Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 38, Ayat: 32-40)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى ذكره : { فَقَالَ إِنِّيۤ أَحْبَبْتُ حُبَّ ٱلْخَيْرِ } - إلى قوله - { لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ } . قال ابن عباس : كان مما ورث سليمان من أبيه داود ألف فرس لا يعلم في الأرض مثلها . وكانت أحب إليه من كل ما ورث ، وكان معجباً بها ، فجلس مجلسه وقال : اعرضوا علي خيلي ، فعرضت عليه بعد الظهر إلى غيبوبة الشمس وأغفل صلاة العصر : فقال : ما صليت العصر ! ردوها علي فطفق يعرقبها ويضرب رقابها وكان الذي عرض عليه تسع مائة ، وبقيت مائة لم تعرض عليه . فقال : هذه المائة التي لم تلهني عن صلاتي أحب إلي من التسع مائة . في الآية حذف دل عليه الكلام ، والتقدير : إنه أواب إذ عُرض / عليه بالعشي الصافنات الجياد ، فلهى عن الصلاة حتى فاتته فغابت الشمس ولم يصل ، وهو قوله { حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ } . { فَقَالَ إِنِّيۤ أَحْبَبْتُ حُبَّ ٱلْخَيْرِ } ، أي : الخيل . والعرب سمي الخيل : الخير ، والمال أيضاً يسمونه الخير . وفي الحديث : " الْخَيْلُ مَعْقُودٌ في نَواصِيَها الخَيْرُ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " ولما ورد زيد الخيل على النبي صلى الله عليه وسلم قال له : أنت زيد الخير . وهو زيد بن مهلهل الشاعر . وقيل : المعنى ، إنى أحببت حب الخير عن ذكر ربي ، وذلك أنه كان في صلاة فجيء إليه بخيل لتعرض عليه قد غُنمت ، فأشار بيده أنه يصلي . { حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ } ، أي : توارت الخيل ، فسترها جدر الإصطبلات ، فلما فرغ من صلاته قال : { رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِٱلسُّوقِ } ، أي : يمسحها مسحاً . فالضمير في " توارت " على هذا القول للخيل . وأكثر الناس على أنه للشمس وإن ( لم يجر ) لها ذكر ، ولكن لما قال بالعشي دل على أن بعده غياب الشمس . قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه التي فاتته هي صلاة العصر وهو قول قتادة والسدي . وقيل : المعنى : إنى آثرت حب الخير عن ذكر ربي ، أي : على ذكر ربي ، ومنه قوله : { فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ } [ فصلت : 17 ] ، أي : آثروا الضبه على الهدى . وقيل : معنى أحببت : قعدت وتأخرت . يقال أحب الجمل وأحببت الناقة ، إذا بركت وتأخرت . فالمعنى : إني قعدت عن ذكر ربي لحب الخير { حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ } . إنى قعدت عن صلاة العصر حتى غابت الشمس . فيكون حب الخير مفعولاً به على قول من جعل أحببت بمعنى آثرت . ويكون مفعولاً من أجله على قول من جعل أحببت بمعنى تأخرت وقعدت . ولا يحسن أن ينصب على المصدر لأن المعنى على غير ذلك . ثم قال : { رُدُّوهَا عَلَيَّ } ، أي : ردوا الخيل عليَّ التي شغلتني على الصلاة . { فَطَفِقَ مَسْحاً بِٱلسُّوقِ وَٱلأَعْنَاقِ } ، أي : طفق يضرب أعناقها وسوقها . قال الحسن : قال سليمان : لا ، والله لا تشغلني عن عبادة ربي فكشف عراقيبها وضرب أعناقها . ولم يكن له فعل ذلك إلا وقد أباح الله ذلك له . وقال ابن عباس : " جعل يمسح أعراف الخيل وعراقيبها حباً لها " . قال بعض أهل العلم : هذا القول أحسن ، لأنه نبي ، ولم يكن ليعذب حيواناً بغير ذنب ويفسد مالاً بلا سبب . قال وهب بن منبه : كانت الريح تحمل سليمان وجنوده ، وكانت تأتيه تُسمعه كلام كل متكلم ، ولذلك سمع كلام النملة . قال : وإنه لمسير ذات يوم بجنده والريح تحمله ( إذ مر برجل ) من بني إسرائيل وهو في حرث له يثير على مسحاة له يفجر في حرث له من نهر له إذ التفت فرأى سليمان وجنده بين السماء والأرض تهوي به الريح . فقال : لقد آتاكم الله آل داود . قال : فاحتملت الريح كلامه فقذفته في أذن سليمان عليه السلام فقال سليمان للريح : احبس ، فحبست . فنزل متقنعاً بِبُرْدٍ لَهُ حتى أتى الرجل فقال له : ماذا قلت ؟ ! قال : رأيتك في سلطان الله الذي أتاك وما سخر لك ، فقلت : لقد آتاكم الله آل داود . فقال : صدقت ، كذلك قلت ، كذلك سمعت ولذلك حينئذ تخوفاً عليك من الفتنة . تعلم ، والذي نفس سليمان بيده ، لثواب " سبحان الله " كلمة واحدة عند الله يوم القيامة أفضل من كل شيء رأيته أو أوتيه آل داود في الدنيا . قال له الرجل : فَرَّجْتَ هَمِّي ، فرج الله همك . فقال له سليمان : وما همي ؟ قال : أن تشكر ما أعطاك الله عز وجل . قال له سليمان : صدقت . وانطلق الى مركبه . ثم قال تعالى ذكره : { وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ } ، أي : اختبرناه وابتليناه . { وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَداً } ، أي : شيطاناً مثل بإنسان . ذكر أن اسمه صخر الجني ، قاله ابن عباس ، قال : الجسد : الجِنِّي الذي دفع إليه سليمان خاتمه فقذفه في البحر . وكان ملك سليمان في خاتمه . وهو قول الحسن وابن جبير ومجاهد . قال مجاهد : فقعد الجني على كرسي سليمان ، ومنعه الله من نساء سليمان فلم يقربنه وأنكرنه . قال مجاهد : قال له سليمان : كيف تفتنون الناس ؟ قال : أرني خاتمك / أخبرك . فلما أعطاه إياه نبذه في البحر فساح سليمان وذهب ملكه . فكان سليمان يستطعم الناس فيقول : أتعرفوني ؟ ! أطعموني ، أنا سليمان ! فيكذبونه حتى أطعمته امرأة يوماً حوتاً فوجد خاتمه في بطنه فرجع إليه ملكه وفر الجني في البحر . وكان مدة ذلك فيما ذكر : أربعين يوماً . وقال قتادة : " أمر سليمان ببناء بيت المقدس ، فقيل له : ابْنِه ، ولا يُسمع فيه صوت حديد . فطلب ( علم ذلك فلم يقدر عليه ، فقيل له : إن شيطاناً في البحر يقال له صخر ، سيد الماردين . قال : فطلبه ) . وكانت عين في البحر يَرُدها ذلك الشيطان في كل سبعة أيام مرة فنزح ماؤها وجُعل فيه خمر . فجاء يوم وروده فإذا هو بالخمر ، فقال : إنَّكِ لشراب طيب ، إلا أنَّكِ تُصْبِينَ الحليم ، وتزيدين الجاهل جهلاً ! ( قال : ثم رجع حتى عطش عطشاً شديداً ، ثم أتاها فقال : إنك لشراب طيب ، إلا أنك لتصبين الحليم وتزيدين الجاهل جهلاً ! ) ثم شربها حتى غلبت على عقله . قال : فأُرِيَ الخاتم ، أو ختم به بين كتفيه فَذُلَّ - وكان ملك سليمان في خاتمه - فقال : إنا قد أمِرْنَا ببناء هذا البيت ، وقيل لنا : لا يسمعن فيه صوت حديد . قال : فأتى إلى بيض الهدهد فجعل عليه زجاجة ، فجاء الهدهد فدار حولها ، فجعل يرى بيضه ولا يقدر ( عليه فذهب فجاء ) بالماس فوضعه على الزجاجة فقطعها به حتى أفضى إلى بيضه . فأخذوا الماس فجعلوا يقطعون به الحجارة . فكان سليمان إذا أراد أن يدخل الخلاء لم يدخل بخاتمه ، فانطلق يوماً إلى الحمام وذلك الشيطان معه - وذلك عند مقارفة ذنب قارفه بعض نسائه - قال : فدخل الحمام ، وأعطى الشيطان خاتمه ، فألقاه في البحر فالتقمته سمكة ، ونُزِعَ ملك سليمان منه ، وأُلقِي على الشيطان شبه سليمان فجاء فقعد على كرسيه ، وسُلِّطَ على مُلك سليمان كله غير نسائه . فكان يقضي بين الناس ينكرون منه أشياء حتى قالوا : لقد فتن سليمان نبي الله . وكان ( فيهم رجل فيه قوة ) ، فقال : والله لأجربنه فقال له : يا نبي الله - وهو لا يرى إلا أنه نبي - أحدنا تصيبه الجنابة ( من الليل ) في الليلة الباردة فيدع الغسل مستعمداً حتى تطلع الشمس ، أترى عليه بأساً ؟ قال : لا . قال : فبينما هو كذلك أربعين ليلة حتى وجد نبي الله سليمان خاتمه في بطن سمكة فأقبل فجعل لا يستقبله جني ولا طير إلا سجد له حتى انتهى إليهم " . وذكر السدي في هذه القصة مثل ذلك إلا أنه قال : " كانت لسليمان مائة امرأة ، امرأة منهن يقال لها جرادة - وهي أَعَزُّ نسائه عنده وآمَنَهُنَّ - وكان يترك الخاتم عندها إذا دخل الخلاء ، فجاءته يوماً ( من الأيام ) فسألته أن يقضي لأخيها في خصومة بينه وبين رجل ، فقال لها : نعم ، ولم يفعل ، فابتلي . فأعطاها خاتمه ودخل الخلاء فأتاها الشيطان في صورة سليمان فأعطته الخاتم فذهب ملك سليمان وجلس الشيطان على كرسي سليمان أربعين يوماً يحكم بين الناس ، فأنكر الناس أحكامه ، فاجتمع علماء بني إسرائيل فدخلوا على نساء سليمان فقالوا : إنا قد أنكرناه . فإن كان هذا سليمان فقد ذهب عقله ! فبكى النساء عند ذلك فأقبلوا يمشون حتى أتوه فأحدقوا به ثم نشروا التوراة فقرؤوا ، فطار بين أيديهم حتى وقع على شرفة والخاتم معه ، ثم طار حتى ذهب إلى البحر فوقع الخاتم منه ، فابتلعه حوتٌ . قال : وأقبل سليمان في حاله التي كان فيها وهو جائع حتى انتهى إلى صياد من صيادي البحر فاستطعمه من صيده . فقال : إني أنا سليمان ، فقام إليه بعضهم فضربه بعصاً فشج وجهه ، فجعل يغسل دمه وهو على شاطئ البحر . فلام الصيادون صاحبهم الذي ضربه ، ثم أعطوا سليمان سمكتين مما قد مَذَرَ عندهم - أي : نتن - فلم يشغله ما كان به من الضرب حتى قام إلى شاطئ البحر فشق بطونهما ، فجعل يغسل ، فوجد خاتمه في بطن إحداهما فأخذه ولبسه فَرَدَّ الله عليه بهاءه ومُلكه . وجاءت الطير حتى حامت عليه فعرف / القوم أنه سليمان فقاموا يعتذرون مما صنعوا فقال : ( ما أحببكم ) على عذركم ولا ألومكم على ما كان منكم ، كان هذا الأمر لا بد منه . فجاء حتى أتى مُلكه ، فأرسل إلى الشيطان فجيء به - وسخر له الريح والشياطين يومئذ ( ولم يسخر ) له قبل ذلك - فجعل الشيطان في صندوق من حديد ، ثم أطبق عليه وقفل عليه بقفل وختم عليه بخاتمه ثم أَمَرَ ، فأُلقي في البحر ، فهو فيه حتى تقوم الساعة " وقيل : أنه ولد له ولد ميت ، وذلك أنه طاف على ( جَوَارٍ له ) وقال : أرجو أن تلد كل واحدة منهن ( ذكرا ، ولم يقل : إن شاء الله ، فلم تحمل إلا واحدة منهن ) ومات الولد وألقي على كرسيه . وقوله : { ثُمَّ أَنَابَ } ، أي : أناب سليمان فرجع إلى ملكه بعد زواله عنه . قال الضحاك : دخل سليمان على امرأة تبيع السمك فاشترى منها سمكة فشق بطنها فوجد خاتمه ، فجعل لا يمر على شجرة ولا صخرة ( ولا شيء ) إلا سجد له ، ثم أوتي مُلكه وأهله ، فذلك قوله تعالى : { ثُمَّ أَنَابَ } ، أي : رجع . وقيل : " أناب " : [ تاب ورجع عما كان عليه . ثم قال تعالى : { قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي } ، أي : استر علي ذنبي الذي أذنبت ] . بيني وبينك . { وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ } ، أي : لا تسلبنيه كما سلبنيه هذا الشيطان . قاله قتادة . وقيل : المعنى : لا يكون مثله لأحد من بعدي . { إِنَّكَ أَنتَ ٱلْوَهَّابُ } ، أي : تهب ما تشاء لمن تشاء . وقيل : المعنى : أعطني فضيلة ومنزلة . روى أبو عبيد في كتابه مواعظ الأنبياء أن سليمان عليه السلام لما بنى مسجد بيت المقدس ودخله خر ساجداً شكراً لله عز وجل وقال : يا رب ، من دخله من تائب فَتُبْ عليه ، أو مستغفر فاغفر له ، أو سائل فأعطه . قال : ولما مات داود عليه السلام أوحى الله إلى سليمان أن سَلْنِي حاجتك . قال : أسألك أن تجعل قلبي يخشاك كما كان قلب أبي ، وأن تجعل قلبي يحبك كما كان قلبي أبي . فقال الله جل ذكره : أرسلت إلى عبدي أسأله حاجته ، فكانت حاجته أن أجعل قلبه يخشاني ، وأن أجعل قلبه يحبني ! لأَهَبَنَّ له مُلكاً لا ينبغي لأحد من بعده . فوفقه الله إلى أن سأل ذلك فأعطاه ذلك ، وفي الآخرة لا حساب عليه فيه . ورُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أرأيتم سليمان وما أُعطي من ملكه فإنه لم يرفع رأسه إلى السماء تخشعاً حتى قبضه الله عز وجل " . وروى أبو عبيد أن نملة قالت لسليمان : إني على قدري أشكر لله منك ! وكان على فرس ذنوب فخر عنه ساجدا : ( ثم قال : لولا أن أبخلك لسألتك أن تنزع عني ما أعطيتني ) . ثم قال تعالى : { فَسَخَّرْنَا لَهُ ٱلرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَآءً } ، أي : فاستجبنا دعاءه وأعطيناه مُلكاً لا ينبغي لأحد من بعده فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء . قال الحسن : إن نبي الله سليمان لما عُرضت عليه الخيل شغلته عن صلاة العصر ، فغضب لله ، فأمر بها فعُقِرت ، فأبدله الله مكانها أسرع منها ، فسخرت له الريح تجري بأمره رخاء . { حَيْثُ أَصَابَ } : حيث شاء . قال مجاهد : رخاء : طيبة . وقال قتادة : رخاء : طيبة سريعة ليست بعاصف ولا بطيئة . وقال ابن زيد : الرخاء : اللينة . وقال ابن عباس : رخاء : مطيعة ، وقاله الضحاك . وقال السدي : رخاء : طوعاً . وقوله : { حَيْثُ أَصَابَ } ، أي : حيث أراد : قاله ابن عباس والحسن وقتادة والسدي وابن زيد من قولهم : أصاب الله بك خيراً ، أي : أراده الله بك خيراً . وقال مجاهد : " حيث أصاب : حيث شاء " . ثم قال { وَٱلشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّآءٍ وَغَوَّاصٍ } ، أي : كل بناء يبني له ما يشاء من المحاريب والتماثيل ، وكل غواص يستخرج له الحلي من البحار ، وسخر له كل من ينحت له جفافاً وقدوراً ، وآخرين مقرنين في الأصفاد ، وهم : المردة من الشياطين . هذا كله قول قتادة . والأصفاد : السلاسل ، قال السدي : مقرنين : تجمع يداه إلى عنقه . وواحد الأصفاد : صَفَد ، كحَجَر . وقيل : واحدها : صفْد . كعدْل . وهي : الأغلال والسلاسل من الحديد ، وكل من شددته شداً وثيقاً بالحديد فقد صفدته ، وكذلك لكل من أعطيته عطاء جزيلاً كأنك أعطيته ما يرتبط له . واسم العطية / الصفد . قال الضحاك : أعطى الله سليمان ملك داود وزاده الريح والشياطين . ثم قال تعالى ذكره : { هَـٰذَا عَطَآؤُنَا فَٱمْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } ، أي : هذا المُلك عطاؤنا فاعط ما شئت منه وامنع ما شئت لا حساب عليك . وقيل : المعنى : فاحبس ما شئت من الشياطين في وثاقك وسرح ما شئت منهم . وعن ابن عباس أن هذا إشارة إلى ما أُعطي سليمان من القوة على الجِمَاع . قال : كان في ظهره مائة مائة رجل ، وكان له ثلاث مائة امرأة ، وتسع مائة سرية . فالمعنى : فجامع من شئت ، واترك جِمَاع من شئت بغير حساب عليك . وقال ابن مسعود : في الكلام تقديم وتأخير ، والتقدير : هذا عطاؤنا بغير حساب ، فامنن أو أمسك ، فالمعنى : هذا عطاؤنا بغير منة عليك . ثم قال تعالى ذكره : { وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ } ، أي : وإن لسليمان في الآخرة عند الله لقربة منه وحسن مرجع ومصير . وإنما رغب سليمان إلى الله في هذا الملك ليعلم منزلته عند الله ، ودرجته ، وقبول توبته ، ومقدار إجابته له ، لا لمحبته في الدنيا ورغبته فيها وجلالة قدرها عنده ، بل كانت أهون عنده من ذلك . ويجوز أن يكون سأل ذلك ليقوى به على الجهاد في سبيل الله عز وجل ، لا لمحبته في الدنيا وملكها . وقوله : { لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بَعْدِيۤ } ، الأحسن في تأويله : ( لا أسلبه ) كما سلبت ملكي قبل هذا ، لا أنه بَخَّلَ على من بعده أن يكون له مثل ملكه بعد موته . وقيل : معناه : لا ينبغي لأحد من أهل زماني فيكون ذلك لي واختصاصي به دون غيري ، حجة لي على نبوتي وأني رسولك إليهم . وإذا أتى بمثل ملكي غيري من أهل زماني لم يكن له حجة على من أرسلت إليه ، إذ قد أوتي غيري مثل ما أوتيت . فانفرادي بذلك يدل على نبوتي وصدقي . إذْ كانت الرسل لا بد لها من أعلام تفارق بها سائر الناس . وذكر ابن وهب عن ابن شهاب أن سليمان عليه السلام كان إذا رأى ما هو فيه مما أعطاه الله قال : نموت وننسى .