Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 36, Ayat: 41-51)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله ( تعالى ذكره ) : { وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ ( فِي ٱلْفُلْكِ ) } إلى قوله : { إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ } . أي : وآية لأهل مكة أنا حملنا ذريات نوح في الفلك المشحون ، أي : الموقر . فالضميران على هذا مختلفان . وقد قيل : إن المعنى : وآية لأهل مكة أنا حملنا أولادهم وضعفاءهم ومن لا يقدر على المشي في السفينة في البحر . فالضميران متفقان ، والفلك في القول الأول سفينة نوح واحد في المعنى . وقيل : المعنى : إن الآباء يسمون ذرية . فالمعنى : وآية لأهل مكة أنا حملنا آباءهم في الفلك المشحون ، وهي سفينة نوح . وإنما جاز ذلك لأن الذرية مِنْ : ذَرَأَ الله الخلق . ( فسمي الولد / ذريه لأنه ذري من الأب ، ويسمى الأب ذرية لأن الابن ذري منه . فكما جاز أن يقال للابن ذرية لأبيه ) لأنه ذري منه ، فكذلك يجوز أن يقال للأب ذرية للابن لأن ابنه ذري منه . فالمراد بها سفينة نوح ، ويراد بها في القول الثاني : سفينة من السفن ، وهي المَرْكَبُ ، فيجوز أن يكون واحداً وجمعاً ، فإذا كان جمعاً فواحده فَلَكٌ كُوَثَنٍ وَوُثْنٍ . قال الحسن : ( المشحون ) المحمول . وقيل : الممتلئ ، قاله ابن عباس . ثم قال ( تعالى ) : { وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ } . قال ابن عباس : هي السفن الصغار ، ودل على ذلك : { وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ } . وقال الضحاك : يعني السفن التي اتُّخِذَتْ بعد سفينة نوح . وقاله قتادة وابن زيد وأبو صالح وغيرهم . وعن ابن عباس : أنها الابل ، قال : فالإبل سفن البر . وقال مجاهد : يعني الأنعام . وقال الحسن أيضا : هي الإبل . واختيار الطبري قول من قال هي السفن ، لقوله ( تعالى ) : { وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ } إذ لا غرق في البر ، والمعنى : إِنْ نشأ نغرق هؤلاء المشركين إذا ركبوا الفلك في البحر . { فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ } أي : لا مغيث لهم إذا نحن أغرقناهم . { وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ } أي : ينجون من الغرق . وصريخ بمعنى مُصرخ : أي مغيث . يقال صرخ الرجل إذا صاح ، وأصرخ إذا أغاث وأعان ، فهو مُصْرِخ والأول صارخ . ثم قال تعالى : { إِلاَّ رَحْمَةً مِّنَّا } . فنصب " رحمة " عند الزجاج لأنه مفعول من أجله . وهي عند الكسائي نصب على الاستثناء . والمعنى : ولا هم ينقذون إلا لأجل الرحمة والإمتاع بالحياة إلى وقت ، هذا التقدير على قول الزجاج . والتقدير على قول الكسائي : ولا هم ينقذون إلا أن يرحمهم فيمتعهم إلى أجل . قال قتادة : { إِلَىٰ حِينٍ } إلى الموت . ثم قال : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّقُواْ مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ [ وَمَا خَلْفَكُمْ } أي : إذا قيل لهؤلاء المشركين من قومك يا محمد اتقوا ما بين أيديكم ] ، أي : احذروا ما تقدم قبلكم من نقم الله في الأمم الماضية بكفرهم وتكذيبهم الرسل أن يحل بكم مثل ذلك . { وَمَا خَلْفَكُمْ } أي : وما أنتم لاقُوهُ من عذاب الله تعالى إن هلكتم على كفركم وتكذيبكم . { لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } أي لتكونوا على رجاء من الرحمة . هذا قول سيبويه ، وقال الطبري : معناه : ليرحمكم ربكم . قال قتادة : " ما بين أيديكم " : وقائع الله جل ذكره فيمن خلا من الأمم ، " وما خلفكم " أي : من أمر الساعة . وقال مجاهد : ما بين أيديهم ، ما مضى من ذنوبهم ، وما خلفهم : ( قال ) : ذنوبهم التي ( هم ) عاملوها . وقال ابن جبير : " ما بين أيديكم " الآخرة . " وما خلفكم " : الدنيا . وجواب إذا محذوف ، والتقدير : إذا قيل لهم ذلك أَعرضوا . ثم قال ( تعالى ) : { وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ } أي : ما يأتي هؤلاء المشركين من حجة من حجج ربهم إلا أعرضوا عنها لا يفكرون ولا يتدبرون . ثم قال ( تعالى ) : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱلله } أي : أَدُّوا زكاته لأهل الضعف منكم . { قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي : كفروا بالله ورسوله { لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ } بهما . { أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ أَطْعَمَهُ } قالوه على التهزي . وقوله : { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } يجوز أن يكون من قول الكفار للمؤمنين . ويجوز أن يكون من قول الله جل ذكره ( وثناؤه ) للمشركين الذين قالوا : { أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ أَطْعَمَهُ } . قال الحسن : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ } هم اليهود . [ ثم قال تعالى : { وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } أي : متى نبعث ونعذب ، استعجالاً بالعذاب وتكذيباً للبعث ، يقوله المشركون للمؤمنين وللنبي صلى الله عليه وسلم ] . ثم قال ( تعالى ذكره ) : { مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً } أي : ما ينتظر هؤلاء المشركون الذين يستعجلون وعيد الله إلا صيحة واحدة ، وذلك نفخة الفزع عند قيام الساعة ، وهي النفخة الأولى تأخذهم وهم في بيعهم وشرائهم . { فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً } أي : لا يقدرون أن يوصوا ولا يرجعوا إلى أهلهم . وقوله : { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ } قيل : هي النفخة الثالثة ، وقيل : هي الثانية يقوم بها الأموات . وقيل : هي ثلاث نفخات ، و ( قد ) ذكرناها في غير موضع من كتابنا هذا ، روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله جل ثناؤه لما فَرَغَ من خَلْقِ السماوات والأرض خَلَقَ الصُوْرَ فأعطاه إسْرَافِيلَ ، فهو واضعه على فِيهِ شَاخِصٌ بِبَصَرِهِ إلَى العَرْشِ ينتظر متى يُؤْمَرُ " . قال أبو هريرة : " يا رسول الله ، وما الصّور ؟ قال : قَرْنُ . قال : وكَيْفَ هو ؟ قال : قَرْنٌ عَظِيمٌ يُنْفَخُ فيه ثلاثُ نَفَخَاتٍ ، الأُولى : نَفْخَةُ الفَزَعِ ، والثَّانِيَةُ : نَفْخَةُ الصَّعْقِ ، والثَّالِثَةُ : نَفْخَةُ القِيَّامِ لِرَبِّ العَالَمِينَ جَلَّ ذِكْرُهُ ، وَيَأْمُرُ الله إسْرَافِيلَ بِالنَّفْخَةِ الأُوْلَى ، فَيَقُولُ : انْفُخْ نَفْخَةَ الفَزَعِ ، فَيَفْزَعُ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَأَهْلُ الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ الله ، وَيَأْمُرُهُ الله فَيُدِيمُهَا ويُطَوِّلُهَا فَلاَ تَفْتُرُ ، وهي التي يَقُولُ : مَا يَنْظُرُ هَؤُلاَءِ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ ثُمَّ يَأْمُرُ الله إِسْرَافِيلَ بِنَفْخَةِ الصَّعْقِ ، فَيَقُولُ : انْفُخْ نَفْخَةَ الصَّعْقِ ، فَيَصْقَقُ : أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ الله فَإِذَا هُمْ فِيهَا خَامِدُونَ ، ثم يُميتُ مَنْ بَقِيَ فإذَا لَمْ يَبْقَ إِلاَّ الله الوَاحِدُ الصَّمَدُ بَدَّلَ الأَرْضَ غَيْرَ الأَرْضِ والسَّمَاوَاتِ ، فَيَبْسُطُهَا وَيَسْطَحُهَا وَيَمُدُّهَا مَدَّ الأدِيمِ العُكَاظِيّ لا تَرَى فِيهَا عِوَجَاً وَلاَ أَمْتاً ، ثُمَّ يَزْجُرُ الله الخَلْقَ زَجْرَةً فإِذَا هُمْ فِي ( هَذِهِ ) المُبَدَّلَةِ فِي مِثْلِ مَوَاضِعِهِمْ مِنَ الأُولَى مَا كَانَ في بَطْنِهَا وَمَا كَانَ عَلى ظَهْرِهَا " . قال قتادة : ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ ( الله ) صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ : " تَهِيجُ السَّاعَةُ بِالنَّاسِ وَالرَّجُلُ يَسْقِي مَاشِيَّتَهُ ، وَالرَجُلُ يُصْلِحُ حَوْضَهُ ، والرَّجُلُ يُقِيمُ سِلْعَتَهُ فِي سُوقِهِ ، والرَّجُلُ يَخْفِضُ مِيزَانَهُ وَيَرْفَعُهُ ، وَتَهِيْجُ بِهِهْ وَهُمْ كَذَلِكَ { فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلاَ إِلَىٰ أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ } " . قال عبد الله بن عمر : وَلَيُنْفَخَنَّ في الصّورِ ، والنَّاسُ فِي طُرُقِهِمْ وأَسْوَاقِهِمْ وَمَجَالِسِهِمْ ، ( و ) حَتَّى إِنَّ الثوْبَ لَيَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ يَتَسَاوَمَانِ فما يُرْسِلُهُ أَحَدُهُمَا مِنْ يَدِهِ حَتَّى يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ، وَهِي التِي قَالَ الله عز وجل : { مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ } الآية . ومعنى قوله : { وَلاَ إِلَىٰ أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ } أي : لا يرجعون إلى أهلهم بعد موتهم أبداً . وقيل : لا يرجعون من أسواقهم إلى أهلهم ، يموتون مكانهم ، وهو اختيار الطبري . وهو قول قتادة . وقيل : المعنى : ولا إلى أهلهم يُرجِعُونَ قَوْلاً ، يُشْغَلُونَ بأنفسهم . ومعنى { فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً } أي : لا يمهلون حتى يوصوا بما في أيديهم . ثم قال ( تعالى ) : { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ ٱلأَجْدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ } . قال قتادة : الصور هنا جمع صُورَةٍ ، أي : نَفَخَ في الصُّوَرِ الأَرْوَاحَ . وهو قول أبي عبيدة كَبُسْرَةٍ وَبُسْرٍ . وقرأ ابن هرمز " في الصُّوَرِ " جعله كظُلْمَةِ وَظُلَمٍ . وقيل : هو القرن على ما تقدم . وهذه النفخة هي الثالثة ، وهي نفخة البعث . والأجْدَاثُ : القُبُور ، يقال جَدَثٌ وَجَدَفٌ . ومعنى : { يَنسِلُونَ } : يخرجون سراعاً . والنَّسَلاَنُ : الإسراع في المشي . وقال الحسن في الآية : وثب القوم من قبورهم لمَّا سمعوا الصرخة ينفضون التراب عن رؤوسهم يقول المؤمنون : سبحانك وبحمدك ما عبدناك حق عبادتك . قال وهب بن منبه : ( يبلون ) في قبورهم ، فإذا سمعوا الصرخة عادت الأرواح إلى الأبدان ، والمفاصل بعضها إلى بعض ، فإذا سمعوا النفخة الثانية ، وثب القوم قياماً على أرجلهم ينفضون التراب عن رؤوسهم .