكم لها إن كان معكم شيء من ذلك ، فهل عبدتموها لأمر من هذه الأمور : فيقوم لكم بذلك عذر ، أم عبدتموها لا لمعنى ، فتظهر لكم خطاياكم . وكذلك فعلوا ، ألا ترى أنهم لم يجدوا حجة من عبادتهم لها إلا أن { قَالُواْ وَجَدْنَآ آبَآءَنَا لَهَا عَابِدِينَ } [ الأنبياء : 53 ] . ومعنى " أرأيتم " عند سيبويه : أخبروني عن كذا ، على ( معنى ) التوقيف ، وأجاز سيبويه : " قد عَلِمْتُ زَيدٌ أبو مَنْ هُوَ " بالرفع لأن زيداً في المعنى مستفهم عنه ، ولو جعلت موضع علمت أرأيت ، لم يجز الرفع لأنه بمعنى أخبرني عن زيد ، فلا يصلح أن يعلق ، إذْ خرج عن حد ما يدخل على الابتداء والخبر ، وحسن تعليق علمت لأنها داخلة على الابتداء والخبر . ثم قال : { بَلْ إِن يَعِدُ ٱلظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً } أي : ليس لآلهتهم شيء من هذه الخِلال ، فقولهم : ما نعبد آلهتنا إلا لتقربنا إلى الله زلفى خداع من بعضهم لبعض ، وحسن إضافة الشركاء إليهم لأنهم هم اختلقوها وجعلوها شِرْكاً لله . و " بَيّنَت " في الخط بالتاء ، وذلك يدل على أنه جمع لأنه لو كان واحداً لم يكتب بالتاء لأنه مُنَوَّنٌ ، وإنَّ ما وقع بالتاء من هذا النوع ما كان غير منونٍ نحو " رَحْمَتِ رَبّي " . و [ … ] الله وشبه ذلك . وأيضاً فإن كثيراً من المصاحف كتبت " بيِّنَاتِ " فيه بألف قبل التاء فمن قرأ بالتوحيد فلا يخلو من أن يكون خالف الخط ، ومخالفته لا تجوز ، أو تكون قراءة على لغة الذين قالوا في طلحة : طلحت فوقفوا بالتاء ، وهي لغة شاذة . ثم قال : { إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ أَن تَزُولاَ } أي : لئلا تزولا عن مكانهما . { وَلَئِن زَالَتَآ } قال الفراء : " لئن " بمعنى لو . والمعنى : ولو زالتا . وحسن ذلك عنده لأن : ( لئن ولو ) تجابان بجواب واحد فشبيهتان في المعنى . قال قتادة : " أن تزولا " : أي من مكانهما . وروي أن رجلاً جاء إلى عبد الله ، فقال له : من أين جئت ؟ فقال من الشام ، فقال : مَنْ لَقِيتَ ؟ قال : لقيت كعباً ، قال : ما حدثك كعب ؟ قال : حدثني أن السماوات تدور على منكب ملك ، قال : فصدقته أو كذبته ؟ قال : ما صدقته ولا كذبته ، قال : لوددت أنك افتديت من رحلتك إليه براحلتك ورحلها ، كذب كعب ، إن الله يقول : { إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ } الآية . وروي عنه أن الرجل قال له : قال كعب : إن السماء في قطب كقطب الرحى ، [ والقطب عمود ] ، والعمود على منكب ملك . وقيل : إن المعنى أن النصارى لما قالت : إن المسيح ابن الله ، وقالت اليهود عزير ابن الله كادت السماوات أن تنفطر ، وكادت الجبال أن تزول ، وكادت الأرض أن تنشق ، فأمسك الله جل ذكره ذلك حِلْماً منه وأنَاةً وتفضلاً ، وهو قوله تعالى : { تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ ٱلأَرْضُ وَتَخِرُّ ٱلْجِبَالُ هَدّاً * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَداً } [ مريم : 90 - 91 ] . وقوله جل ذكره : { وَلَئِن زَالَتَآ } يعني به يوم القيامة لأنها تزول فيه . س وقيل : إن المعنى : لو وقع هذا ، على ما ذكرنا عن الفراء . ثم قال : { إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً } أي : حليماً عن مَنْ عصاه أن يعاجله بالعقوبة ، فإمساكه السماوات والأرض والجبال عند قولهم ذلك ، وإضافتهم الولد إليه مِن حلمه ، غفوراً لمن تاب من كفره . ثم قال تعالى : { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ } أي : أقسم هؤلاء المشركون أشد الأيمان وأبلغها . { لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ } ينذرهم بأس الله { لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى ٱلأُمَمِ } أي : ليكونن أسلك لطريق الحق واتباع الرسول من إحدى الأمم الماضية ، فلما جاءهم نذير وهو محمد صلى الله عليه وسلم ازدادوا في كفرهم وغيهم ونفروا عن الأيمان أكثر مما كانوا قبل أن يأتيهم ، استكباراً منهم في الأرض وأنفة أن يُقِرُّوا بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم . ثم قال تعالى : { وَمَكْرَ ٱلسَّيِّىءِ } أي : وخدعة سيئة ، وذلك أنهم صدوا الضعفاء عن اتباعه مع كفرهم به . قال قتادة : " ومكر السيء " هو الشرك . وأصل المكر السيء في اللغة الكذب / والخديعة بالباطل . وقوله " جهد " نصبه على المصدر ، أي : جهدوا في مبالغة الإيمان جهداً . " واستكباراً " " ومكراً " انتصبا على أنهما مفعولان من أجلهما ، أي فعلوا ذلك لهذا أي للاستكبار والمكر . وأكثر النحويين على رد قراءة حمزة بإسكان همزة " السَّيِّءْ في الوصل " . وقال قوم : هو جائز في كلام العرب سائغ ، وإنما فعل ذلك في الوقف ، فوصل على نية الوقف كما أثبت هاء السكت وألف " أنا " في الوصل من أثبتهما على نية الوقف . وقال قوم : إنما أسكن استخفافاً لأنه قد اجتمع في الكلمة ياءان : الثانية مكسورة ، والكسرة مقام ياء ، وبعد ذلك همزة ، وهي ثقيلة ، فأسكن لاجتماع هذا الثقل . وقد خففت العرب كسرتين نحو : " إِبِلٍ " " وإِطِلٍ " ، فقالوا : إِبْلٍ وإِطْلٍ ، وخففوا ضمتين فقالوا : " رُسُلٍ وسُبُلٍ " . فشبهوا حركة الإعراب بحركة البناء عند اجتماع كسرتين على حرفين ثقيلين قبلهما حرف ثقيل . وقيل : إنه إنما كان يخفي الحركة وليس يسكن . ثم قال تعالى : { وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ } أي : لا يحل مكروه الباطل وعقوبته إلاّ بمن فعله . ثم قال : { فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ ٱلأَوَّلِينَ } أي : سنتنا في إهلاكه الأمم الماضية على كفرهم . { فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً } أي : لا تجد يا محمد لعادة الله في إهلاك الكفار تغييراً . { وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحْوِيلاً } أي : انتقالاً ، بل ينتقم منهم ، وينزل عليهم سخطه ، فإن أمهلهم وأملى لهم فلا بد من عادة الله فيهم بالانتقام كما مضت فيمن كان قبلهم من الأمم .