Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 20-31)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله ( تعالى ذكره ) : { وَجَآءَ مِنْ أَقْصَا ٱلْمَدِينَةِ رَجُلٌ ( يَسْعَىٰ ) } إلى قوله : { إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ } . قال ابن إسحاق فيما بلغه عن ابن عباس وعن كعب الأحبار وعن وهب بن منبه : أن رجلاً من أهل أنطاكية ، اسمه حبيب النجار ، ( كان ) يعمل الجرير ، وكان سقيماً ( قد أسرع فيه ) الجذام / ، وكان منزله عند باب من أبواب المدينة ( قاصياً ) ، وكان مؤمناً ذا صدقة يجمع كسبه إذا أمسى فيقسمه نصفين ، فيطعم نصفه عياله ويتصدق بنصفه فلم يهمه سقمه ولا عمله ولا ضعفه عن عمل ربه ، فلما اجتمع قومه - يعني أهل أنطاكية - على قتل الرسل بلغ ذلك حبيباً وهو على باب المدينة الأقصى فجاء يسعى إليهم ويذكرهم الله ويدعوهم إلى اتباع المرسلين ، فقال لهم ما قص الله علينا . قال قتادة : ذُكِرَ لنا أن اسمه حبيب وكان يعبد ربه في غار . ويروى أنه كان نجاراً ، وقيل : ( إنه ) كان حطاباً ، لما بلغه أمر الرسل أتى مسرعاً بحزمته فآمن ، وقال للناس : { يٰقَوْمِ ٱتَّبِعُواْ ٱلْمُرْسَلِينَ } . ثم أقبل على المرسلين فقال : أتريدون مالاً نعطيكم ، فقالوا : لا ، فأقبل على الناس يقول : { ٱتَّبِعُواْ مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } فقيل له : أَفأَنْتَ تتبعهم ، فقال : { وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِي فَطَرَنِي } ، إلى قوله : { ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } ، ثم أقبل على المرسلين فقال لهم : { إِنِّيۤ آمَنتُ بِرَبِّكُمْ } فتألب عليه الناس فقتلوه . قال ابن عباس : هو حبيب النجار . ويروى أنه لما سمع بخبر الرسل جاء يسعى فقال لهم : أتطلبون ( على ) ما جئتم به أجراً ، قالوا : لا ، فأقبل على قومه فقال : { يٰقَوْمِ ٱتَّبِعُواْ ٱلْمُرْسَلِينَ } إلى قوله : { إِنِّيۤ آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَٱسْمَعُونِ } يقول هذا للرسل . قال قتادة : فرجمه قومه ، فقال : اللهم اهد قومي ، أحسبه قال : فإنهم لا يعلمون ، فقتلوه رجماً ، فأدخله الله الجنة ، فلم ينظر الله قومه حتى أهلكهم . روي أن جبريل صلى الله عليه وسلم وضع جناحاً في أقطارها فقلبها عليهم فبقوا خامدين ساكتين . وعن كعب الأحبار أنه قال : الرسولان والذي جاء يسعى خُدَّ لهم أُخْدود وحرقوا بالنار فيه . وأكثر الناس على أن الرسل كانوا من حواريي عيسى عليه السلام ، تنبأهم الله بعد / عيسى ، وأرسل منهم اثنين إلى أنطاكية فكذبوهما وضربوهما وحبسوهما ، فقواهم الله برسول ثالث . وقد قيل : إن الثالث شمعون ، ( وهو ) من أصحاب عيسى ، وأنه أرسل قبل الاثنين إلى أنطاكية فكذبوه ، وإلى ذلك ذهب الفراء . قال كعب ووهب : وثبوا على الذي جاء يسعى وثبة رجل واحد فقتلوه . وقوله : { وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } أي : على استقامة من الحق ، فاهتدوا بهداهم . ولا يحسن الوقف على " المرسلين " لأنَّ مَنْ بدل " من " المرسلين بإعادة الفعل . وقوله : { وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِي فَطَرَنِي } ( أي ) : وأَي شيء لي في ترك عبادة خالقي . { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } أي : تصيرون أيها القوم . قال ابن إسحاق على روايته عن ابن عباس وكعب ووهب : فنادى قومه بخلاف ما هم عليه وأظهر لهم دينه ، وعاب آلهتهم فقال : { أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ ٱلرَّحْمَـٰنُ بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلاَ يُنقِذُونَ } . أي : لا تشفع لي آلهتكم عند ربي إذا عذبني على الكفر ولا ينقذون من عذابه ، ولا تدفع عني ضراً ولا تجلب إليَّ نفعاً . ثم قال ( تعالى ) : { إِنِّيۤ إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } أي : لفي جور عن الحق ظاهر ، إن اتبعت آلهتكم وعبدتها من دون الله . ثم قال : { إِنِّيۤ آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَٱسْمَعُونِ } . قال ابن إسحاق : هذا مخاطبة لقومه . والمعنى : أني آمنت بربكم الذي كفرتم به فاسمعوا قولي . [ وقيل بل خاطب بذلك الرسل قال لهم : اسمعوا قولي فاشهدوا لي ] بما أقول لكم عند ربي ، فعندما قال هذا وثبوا عليه فقتلوه . قال ابن مسعود وابن عباس وكعب ووهب : وثبوا عليه فوطؤوه بأقدامهم على سقمه ومرضه حتى مات . ثم قال : { قِيلَ ٱدْخُلِ ٱلْجَنَّةَ قَالَ يٰلَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُكْرَمِينَ } قال هذا بعد أن قتل . وقوله : { فَٱسْمَعُونِ } هو آخر قوله لقومه في الدنيا ، وبه تم كلامه . ثم حكي الله عنه حاله في الآخرة وما قال وما قيل له بقوله : { قِيلَ ٱدْخُلِ ٱلْجَنَّةَ } . وقد قيل : إنه إخبار من الله عما يقال له يوم القيامة وما يقول ، ( أي ) : فلما قتلوه قيل له : ادخل ، ( فلما ) دخلها وعاين ما أكرمه ( الله به ) ، قال : يا ليت قومي يعلمون بغفران ربي لي ، وجعله إياي من المكرمين . ( أي ) : فعل ذلك على إيماني ، فلو عاينوا ذلك لآمنوا واستوجبوا مثل ما استوجبت . قال النبي صلى الله عليه وسلم : " نَصَحَ قَوْمَهُ حَيّاً وَمَيِّتاً " . قال قتادة : فلما دخلها ، قال ذلك ، فلا تلقى المؤمن إلا ناصحاً . ( فما ) والفعل مصدر ، ويجوز أن تكون بمعنى الذي . ثم قال ( تعالى ) : { وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } أي : من رسالة ولا نبي بعد قتله ، قاله قتادة ومجاهد . وعن ابن مسعود : أن المعنى : أن الله غضب لقتله غضبة فعجل لهم النقمة بما استحلوا منه فلم يبعث إليهم جنوداً من السماء بعد قتله ، وما كانت إلا صيحة واحدة فلم يبقَ منهم باقية قال قتادة : فلا والله ما عاتب الله قومه بعد قتله حتى أهلكهم . وقوله : { وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ } ظاهر الكلام أن " ما " نافية . وقال بعض أهل النظر : " ما " اسم في موضع خفض على " جند " على اللفظ ، أو في موضع نصب عطف على موضع جند لأن " من " زائدة . وتقديره : وما أنزلنا على قومه من جند من السماء ، وما كنا منزلين على الأمم الكافرة من نحو الحجارة والغرق والمسخ والريح وغير ذلك ، إنما أخذتهم صيحة فهلكوا . وقوله : { إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً } أي : ما كانت عقوبتهم على قتله إلا صيحة واحدة . وقيل : التقدير : وما كانت هلكتهم إلا صيحة . وقرأ أبو جعفر : برفع الصيحة الواحدة ، على أنه اسم كان ، والتقدير : إن كانت عليهم إلا صيحة واحدة . وقيل : التقدير : إن وقعت إلا صيحة . ومنعه أبو حاتم لأجل التأنيث الذي مع الفعل ، وقال : لا يجوز : ما جاءتني إلا جارياتك وإنما يقال : ما جاءني ( لأن التقدير ما جاءني ) أحد . وهذا الذي منع جائز على أن يكون التقدير : ما جاءتني امرأة إلا جاريتاك . وقول أبي حاتم أولى لأنه نفي عام فلا يضمر إلا أحد . وفي حرف ابن مسعود : " إِنْ كَانَتْ إِلاَّ زَقْيَةً واحدة " بالرفع . ( وزقية ) في موضع صيحة . والمعروف في اللغة : زقا يزقو زقوة : إذا صاح ، ولا يُقْرَأُ به لأنه مخالف لخط المصحف . وقوله : { فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ } أي : هالكون وساكتون بمنزلة الرماد الخامد . ثم قال ( تعالى ) : { يٰحَسْرَةً عَلَى ٱلْعِبَادِ } أي : تعالي يا حسرة فهذا إبانك / ووقتك يَتَحَسَّرُ بِكِ العباد على أنفسهم . هذا مذهب سيبويه . ونصبت لأنها نكرة . وقال الطبري : معناه : يا حسرة من العباد على أنفسهم وتندماً وتلهفاً في استهزائهم برسل الله . وذُكِر أن في بعض القراءات : " يا حسرة على العباد على أنفسها " . روي عن قتادة : يا حسرة العباد على أنفسها ما ضيعت من أمر ربها وفرطت في جنب الله . قال ابن عباس : " يا حسرة على العباد " معناه : يا ويلاً على العباد . وقال أبو العالية : العباد هنا الرسل . والمعنى أن الكفار لما رأوا العذاب قالوا : يا حسرة على العباد ، أي : على الرسل الثلاثة الذين أرسلوا إليهم ، تحسروا عليهم أن يؤمنوا بهم . ثم قال الله جل ذكره : { مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } . وقال بعض أهل اللغة : ( المعنى ) : يا لها حسرة على العباد . وحقيقة الحسرة أن يلحق الإنسان من الندم ما يصير به حسيراً ، أي منقطعاً . ثم قال ( تعالى ) : { أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ } أجاز الفراء أن تكون " كم " في موضع نصب يروا ، واستدل على ذلك أن في حرف ابن مسعود : " أَلَمْ يَرَوا مَن أهلكنا " . ولا يجوز هذا عند البصريين لأن " كم " استفهام ، ولا يعمل فيها ما قبلها . والعامل فيه أهلكنا ، وأنها عند سيبويه بدل من كم . ورد ذلك عليه المبرد ، والتقدير عنده : بأنهم . والمعنى : الم ير هؤلاء المشركون من قومك يا محمد كم أهلكنا قبلهم من القرون بتكذيبهم الرسل ، فيخافوا أن ينزل بهم مثل ما نزل بأولئك ، أي : ألم يعلموا ذلك . وقرأ الحسن : " إِنَّهُم " بالكسر على الاستئناف . { لاَ يَرْجِعُونَ } : لا يعودون بعد موتهم وهلاكهم .