Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 60-67)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره : { وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ تَرَى ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ } - إلى قوله - { وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } . أي : يوم القيامة يا محمد ترى الذين زعموا أن لله سبحانه ولداً وأن له شريكاً . { وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ } : يقال : مسودة ومسوادة ، لغتان ، وأسْوادَّ وجهه وأسْوَدَّ وأحْمَرَّ وأحْمَارَّ . ثم قال : { أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ } ، أي : أليس في جهنم مأوَىَ ومسكنَ لمن تكبر على الله تعالى ، وامتنع من طاعته جلت عظمته . روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يحشر المتكبرون يوم القيامة كالذر يلحقهم الصغار حتى يؤتى بهم إلى سجن في جهنم " . وقال صلى الله عليه وسلم في تفسير الكبر : " هو سفه الحق وغمط الناس " ، اي : احتقارهم . قال عطاء بن يسار : يقال : إن في جهنم سجناً يقال له بولس يحشر فيه المتكبرون يوم القيامة ويأتون يوم القيامة على صور الذر . ومن رواية ابن وهب يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " المتكبرون في الدنيا يحشرون يوم القيامة أشباه الذر في صور الناس يعلوهم كل شيء من الصغار ، ثم يساقون حتى يدخلوا سجناً يقال له بولس في نار الأنيار يسقون من عصارة أهل النار من طينة الخبال " ، يعني : من صديد أهل النار وما يخرج منهم . ثم قال تعالى : { وَيُنَجِّي ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ بِمَفَازَتِهِمْ } ، أي بفوزهم . قال السدي : بمفازتهم ، بفضيلتهم . وقال ابن زيد : " بأعمالهم " . وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يحشر الله عز وجل مع كل امرئ عمله ، فيكون عمل المومن معه في أحسن صورة وأطيب ريح . فكلما كان من رعب أو خوف قال له : لا تُرَعْ ، فما أنت ( بالمراد ولا أنت بالمعني به ) . فإذا كثر عليه قال له : ما أحسنك ! فمن أنت ؟ ! فيقول : أما تعرفني ؟ ! أنا عملك الصالح ! حملتني على ثقلي فوالله لأحملنك اليوم ولأدفعن عنك " فهي التي قال سبحانه . { وَيُنَجِّي ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ بِمَفَازَتِهِمْ } الآية . ثم قال تعالى ذكره : { ٱللَّهُ خَالِقُ كُـلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } ، أي : الذي له الألوهية والتفرد هو خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل ، أي قيم بالحفظ والكلأة . ثم قال تعالى : { لَّهُ مَقَالِيدُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } . قال ابن عباس وقتادة : مقاليد : مفاتيح . والمعنى : له مفاتيح خزائن السماوات والأرض ، يمسك ما يشاء ويفتح ما يشاء ، وقال السدي : " المقاليد : الخزائن " ، واحدها مقليد ، وقيل : مقلد ، وقال أبو عبيدة : ( واحد المقاليد مقليد ) ، وواحد الأقاليد إقليد . ثم قال تعالى : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـآيَاتِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } ، أي : هم المغبونون حظوظهم من خيرات خزائن الله التي بيده مفاتيحها . " وروي أن رهطاً من اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد : هذا الله خلق الخلق ، فمن خلقه ؟ ! . فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حتى انتقع لونه ، ثم شاورهم غضباً لربه عز وجل فجاءه جبريل صلى الله عليه وسلم يسكنه . وجاءه من الله تعالى جواب ما سألوه عنه ، فقال : يقول الله : { قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ } السورة فلما تلا عليهم النبي عليه السلام ، قالوا : صف لنا ربك ، كيف هو خلقه ، وكيف هو عضده ، وكيف ذراعه ؟ فغضب النبي صلى الله عليه وسلم أشد من غضبه الأول ثم شاورهم . فأتاه جبريل صلى الله عليه وسلم فقال مثل مقالته ، وأتاه بجواب ما سألوه عنه : { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } - إلى - { يُشْرِكُونَ } " . وقيل : معنى { وَٱلأَرْضُ جَمِيعـاً قَبْضَـتُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } ، أي : يملكها ، لا مدعي لملكها ذلك اليوم غيره ، كما تقول : هذا في قبضتي . وقال المبرد : بيمينه : بقوته . وهذا القول هو قول علماء أهل السنة . " وذكر ابن وهب أن ناساً أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله ، هاتان القبضتان ، فأخبرنا عن سائر العظمة . قال : " فكروا في خلق ممن خلق الله عز وجل : إسرافيل ، رجلاه في التخوم السابعة ، والعرش على جمجمته . ما بين قدميه إلى ركبته مسيرة خمسين ألف سنة . وما بين عاتقه إلى رأسه مسيرة خمسين ألف سنة " " . ويروى أن إسرافيل مؤذن أهل السماء ، يؤذن لاثني عشرة ساعة من النهار ولاثنتي عشرة ساعة من الليل ، لكل ساعة تأذين يسمع تأذينه من في السماوات السبع ، ومن في الأرضين السبع إلا الثقلان : الجن والإنس . ثم يتقدم بهم عظيم الملائكة فيصلي بهم . / وذكر أن ميكائيل يوم الملائكة في البيت المعمور . هذا كله من حديث ابن وهب عن الليث عن رجاله . " وروى ابن عباس عن عائشة رضي الله عنها أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله : { وَٱلأَرْضُ جَمِيعـاً قَبْضَـتُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ } قالت له : فأين الناس يومئذ ؟ قال : على الصراط " . وقال أبو أيوب الأنصاري : " أتى النبي صلى الله عليه وسلم حَبْرٌ من أحبار اليهود فقال : أرأيت إذ يقول الله عز وجل في كتابه : { وَٱلأَرْضُ جَمِيعـاً قَبْضَـتُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ } فأين الخلق عند ذلك ؟ قال : " هم كرقم في الكتاب " " . وروى أبو الجوزاء عن ابن عباس أنه قال : إن السماوات السبع والأرضين السبع وما بينهما في يد الله تبارك وتعالى كخردلة في يد أحدكم . قال أبو محمد مؤلفه ( رحمه الله ) : ويجب على أهل الدين والفضل والفهم أن يجروا هذه الأحاديث التي فيها ذكر اليد والإصبع ونحوه على ما أتت ، وألا يعتقد في ذلك جارحة ( ولا تشبيه ، فليس كمثل ربنا ) شيء . ومن توهم في ذلك جارحة فقد شبه الله سبحانه وعدل عن الحق ثم قال : { سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } ، أي : تنزيهاً له وتبرية من السوء والشرك .