Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 37, Ayat: 150-175)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله ( تعالى ذكره ) : { أَمْ خَلَقْنَا ٱلْمَلاَئِكَةَ إِنَاثاً } إلى قوله : { فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ } . أي : أم شهد هؤلاء القائلون : إن الملائكة بنات ( الله ) ، خلق الله الملائكة إناثاً . هذا كله على التقرير والتوبيخ . ثم قال : { أَلاَ إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ * وَلَدَ ٱللَّهُ } أي : ألا إن هؤلاء المشركين من كذبهم ليقولن ولد الله ، وهو جعلهم الملائكة بنات الله . ثم قال : { أَصْطَفَى ٱلْبَنَاتِ عَلَىٰ ٱلْبَنِينَ } هذا أيضاً توبيخ لهم ، والمعنى عند الزجاج : سلهم هل اصطفى البنات على البنين . ثم قال : { مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ } . هذا أيضاً تقريع وتوبيخ ومعناه : بئس الحكم تحكمون أيها القوم ، أن يكون لله البنات ولكم البنون ، فأنتم لا ترضون البنات لأنفسكم فتجعلون لله ما لا ترضون به لأنفسكم . ثم قال : { أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } أي : تتدبرون ما تقولون فتعرفون خطأه فتنتهون عنه . { أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ } أي : حجة ظاهرة على ما تقولون . قال قتادة : " سلطان مبين " عُذْرٌ بَيِّنٌ . { فَأْتُواْ بِكِتَابِكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } أي : فأتوا بحجتكم من كتاب جاءكم من عند الله بما قلتم من الإفك إن كنتم صادقين فيما قلتم . ثم قال : { وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ٱلْجِنَّةِ نَسَباً } . قال ابن عباس : زعم أعداء الله أنه جل ثناؤه وإبليس أخوان . وكذلك قال الضحاك . وقال غيرهما : الجِنَّة هنا الملائكة ، جعلهم كفار قريش بنات الله جل عن ذلك وتعالى ، وهو قول مجاهد والسدي . وروي أن أبا بكر قال لقريش : من أمهاتهن ؟ فقالوا : سَرَوَاتُ الجِنِّ . وقال قتادة : قالت اليهود : إن الله جل ذكره تزوج إلى الجنة فخرج بينهم الملائكة . فسميت الملائكة جِنة لأنهم لا يُرَون . وقال السدي : سموا بذلك لأنهم على الجنان . [ ثم قال تعالى : { وَلَقَدْ عَلِمَتِ ٱلجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ } أي : ولقد علمت الملائكة أن الذين قالوا هذا لمُشْهِدُون الحساب والنار ومعذبون ] . ثم قال : { سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } أي : تنزيهاً له وبراءة عما يقولون ويفترون . ثم قال : { إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } أي : إلا عباد الله الذين أخلصهم لرحمته ، فإنهم لا يحضرون العذاب . ثم قال ( تعالى ) : { فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ * مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ * إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ ٱلْجَحِيمِ } أي : فإنكم أيها المشركون وما تعبدون من الآلهة ما أنتم على ما تعبدون من ذلك بفاتنين ، أي : بمضلين من أحد إلا من هو صالِ الجحيم ، أي : من سبق له في علم الله أنه يضل فيدخل النار . وقيل : " عليه " في قوله " ما أنتم عليه " بمعنى له . هذا كله معنى قول ابن عباس والحسن / وقتادة والسدي وابن زيد . والتقدير عند جميعهم : لستم تضلون أحداً إلا من سبق في علم الله أنه من أهل الشقاء وأهل النار . وفي هذه الآية رد على القدرية لأن الضلال والهدى كل بمشيئة الله وقضائه ، خلق هؤلاء للجنة وهؤلاء للشقاء ، فالشياطين لا تضل إلا من كتب الله عليه أنه لا يهتدي . فأما من تقدم له في علم الله الهدى فإنه تعالى يحول بينهم وبينه فلا يصلون إلى إضلاله . قال عمر بن عبد العزيز : لو أراد الله أن لا يُعْصَى لم يخلق إبليس وإنه لبَيِّنٌ في كتاب الله في آية علمها من علمها وجهلها من جهلها ، ثم قرأ : { فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ * مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ * إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ ٱلْجَحِيمِ } . وقوله : " صال الجحيم " أصله صالي بالياء ، ولكن كتب على لفظ الوصل ، ولا يحسن الوقف عليه ، فإن وقف عليه واقف ، فمن القراء من يكره مخالفة الشواذ فيقف بغير ياء . ومذهب سلام ويعقوب : أن يقف عليه بالياء / على الأصل ، لأن العلة التي من أجلها حذفت الياء قد زالت بالوقف . وقرأ الحسن : " صال الجحيم " . على أن يرده على معنى " من " فيجمع بالواو والنون ، وتحذف النون للإضافة والواو لالتقاء الساكنين في الوصل . ولا تجوز هذه القراءة على غير هذه الأشياء . ذكر بعض النحويين : أن يكون قرأه على القلب كأنه رد لام الفعل ، وهي الياء في الواحد قبل اللام ، فصار الإعراب ( في اللام ) ، فضمت ثم حذفت الياء ، وهذا بعيد . ثم قال ( تعالى ) : { وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ } . التقدير عند الكوفيين : وما منا إلا من له مقام ، ثم حذفت من . ولا يجوز هذا عند البصريين لأنه حذف موصول وترك صلته . والتقدير عند البصريين : وما منا ملك إلا له مقام . وهذا خبر من الله جل ذكره عن قول الملائكة ، أي قالوا : وما منا معشر الملائكة إلا ملك له مقام معلوم في السماء . ثم قال تعالى حكاية عن قول الملائكة : { وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلصَّآفُّونَ } روت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مَا فِي السَّمَاءِ مَوْضِعُ قَدَمٍ إِلاَّ عََلَيْهِ ( مَلَكٌ ) سَاجِدٌ أَوْ قَائِمٌ " . فالمعنى أنهم قالوا : وإنا لنحن الصافون لله بعبادته . { وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلْمُسَبِّحُونَ } أي : المصلون له . قال عبد الله بن مسعود وابن عباس : ما من السماوات سماء إلا وما فيها موضع شبر ، إلا وعليه جبهة ملك ، أو قدماه ، ثم قرأ : { وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلصَّآفُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلْمُسَبِّحُونَ } . ومعنى الكلام من أوله : أن الملائكة استعظمت فعل من يعبدها وتعجبت من ذلك وتبرأت منه ، فقالت : " وما منا إلا له مقام معلوم { وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلصَّآفُّونَ } { وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلْمُسَبِّحُونَ } " ، فكيف يُعْبَدُ من هو على هذه الحال . ثم قال ( تعالى ) : { وَإِن كَانُواْ لَيَقُولُونَ * لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْراً مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ * لَكُنَّا عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } أي : قالت قريش قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم لو أن عندنا ذكراً من الأولين ، أي : كتاباً من السماء فيه ذكر الأمم الماضية كالتوراة والإنجيل ، فلما جاءهم ذلك كفروا به . ثم قال : { لَكُنَّا عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ } ( أي ) : الذين أخلصوا لله الطاعة . هذا على قراءة من كسر اللام . ومن فتحها فمعناه : لكنا عباد الله الذين أخلصهم الله واختارهم لطاعته . قال قتادة : قالت هذه الأمة ذلك قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما جاءهم الكتاب والنبي كفروا به . قال الضحاك : هذا قول مشركي أهل مكة ، فلما جاءهم ذِكْرُ الأولين والآخرين كفروا به ، فسوف يعلمون ، ( أي : يعلمون ) ما لهم من العقاب على كفرهم . فالهاء في " به " تعود على القرآن وهو الذكر . وقيل : على محمد صلى الله عليه وسلم . ثم قال ( تعالى ذكره ) : { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ } أي : سبق القضاء في أم الكتاب ووجب القول من الله أن المرسلين هم المنصورون على من ناوأهم بالحجج والغلبة ، قاله قتادة والسدي . وقال الفراء : لهم المنصورون بالشفاعة . ثم قال : { وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } أي : حزب الله هم الغالبون حزب الشيطان بالحجج والغلبة والظفر . ثم قال : { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّىٰ حِينٍ } . قال / قتادة : " حتى حين " : إلى الموت . وقال السدي : إلى يوم بدر . ثم قال : { وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ } أي : انظرهم وأخرهم فسوف يرون ما يحل بهم من العقاب .