Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 108-142)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ( ذكره ) : { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ } إلى قوله : { وَهُوَ مُلِيمٌ } . أي : وأبقينا على إبراهيم ثناء حسناً في الآخرين من الأمم ، قاله قتادة . وقال ابن زيد : سأل إبراهيم عليه السلام ربه فقال : { وَٱجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي ٱلآخِرِينَ } [ الشعراء : 84 ] ، أي الثناء الحسن ، فأبقى الله عليه أن يقال : { سَلاَمٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } أي : أمنة / من الله أن يذكر الإنجيل . ثم قال : { كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } أي : كما جزينا إبراهيم على طاعته ، كذلك نجزي من أطاع الله وأحسن عبادته . ثم قال : { وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } أي : بشرناه - بعد أن فدينا إسماعيل بالذبح - بإسحاق مقدراً له النبوة والصلاح . ومن قال : إن الذبيح إسحاق فمعناه عنده : ( وبشرنا إبراهيم ) / بعد الفداء بنبوة إسحاق نبياً . وفيه بُعْدٌ لأنك ( لو ) قلت : بشرتك بقدوم زيد قادماً ، لم يكن للحال فائدة ، ولم يوضع لغير فائدة . قال قتادة : بشر بنبوته بعدما جاد لله بنفسه . ثم قال : { وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَىٰ إِسْحَاقَ } أي : ثبتنا عليهما النعمة . { وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ } وهو المطيع . { وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ } وهو الكافر . وذكر الطبري عن السدي أنه قال : كان إبراهيم كثير الطعام يطعم الناس ويضيفهم ، فبينما هو يطعم الناس إذ رأى شيخاً كبيراُ يمشي في الحرة ، فبعث إليه بحمار فركبه حتى أتاه فأطعمه فجعل الشيخ يأخذ اللقمة يريد أن يدخلها في فيه فيدخلها في أذنه مرة وفي عينه مرة ثم يدخلها في فيه ، فإذا أدخلها في فيه ، خرجت من دبره . وكان إبراهيم صلى الله عليه وسلم قد سأل ربه ألا يقبض روحه حتى يكون هو الذي يسأله الموت . فقال إبراهيم للشيخ حين رأى حاله : ما بالك يا شيخ تصنع هذا ؟ قال يا إبراهيم الكبر ، قال له : ابن كم أنت ؟ فزاد على عمر إبراهيم بسنتين ، فقال إبراهيم : إنما بيني وبينك سنتين ، فإذا بلغت ذلك صرت مثله ، قال نعم ، فقال إبراهيم : اللهم اقبضني إليك قبل ذلك ، فقام الشيخ فقبض روح إبراهيم . وكان ملك الموت قد تمثل في صورة شيخ لإبراهيم ، ومات إبراهيم وهو ابن مائتي سنة . وقيل : ابن مائة وسبع وتسعين سنة . ثم قال ( تعالى ) : { وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَارُونَ } أي : تفضلنا عليهما بالنبوة والرسالة . { وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا } أي : ومن آمن معهما ، يعني بني إسرائيل . { مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ } أي : من الغرق . ثم قال ( تعالى ) : { وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُواْ هُمُ ٱلْغَٰلِبِينَ } أي : ونصرنا موسى وهارون وقومهما على فرعون وآله بتغريقنا إياهم فكانوا هم الغالبين . وقال الفراء : الضمير في { وَنَصَرْنَاهُمْ } و { فَكَانُواْ } { هُمُ ٱلْغَٰلِبِينَ } يعود على موسى وهارون وأن التثنية ردت إلى الجمع . ودل على ذلك قوله ( جل ذكره ) . { وَآتَيْنَاهُمَا ٱلْكِتَابَ ٱلْمُسْتَبِينَ * وَهَدَيْنَاهُمَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي ٱلآخِرِينَ * سَلاَمٌ عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَارُونَ } . وقال قوم : إنما جمع في موضع التثنية لأنهما عظيما الشأن جليلا القدر . والعرب تخبر عن الواحد من هذا النوع بلفظ الجمع ، فالإخبار عن اثنين منهما بلفظ ( الجمع ) آكد وأحسن . ومعنى { ٱلْمُسْتَبِينَ } : المتبين هداه وفضله وأحكامه ، يعني التوراة ، والصراط المستقيم : الإسلام . { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي ٱلآخِرِينَ } أي : أبقينا عليهما الذكر الجميل والثناء الحسن ، فكذلك نفعل بمن أحسن في طاعتي وأدى فرائضي . وفيه من الاختلاف ما تقدم في قصة نوح ، وهو يقتضي قوله : { وَٱجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي ٱلآخِرِينَ } [ الشعراء : 84 ] . ( ثم قال ) : { إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي : الذين أخلصناهم واخترناهم للطاعة وهديناهم للإيمان . ومن كسر اللام فمعناه : إنهما من عبادنا الذين أخلصوا العمل ولم يشركوا فيه غيري . قال ( تعالى ) : { وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } . قال ابن إسحاق : ( وهو إلياس ) ( بن ) ياسين بن فنحاص بن العزار بن هارون بن عمران . وكان إلياس من سبط يوشع بن نون ، بعثه الله تعالى إلى أهل بعلبك ، ( وكانوا يعبدون صنماً ) يقال له بعل . وقيل هو إدريس . قاله قتادة . والمعنى : ( إنه ) لَمِنَ الذين أرسلهم الله إلى الخلق ، فقال لقومه : ألا تتقون الله فتخافون عقابه على عبادتكم رباً غيره . ( و ) هو قوله : { أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ ٱلْخَالِقِينَ } . والبعل : الرب لغة أهل اليمن مشهورة ، قاله عكرمة ومجاهد وقتادة والسدي . وروي ذلك عن ابن عباس . وقال الضحاك : هو صنم لهم يسمى بعلاً . وقال ابن زيد : هو صنم كانوا يعبدونه ببعلبك مدينة وراء دمشق . وقيل : إن بعلاً تيس كانوا يعبدون . وقال ابن إسحاق : بلغني أن بعلاً امرأة كانوا يعبدونها / من دون الله جل ذكره . قال وهب بن منبه : بعث الله إلياس إلى بني إسرائيل حين نسوا ما عهد الله إليهم ، حتى ( نصبوا ) الأوثان وعبدوها من دون / الله ، فجعل إلياس يدعوهم إلى الله عز وجل ، وجعلوا لا يسمعون منه شيئاً . وكان ( له مَلِكٌ ) من ملوك بني إسرائيل يطيعونه يقال له : جاب . وكان إلياس يقرب من الملك ، وكان الملك يطيع إلياس ( فيما ) يقول له ، ويراه الناس على هدى . وكانت ملوك بني إسرائيل قد افترقت في البلاد وأخذ كل واحد ناحية يأكلها ، ويعبدون الأصنام ، فقال الملك يوماً لإلياس : والله ما أرى ما تدعو إليه إلا باطلاً ، والله ما أرى ( فلاناً ) وفلاناً - يذكر ملوكاً من ملوك بني إسرائيل - إلا قد عبدوا الأوثان من دون الله ، وهم ( على ) نحو ما نحن عليه ( من النعيم ) ، يأكلون ويشربون ويتنعمون مملكين ، ما تنقص دنياهم عبادتهم الأوثان التي تزعم أنها باطل وما نرى لنا عليهم من فضل ، فعظم الأمر على إلياس ، واقشعر جلده وخرج عنه ، ففعل ذلك الملك فعل أصحابه وعبد الأوثان ، فقال إلياس : اللهم إن بني إسرائيل قد أبوا إلا الكفر بك والعبادة لغيرك فغير ما بهم من نعمة ! أو كما قال : ( قال ) ابن إسحاق : فذكر لنا أنه أوحي إليه أنا قد جعلنا أمر أرزاقهم بيدك وإليك حتى تكون أنت الذي تأذن في ذلك . فقال إلياس : اللهم أمسك عنهم القطر ، فحبس عنهم ثلاث سنين حتى هلكت الماشية والدواب والشجر ، وجهد الناس جهداً شديداً ، وكان إلياس حين دعا عليهم قد استخفى شفقاً على نفسه منهم . وكان حيث ما كان وضع له رزق ، وكانوا إذا وجدوا ريح الخبز في دار أو بيت قالوا : قد دخل إلياس هذا المكان فطلبوه ولقي أهل ذلك المنزل شراً . ثم إنه أوى ليلة إلى امرأة من بني إسرائيل لها ابن يقال له : اليسع بن أخطوب به ضر ، فآوته وأخفت أمره فدعا إلياس لابنها فعوفي من الضر الذي كان به واتبع اليسع إلياس . فآمن به وصدقه ولزمه ، وكان يذهب معه حيث ما ذهب ، وكان إلياس قد أسن وكبر ، وكان اليسع غلاماً شاباً ، فَذُكِر أن الله جل ذكره أوحى إلى إلياس : إنك قد أهلكت خلقاً كثيراً بخطايا بني إسرائيل من البهائم والدواب والطير والهوام والشجر . فذكر - والله أعلم - أن إلياس قال : أي رب ، دعني أكن أنا الذي أدعوا لهم به ، وأكن أنا الذي آتيهم بالفرج مما هم فيه من البلاء الذي أصابهم لعلهم يرجعون عن عبادة غيرك ، فقيل له : نعم ، فأتى إلياس إلى بني إسرائيل ، فقال لهم : إنكم قد هلكتم جهداً وهلكت البهائم والدواب والطير والشجر بخطاياكم ، وإنكم على باطل وغرور ، أو كما قال لهم ، فإن كنتم تحبون ( علم ) ذلك ، وتعلمون أن الله عليكم ساخط فيما أنتم عليه ، والذي أدعوكم إليه الحق ، فاخرجوا بأصنامكم هذه التي تبعدونها وتزعمون أنها خير مما أدعوكم إليه ، فإن استجابت لكم فذلك كما تقولون . فإن هي لم تفعل علمتم أنكم على باطل فنزعتم ودعوت الله يفرج عنكم ما أنتم فيه من البلاء ، قالوا : أنْصَفت ، فخرجوا بأوثانهم وما يتقربون به إلى الله من أحداثهم ، فدعوها فلم تستجب لهم ولم تفرج عنهم ما كانوا فيه من البلاء ، فعرفوا ما هم فيه من الضلال والباطل ، فقالوا لإلياس : يا إلياس إنا قد هلكنا ، فادع الله لنا ، فدعا إلياس لهم بالفرج مما هم فيه ، وأن يسقوا ، فخرجت سحابة مثل الترس بإذن الله على ظهر البحر وهم ينظرون ، ثم ترامى إليهما السحاب ثم أُدْحِيت ، ثم أرسل الله المطر فأغاثهم ، فحييث بلادهم وفرج عنهم ما كانوا فيه من البلاء . فلم يرجعوا ولا نزعوا ، وأقاموا على ما كانوا عليه ، فلما رأى ذلك إلياس من كفرهم ، دعا ربه يقبضه إليه فيريحه منهم ، فذكر أن الله عز وجل أوحى إليه : أخرج إلى بلد كذا وكذا فما جاءك من شيء فاركبه ولا تهبه ، فخرج إلياس وخرج معه اليسع حتى إذا كانا بالبلد الذي ذكر له في المكان الذي أمر به أقبل فرس من نار حتى وقف بين يديه ، فوثب عليه فانطلق به ( فناداه ) اليسع يا إلياس ( يا إلياس ) ما تأمرني به ؟ فكان آخر عهدهم به ، فكساه الله الريش ، / وألبسه النور ، / ( وقطع ) عنه لذة المطعم والمشرب ، وكان في الملائكة إنيساً ملكياً أرضياً سماوياً . قال أبو محمد رضي الله عنه : وهذا الخبر إذا صح فإنما يصح على قول من قال : إنه إدريس صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى ذكره في إدريس { وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً } [ مريم : 57 ] . وقوله : { وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ ٱلْخَالِقِينَ } أي : خالقكم الذي هو أحسن المقدرين للأشياء . { ٱللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ } أي الماضين . [ ثم قال : { فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ } أي : محضرون في عذاب الله ] . ثم قال : { إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } أي : الذين اختارهم ( الله ) فأنجاهم من العذاب بتوفيقه إياهم . ثم قال : { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ * سَلاَمٌ عَلَىٰ إِلْ يَاسِينَ } أي : وأبقينا عليه الثناء الحسن بعده ، فيقال : " سلام على آل ياسين " ، أي : سلام على أهل دينه ، فيسلم على أهله من أجله ، فهو داخل في أفضل الثناء . ومن قرأ " اليَاسِينَ " غير مقطوع . فقال ابن أبي إسحاق : هو اسمه مثل ابراهيم . وذهب أبو عبيد إلى أنه جُمِعَ جَمْعَ السلامة على معنى أنه وأهل مذهبه يسلم عليهم . وقال علي بن سليمان : العرب تُسمي قوم الرجل باسم الرجل الجليل منهم ، فيقولون : المهالبة لأصحاب المهلب ، كأنهم سموا كل واحد بالمهلب فعلى هذا قيل الياسين ، يريد قومه المؤمنين كأنه سمَّى كل واحد منهم بإلياس . وذكر سيبويه أن هذا المعنى إنما يجيء على معنى النسبة ، حكى الأشعرون ، يريد به النسب . واحتج أبو عمرو وأبو عبيد على تركه لقراءة آل ياسين ، أنه ليس في السور سلام على آل فلان من الأنبياء ، فكما سمي الأنبياء في هذا المعنى سمي هو . ولا حجة في هذا لأنه إذا أثني على قومه المؤمنين من أجله فهو داخل في ذلك وله منه أوفر الحظ ، وهو أبلغ في المدح ممن أثني عليه باسمه ، وأيضاً فإن الخط مثبت بالانفصال . وقال الفراء : هو مثل { طُورِ سَيْنَآءَ } [ المؤمنون : 20 ] و { وَطُورِ سِينِينَ } [ التين : 2 ] ، والمعنى واحد . ومعنى ذلك : أن إلياس اسم أعجمي ، [ والعرب إذا استعملت الأسماء الأعجمية في كلامها غيرتها بضروب من ] التعبير ، فيقولون : إبراهيم وإبراهام وإبرهام ، وميكائيل ومْيكائيل وميكاين وميكال ، وإسماعيل وإسمعيل ، وإسرائيل وإسرائين ، وشبهه . فكذلك إلياس وإلياسين هو واحد . قال السدي : " سلام على الياسين " هو : إلياس . قال الفراء : إن أخذته من الأَلْيَسِ صرفته ، فيكون وزنه على هذا إفعال مثل إخراج . وقرأ الحسن بوصل الألف ( بجعله الألف ) واللام اللتين للتعريف دخلتا على ياسين . ثم قال : { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } أي : كما فعلنا بإلياس كذلك نفعل بأهل الطاعة والإحسان . ثم قال : { إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي : من الذين آمنوا وأطاعوا ولم يشركوا . ثم قال ( تعالى ) : { وَإِنَّ لُوطاً لَّمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } أي : لمن الذين أرسلهم الله بالإنذار والإعذار . ثم قال ( تعالى ) : { إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ } أي : من العذاب الذي أحللنا بقومه على كفرهم . وفي الكلام حذف ، والتقدير : وإن لوطاً لمن المرسلين إلى قومه بالإنذار فكذبوه فنجيناه وأهله . ثم قال : { إِلاَّ عَجُوزاً فِي ٱلْغَابِرِينَ } أي : في الباقين ، يعني امرأة لوط . قال الضحاك : يعني امرأته تخلفت فمسخت حجراً . وقال السدي : " في الغابرين " في الهالكين . وقيل : في " الغابرين " : في الذين بلغوا العمر الطويل ، وقد تقدم هذا بأشبع شرحاً . ثم قال : { ثُمَّ دَمَّرْنَا ٱلآخَرِينَ } أي : أهلكناهم بالحجارة . ثم قال : { وَإِنَّكُمْ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ } هذا خطاب لقريش ، أي : إنكم لتمرون في أسفاركم على آثارهم وديارهم وموضع هلاكهم في النهار وفي الليل ، فلا تتعظون ، لا تزدجرون وتخافون أن يصيبكم مثل ما أصابهم ، ولا تعقلون ما يراد بكم ، وأنه من سلك مثل ما سلكوا من الكفر والتكذيب أنه صائر إلى مثل ما صاروا إليه . " وبالليل " وقف كاف ، و " تعقلون " التمام . ثم قال ( تعالى ) : { وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } أي : لمن الذين أُرْسِلَ إلى قومه بالإنذار والإعذار . { إِلَى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } ( أي ) : هرب . وقال المبرد : أصله تباعد . وقيل له / : آبق لأنه خرج بغير أمر الله عز وجل مستتراً من الناس إلى الفلك وهي السفينة . والمشحون : المملوء الموقر . " فَسَاهَمَ " أي : فقارع . قال السدي : فاحتبست بهم السفينة فعلموا أنها إنما احتبست من / حدث أحدثوه ، فتساهموا فقُرع يونس فرمى بنفسه ، فالتقمه الحوت . وقوله : { فَكَانَ مِنَ ٱلْمُدْحَضِينَ } أي : من المقروعين . قال طاوس ، لما ركب السفينة ركدت فقالوا : إن فيها رجلاً مشؤوماً ، فقارعوا فوقعت القرعة عليه ثلاث مرات فرموا به ، فالتقمه الحوت ، وأصل دحضت من الزلق في الماء والطين . يقال : أدحض الله حجته ودحضت ، وحكي : دحض الله حجته ، وهي قليلة وقوله : { فَٱلْتَقَمَهُ ٱلْحُوتُ } أي : ابتلعه . { وَهُوَ مُلِيمٌ } أي : وهو قد أتى ما يلام عليه ( من ) خروجه بغير أمر ( من ) الله . يقال : ألاَمَ الرجل إذَا أتى ما يلام عليه . والمَلُوم : الذي يلام باللسان ( إن ) استحق ذلك أو لم يستحقه . قال مجاهد : { مُلِيمٌ } : مذنب .