Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 9-19)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله ( تعالى ذكره ) : { وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً } إلى قوله { قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ } قد تقدم ذكر السَّدِّ والسُّدِّ في الكهف ، والمعنى : جعلنا من بين أيدي هؤلاء الكفار حاجزاً ومن خلفهم حاجزاً . { فَأغْشَيْنَاهُمْ } أي : جعلنا على أعينهم غشاوة . وروي عن ابن عباس وعكرمة ويحيى بن يعمر : " فَأَعْشَيْنَاهُمْ " ، بالعين غير معجمة من عَشَى العين . قال الطبري في " سُدّاً " : من فتح كان من فعل بني آدم ، وإذا كان من فعل الله كان بالضم . وقيل : معناه أنهم زين لهم سوء أعمالهم فهم يعمهون فلا يبصرون شيئاً . قال مجاهد : سداً عن الحق فهم يترددون . وقال ابن زيد : جعل هذا السد بينهم وبين الإسلام والإيمان فهم لا يخلصون إليه . وقرأ : { وَسَوَآءُ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ } ، وقرأ : { إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ } [ يونس : 96 ] ، وقرأ شبه ذلك . وقيل : هو تمثيل ، والمعنى : أنه تعالى منعهم من الهدى بالضلال فلم ينتفعوا بالإنذار . قال ابن إسحاق : جلس عتبة وشيبة ابنا ربيعة وأبو جهل وأمية بن خلف يرتصدون النبي صلى الله عليه وسلم ليبلغوا من أذاه ، فخرج عليهم فقرأ أول { يسۤ } وفي يده تراب فرماهم به ، وقرأ : { وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً } إلى رأس العشر ، فأطرقوا حتى مر رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال ابن عباس : أقسم أبو جهل لئن رأيت محمداً يصلي لأدمغنه ، فأخذ حجراً والنبي عليه السلام يصلي ليرميه به ، فلما أومأ به إليه رجعت يده إلى عنقه والتصق الحجر بيده ، فهو قوله : { إِنَّا جَعَلْنَا فِيۤ أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلاً } [ يس : 8 ] . قال عكرمة : كانوا يقولون : هذا محمد ، فيقول أبو جهل : أين هو ؟ أين هو ؟ لا يبصره . ثم قال : { وَسَوَآءُ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ } أي : الإنذار وتركه على هؤلاء الذين حق عليهم القول سواء ، فهم لا يؤمنون لما سبق لهم في أم الكتاب ، وهو قوله : { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ } [ الأعراف : 179 ] . قال ابن عباس : ما آمن منهم أحد ، يريد من القوم الذين تقدم ذكرهم . ثم قال : { إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلذِّكْرَ } أي : من آمن بالقرآن . { وَخشِيَ ٱلرَّحْمـٰنَ بِٱلْغَيْبِ } أي : وخاف الله حين يغيب عن أبصار الناس لأن المنافق يستخف بدين الله إذا خلا . ويجوز أن يكون المعنى : وخاف الله من أجل ما أتاه من الأخبار التي غابت عنه فلم يعاينها ، ولكنه صدقها فخاف من عواقبها ، فهو مثل قوله : { ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ } [ البقرة : 3 ] . ثم قال : { فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ } أي : بستر من الله لذنوبه إذا اتبع الذكر وخاف الله . { وَأَجْرٍ كَرِيمٍ } أي : وثواب في الآخرة حسن ، وذلك الجنة . ثم قال : ( تعالى ذكره : { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي ٱلْمَوْتَىٰ } يعني في الآخرة للنشور . { وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ } أي : من أعمالهم في الخير والشر . وتقديره : ونكتب ذكر ما قدموا . { وَآثَارَهُمْ } أي : ما أخروا بعدهم من الأعمال والسنن التي يتبعون عليها ( ويقتدى بهم فيها ) . فهو ما أبقى الرجل بعده من عمل يجري عليه ثوابه أو إثمه . وقيل / هو تصرفهم وتقلبهم في ( الدنيا ) وخطاهم مكتوب ( كله ) . وروي أن هذه الآية نزلت في قوم أرادوا أن يقربوا من مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقرب عليهم . فيكون المعنى : ونكتب ثواب خطاهم ومشيهم إلى المسجد على بعد مساكنهم وقربها . قال ابن عباس : كانت ( منازل ) الأنصار متباعدة من المسجد فأرادوا أن ينتقلوا إلى قرب المسجد ، فنزلت { وَنَكْتُبُ مَاَ ( قَدَّمُواْ ) وَآثَارَهُمْ } فقالوا : نثبت مكاننا . وقال جابر : أَرَادَ بَنُو سَلِمَة قُرْبَ المَسْجِدِ ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : " يَا بَنِي سَلِمَةَ دِيَّارَكُمْ إِنَّهَا تُثْبَتُ آثَارُكُمْ " . وقال مجاهد و ( الحسن ) وقتادة : آثارهم خطاهم . قال جابر بن عبد الله : " هَمَمْنَا أَنْ نَنْتَقِلَ إِلَى قُرْبِ المَسْجِدِ ، واسْتَشَرْنَا رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : " امْكُثُوا ( مَكَانَكُمْ ) ، فَإِنَّ لَكُمْ فَضِيْلَةٌ عَلَى مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْكُمْ بِكُلِّ خُطْوَةٍ دَرَجَةً " . وروى جابر " أنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فقال : يَا رَسُولَ الله أَرَدْنَا أَنْ نَتَحَوَّلَ إِلَى قُرْبِ المَسْجِدِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ : " لا تَفْعَلُوا فَإِنَّ بِكُلِّ خُطْوَةٍ ( حَسَنَةً ) " " . وروى عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يُكْتَبُ لَهُ بِرِجْلٍ حَسَنَةً وَيُحَطُّ عَنْهُ بِرِجْلٍ سَيِّئَةً / ، ذَاهِباً وَرَاجِعاً إِذَا خَرَجَ إِلَى المَسْجِدِ " . ثم قال ( تعالى ) : { وَكُلَّ شيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِيۤ إِمَامٍ مُّبِينٍ } أي : ما كان وما هو كائن أثبتناه في أم الكتاب . ومعنى { مُّبِينٍ } أي : بَيّنٍ عن حقيقة ما أثبت فيه ، وهو اللوح المحفوظ . قاله مجاهد وقتادة وابن زيد . ثم قال ( تعالى ) : { وَٱضْرِبْ لَهُمْ مَّثَلاً أَصْحَابَ ٱلقَرْيَةِ إِذْ جَآءَهَا ٱلْمُرْسَلُونَ } أي : اذكر لهم يا محمد مثلاً ومثل لهم مثلاً . يقال هذا من ضرب هذا ، أي : من أمثاله وجنسه . أصحاب القرية بدل من مثل ، والتقدير مثل أصحاب القرية . قال عكرمة : هي أَنْطَاكِيَة . وقاله الزهري . وهو مروي عن ابن عباس أيضاً . قال قتادة : ذُكِرَ لنا أن عيسى بن مريم عليهما السلام بعث رجلين من الحواريين إلى أنْطاكِيَة مدينة الروم فكذبوهما ، فقواهما الله بثالث فكذبوهم . وقال وهب بن منبه : كان بمدينة أنطاكية فرعون من الفراعنة يعبد الأصنام ، يقال له : أنطيخس بن أنطيخس بن أنطيخس ، فبعث الله ( إليه ) المرسلين وهم ثلاثة صَادِقٌ وصَدُوقٌ وَشَلُومٌ ، فقدم الله إليه وإلى أهل مدينته اثنين منهم فكذبوهما ، وهو قوله : { قَالُواْ مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا } أي : لستم بملائكة ، إنما أنتم بنو آدم مثلنا فلا نقبل منكم ، { وَمَآ أَنَزلَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ } قالت الرسل : { رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ } . ( أي من عنده ) ، { وَمَا عَلَيْنَآ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ } أي : ليس يلزمنا إلا أن نبلغ إليكم ما أُرْسِلْنا به ( إليكم ) ونبينه لكم . قال وهب : ثم عزز الله بثالث ، فلما دعته الرسل ونادته بأمر الله وعابت دينه قالوا لهم : { إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ } أي : تَشَاءَمْنا بِكُمْ ، { لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ لَنَرْجُمَنَّكُمْ } ، أي : لئن لم تسكتوا عما تقولون لنقتلنكم رجماً ولنعذبنكم عذاباً ( أليماً ) . وتأول الفراء : أن الثالث أرسل قبل الاثنين ، وأنه شمعون ولو كان كما قال لكان القرآن : فعززنا بالثالث . ومعنى : { فَعَزَّزْنَا } فقوينا وشددنا ، وأصله من عَزَّنِي إذا غلبني ، ومنه قوله : { وَعَزَّنِي فِي ٱلْخِطَابِ } [ ص : 23 ] ، أي غلبني . ثم قال ( تعالى ) : { قَالُواْ طَائِرُكُم مَّعَكُمْ } أي : قالت لهم الرسل لما تشاءموا بهم : أعمالكم معكم وحظكم من الشر والخير معكم ليس ذلك من شؤمنا ، أَمِنْ أجل أنَّا ذَكَّرْنَاكُمْ بالله وبعقابه تطيرتم بنا . وقيل : التقدير : قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم فمعكم طائركم ، يقدره على التكرير ، وهو مذهب بعض البصريين . وقرئت { أَئِن ذُكِّرْتُم } بهمزتين مفتوحتين . والمعنى : لأن ذُكِّرْتُم تطيرتم بنا فهو على ما مضى ، وقراءة الجماعة على ما يأتي . { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ } أي : في المعاصي .