Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 143-149)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله ( تعالى ذكره ) : { فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبِّحِينَ } إلى قوله : { أَلِرَبِّكَ ٱلْبَنَاتُ وَلَهُمُ ٱلْبَنُونَ } . أي : لولا أنه كان من المصلين قبل البلاء والعقوبة للبث في بطن الحوت إلى يوم القيامة . روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إِنَّ يُونُسَ حِينَ بَدَا لَهُ أَنْ يَدْعُو الله وَهُوَ فِيْ بَطْنِ الحُوتِ ، قَال : اللَّهُمَّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنّي كُنْتُ مِنَ الظَّالمِينَ . فَأَقْبَلَتِ الدَّعْوَةُ نَحْوَ العَرْشِ ، فَقَالَتِ المَلاَئِكَةُ : يَا رَبِّ هَذَا صَوْتٌ ضَعِيفٌ مَعْرُوفٌ مِنْ بِلاَدٍ غَرِيْبَةٍ ، فَقَالَ : أَمَا تَعْرِفُونَ ذَلِكَ ؟ فَقَالُوا : يَا رَبِّ ، وَمَنْ هُوَ ؟ قَالَ : ذَلِكَ عَبْدِي يُونُسَ ، قَالُوا : أَعَبْدُكَ يُونُسَ الذِي لِمْ يَزَلْ يُرْفَعُ لَهُ عَمَلٌ مُتَقَبَّلٌ وَدَعْوَةٌ مُجَابَةٌ ! أَفَلاَ يَرْحَمُ بِمَا كَانَ يَصْنَعُ فِي الرَّخَاءِ فَتُنْجِيَهُ مِنَ البَلاَءِ ؟ قَالَ : بَلَى ، فَأَمَرَ الحُوتَ فََطَرَحَهُ بِالعَرَاءِ " . قال ابن عباس وابن جبير والسدي : " من المسبحين " : من المصلين . وكان الضحاك بن قيس يقول على منبره : اذكروه في الرخاء يذكركم في الشدة ، إن يونس كان عبداً ذاكراً فلما أصابته الشدة دعا الله فذكره الله بما كان منه ، ففرج عنه ، وكان فرعون طاغياً باغياً فلما أدركه الغرق قال : آمنت ، ( الآن وكنت ) ، من المفسدين ، فلم يسمع قوله . قال الحسن : فَوَالله ما كانت إلا صلاة أحدثها في بطن الحوت . قال ابن جبير : لما قال في بطن الحوت : { لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } [ الأنبياء : 87 ] قذفه الحوت . قال قتادة في قوله : { لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ } : أي : لصار له بطن الحوت قبر إلى يوم القيامة . قال السدي عن أبي مالك : لبث يونس في بطن الحوت أربعين يوماً . ثم قال : { فَنَبَذْنَاهُ بِٱلْعَرَآءِ } أي : ألقاه الحوت في المكان الخالي ، هذا قول أهل اللغة . وقال ابن عباس : " بالعراء " : بالساحل . وقال قتادة : بأرض ليس فيها شيء ولا نبات . وقال السدي : " بالعراء " : بالأرض . وقوله : { وَهُوَ سَقِيمٌ } . قال السدي : كهيئة الصبي . قال ابن عباس : لفظه الحوت بساحل البحر ، فطرحه مثل الصبي المنفوس ، لم ينقص من خلقه شيء . قال ابن عباس : كانت رسالة يونس بعد أن ألقاه الحوت . وقال ابن مسعود : أرسل قبل وبعد إلى قومه بأعيانهم الذين صرف عنهم العذاب ، وهو قول مجاهد والحسن . وروي عن ابن مسعود وغيره : أن يونس وعد قومه العذاب وأخبرهم أنه يأتيهم إلى ثلاثة أيام ففرقوا بين كل والدة وولدها ، وخرجوا فجاروا إلى الله واستغفروه فكف عنهم العذاب . ولم يكف عنهم العذاب بعد معاينته ، إنما رأوا مخايله وعلامات له ذكرهما لهم يونس صلى الله عليه وسلم ، فآمنوا وتابوا وتضرعوا ( إلى الله ) قبل معاينة العذاب ، ولو عاينوه لم ينفعهم الإيمان لأن من عاين العذاب نازلاً به سقط عنه حد التكليف ، ولم يقبل منه الإيمان كفرعون لما آمن عند معاينة الغرق . وكقوله تعالى : { يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ ءَايَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا } [ الأنعام : 158 ] . فمن عاين العذاب لم يقبل منه توبة ولا إيمان ، كذلك من عاين الموت وغرغر لم تقبل منه توبة . إنما قبلت توبة قوم يونس ، وإيمانهم قبل معاينتهم لنزول العذاب لما فقدوا يونس ، وقد أوعدهم العذاب / وعلموا صدقه ورأوا مخايل العذاب وأماراته ، أيقنوا بنزول العذاب ، فقبل الله توبتهم . ولو فعلوا ذلك فور معاينة العذاب لم ينفعهم ذلك كما لم ينفع ذلك فرعون / وأشباهه لأن معاينة العذاب تسقط التكليف ، وإذا سقط التكليف لم يقبل ما يتكلفه العبد من العمل . فاعرف هذا الأصل . ويروى أن قوم يونس لما عاينوا العذاب قام رجل منهم فقال : اللهم إن ذنوبنا عظمت وجلت وأنت أعظم منها وأجل ، فافعل فينا ما أنت أهله [ ولا تفعل فينا ما نحن أهله ] . فكشف الله عنهم العذاب فخرج يونس ينتظر العذاب فلم يَرَ شيئاً ، وكان حكمهم أنه من كذب ولم تكن له بينة قتل ، فخرج يونس مغاضباً على قومه ، فأتى قوماً في سفينة فحملوه ، فلما دخل السفينة ركدت ، والسفن تسير يميناً وشمالاً ، فقالوا ما لسفينتكم ؟ قالوا : لا ندري : فقال يونس صلى الله عليه وسلم : إن فيها عبداً آبقاً من ربه وإنها لن تسير حتى تلقوه . قالوا : أما أنت يا نبي الله فإنا لا نلقيك ، قال : فاقترعوا فمن قرع فليقع ، فاقترعوا فقرع يونس ثلاث مرات فوقع ، فوكل الله جل ذكره حوتاً فابتلعه فهو يهوي به إلى قرار الأرض . فسمع يونس تسبيح الحصى ، { فَنَادَىٰ فِي ٱلظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } [ الأنبياء : 87 ] . يعني ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت . قال : { فَنَبَذْنَاهُ بِٱلْعَرَآءِ وَهُوَ سَقِيمٌ } . قال كهيئة الفرخ الممعوط الذي ليس عليه ريش . فروي أنه طرح على شاطئ البحر وهو ضعيف كالطفل المولود ، فلما طلعت عليه الشمس نادى من حرها ، فأنبت الله عليه شجرة من يقطين وهو القرع ، وهو جمع يقطينة ، وقيل : هو كل شجرة لا تقوم على ساق كالقرع والبطيخ ونحوهما . وقال المبرد : كل شجرة لا تقوم على ساق فهي يقطينة ، فإن قامت على ساق فهي شجرة . واشتقاق يقطين : من قطن بالمكان إذا أقام به . وعلى أنها القرع : ابن عباس وقتادة والضحاك وابن جبير وابن زيد . وقيل : هي شجرة أظلته سماها الله يقطيناً ، وليست بالقرع . وقيل : هو البطيخ ، روي ذلك عن ابن عباس أيضاً . قال ابن جبير : أرسل الله على الشجرة دابة فقرضت عروقها فتساقطت ورقها ( فلحقته الشمس فشكاها ، فقيل له جزعت من حر الشمس ) . ولم تجزع لمائة ألف أو يزيدون تابوا فتاب الله عليهم . روي أنهم لما رأوا علامات إتيان العذاب خرجوا وتابوا ، وأفردوا الأطفال والبهائم ، وضجوا إلى الله مستغيثين تائبين فصرف عنهم العذاب وتاب عليهم . قال ابن مسعود في حديثه : فكان يستظل بها ويصيب منها فيبست فبكى عليها . فأوحى الله ( إليه ) أتبكي على شجرة يبست ولا تبكي على مائة ألف أو يزيدون أردت أن تهلكهم ، قال : وخرج يونس فإذا هو بغلام يرعى ، فقال يا غلام : من أنت ؟ فقال : من قوم يونس عليه السلام ، قال : فإذا جئتهم فأخبرهم أنك قد لقيت يونس ، فقال له الغلام : إِنْ كُنْتَ يونس فقد علمت أنه من كذب قُتِل إذا لم تكن له بينة ، فمن يشهد لي ؟ قال : هذه الشجرة وهذه البقعة ، قال : فَمُرْهُمَا ، قال لهما يونس : إذا جاءكما هذا الغلام فاشهدا له ، قالتا : نعم ، فرجع الغلام إلى قومه وكان في منعة ، وكان له إخوة فأتى المَلِكَ فقال : إني ( قد ) لقيت يونس وهو يقرأ عليك السلام . قال : فأمر به أن يقتل ، فقالوا : إن له بينة ، فأرسلوا معه فأتى الشجرة والبقعة فقال لهما : نشدتكما الله أشهدكما يونس ؟ قالتا : نعم ، فرجع القوم مذعورين ، يقولون : شهدت له الشجرة والأرض ، فأتوا الملك فأخبروه بما / رأوا . قال عبد الله : فتناول الملك يد الغلام وأجلسه مجلسه وقال : أنت أحق بهذا المكان مني . قال عبد الله : فأقام ذلك الغلام أمرهم أربعين سنة . ثم قال ( تعالى ) : { وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ } . قال أبو عبيدة : أو هنا بمعنى بل . ومثله عنده : { سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } [ الذاريات : 52 ] أي : بل مجنون ، فليست أو للشك في هذا ، إنما هي ( بمعنى ) بل وهو قول الفراء . وروي عن ابن عباس ذلك . وقال القتبي : أو بمعنى الواو . وقال المبرد : أو على بابها . والمعنى : وأرسلناه إلى جماعة لو رأيتموهم لقلتم هم مائة ألف أو يزيدون على ذلك . فخوطب العباد بما يعرفون . وقيل : أو على بابها لكنه بمنزلة قولك : جاءني زيد أو عمرو ، ( و ) أنت تعرف من جاءك منهما إلا أنك أبهمت على المخاطب . وقيل : " أو " للإباحة . قال ابن عباس : / كانوا مائة ألف وثلاثين ألفاً . وقال ابن جبير : يزيدون سبعين ألفاً . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يزيدون عشرين ألفاً " . قال ابن جبير : كان العذاب قد أرسله الله إليهم ، فلما فرقوا بين النساء وأولادهن والبهائم وأولادها ، وعجوا إلى الله جل وعز ، كشف عنهم العذاب ومطرت السماء عليهم ( ماء ) . وقوله : { فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ } أي : أخرنا عنهم العذاب ومتعناهم بالحياة إلى بلوغ آجالهم . ثم قال : { فَٱسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ ٱلْبَنَاتُ وَلَهُمُ ٱلْبَنُونَ } أي : سل يا محمد مشركي قريش مسألة تقرير وتوبيخ عن ذلك ، لأنهم جعلوا الملائكة بنات الله . قال السدي : كانوا يعبدون الملائكة .