Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 39, Ayat: 68-70)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى ذكره { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ فَصَعِقَ } - إلى قوله - { وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ } ، أي : ونفخ إسرافيل في القرن فمات من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله . وهذه هي النفخة الثانية . وقيل : الصور جمع صورة . فالمعنى : ونفخ إسرافيل في صورة بني آدم فماتوا . والأول أكثر . وقوله : { إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ } . قال السدي وغيره : هو جبريل وميكائيل وملك الموت . وكذلك روى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يموتون في هذه النفخة ( صلوات الله عليهم ) ثم يموتون بعد ذلك ، فلا يبقى إلا الله الحيّ القيوم ، ثم يحيي الله تعالى إسرافيل عليه السلام ويأمره أن ينفخ في القرن لإحياء الخلق بإذن الله عز وجل . والله المميت للخلق بالنفخة التي هي نفخة الصعق وهو المحيي للخلق بالنفخة التي هي نفخة الأحياء " . قال ابن جبير : عنى بذلك ( شهداءهم ) حول العرش ( متقلدو السيوف ) . وقيل : استثناء الشهداء ، إنما هو في [ نفخة الفزع . وهي الأولى . وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ينفخ في الصور ثلاث نفخات ] : النفخة الأولى ، نفخة الفزع ، والثانية : نفخة الصعق ، والثالثة : نفخة القيام لرب العالمين ، يأمر الله جل ذكره إسرافيل بالنفخة الأولى فيقول : انفخ نفخة الفزع ، فيفزع أهل السماوات وأهل الأرض إلا من شاء الله ، فقال أبو هريرة : يا رسول الله ، فمن استثنى حين يقول : { فَفَزِعَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ مَن شَآءَ ٱللَّهُ } ؟ قال : أولئك الشهداء . ( وإن ما يصير ) الفزع إلى الأحياء . أولئك أحياء عند ربهم يرزقون ( ووقاهم الله ) فزع ذلك اليوم وأمنهم . ثم يأمر الله عز وجل إسرافيل بنفخة الصعق فيقول : نفخة الصعق ، فيصعق أهل السماوات وأهل الأرض إلا من شاء الله فإذا هم خامدون . ثم يأتي ملك الموت إلى الجبار فيقول : يا رب ، قد مات أهل السماوات وأهل الأرض إلا من شئت ، فيقول له وهو أعلم : من بقي ؟ فيقول بقيت أنت الحي الذي لا تموت ، وبقي حملة عرشك ، وبقي جبريل وميكائيل وإسرافيل . ( وينظر الله العرش ، فيقول : يا رب ، تميت جبريل وميكائيل وإسرافيل ! ) . فيقول له جل وعز : اسكت ، إني كتبت الموت على من كان تحت عرشي . ثم يأتي ملك الموت فيقول : رب ، مات جبريل وميكائيل فيقول الله عز وجل وهو أعلم : فمن بقي ؟ فيقول : بقيت أنت الحي الذي ( لا تموت وبقي ) حملة عرشك وبقيت أنا ، فيقول له : فليمت حملة عرشي ، فيموتون ، ويأمر الله عز وجل العرش فيقبض الصور . ثم يأتي ملك الموت ، فيقول : يا رب ، قد مات حملة عرشك ، فيقول : ومن بقي ؟ - وهو أعلم - فيقول : بقيت أنت الحي الذي لا يموت وبقيت أنا ، فيقول : أنت خلق من خلقي خُلِقْتَ لما رأيت فمَتْ ، فيموت " . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أتاني ملك الموت فقال : يا محمد ، اختر : نبياً ملكاً ، أو نبياً عبداً . فأومأ إليَّ جبريل أن تواضع . قال : فقلت : نبياً عبداً . فأعطيت خصلتين : جعلت أول من تنشق عنه الأرض ، وأول شافع ، فأرفع رأسي فأجد ( موسى آخذاً ) بالعرش فالله أعلم ، بعد الصعقة الأولى أم لا " . وفي حديث آخر : " ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ، فأكون أول من يرفع رأسه . فإذا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أرفع / رأسه قبلي أو كان ممن استثنى الله عز وجل " . وفي حديث آخر : " فلا أرى أحداً إلا موسى متعلقاً بالعرش ، فلا [ أدري ، أممن استثنى ] الله جل ثناؤه ألا تصيبه النفخة أو بعث قبلي " . وقوله : { ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ } ، يعني : نفخة البعث . { فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ } روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أنا أول من يرفع رأسه بعد النفخة الأخيرة فإذا أنا بموسى متعلق بالعرش ، فلا أدري أكذلك كان أم بعد النفخة " . عن أبي هريرة أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما بين النفختين [ أربعون ] ، ثم ينزل الله جل ذكره من السماء ماء فينبتون كما يَنْبُتُ البقْلُ . قال : وليس من الإنسان شيء إلا يبلى ، إلا عَظْم واحد وهو عَجْبُ الذَّنَب ومنه يُرَكَّبُ الخلق يوم القيامة " . وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتأولون الأربعين أربعين سنة . وقال الحسن : لا أدري ، أهي أربعون سنة ، أم أربعون شهراً ، أم أربعون ليلة ، أم أربعون ساعة . قال قتادة : ذكر لنا أنه يبعث في تلك الأربعين مَطَر يُقَالُ له مطر الحياة ، حتى تطيب الأرض وتهتز وتنبت أجساد الناس نبات البقل ، ثم ينفخ فيه الثالثة فإذا هم قيام ينظرون . قال النبي صلى الله عليه وسلم : " يبعث الله المؤمنين يوم القيامة جُرْداً مُرْداً بنو ثلاثين سنة " . وقال أبو الزعراء عن عبد الله أنه قال : يقوم ملك بالصور بين السماء والأرض فينفخ فيه ، فلا يبقى خلق الله بين السماوات والأرض - إلا من شاء الله - إلا مات . ثم يرسل الله من تحت العرش مَنَيَّاً كمني الرجال فتنبت جسمانهم ولحمانهم من ذلك كما تنبت الأرض ، ثم قرأ عبد الله { وَٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ ٱلرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً } [ فاطر : 9 ] - إلى قوله - { كَذَلِكَ ٱلنُّشُورُ } [ فاطر : 9 ] قال : ويكون بين النفختين ما شاء الله ثم يقوم ملك فينفخ فيه فتنطلق كل نفس إلى جسدها . ثم قال تعالى ذكره : { وَأَشْرَقَتِ ٱلأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا } ، أي : أضاءت . يقال : أشرقت الشمس إذا أضاءت وَصَفَت ، وَشَرَقَت إذا طلعت . وذلك حين يجيء الرحمان لفصل القضاء بين خلقه . وروي أن الأرض يومئذ أرض من فضة تضيء وتشرق بنور ربها لا بشمس ولا بقمر . والمعنى : أضاءت الأرض بنور ( خلقه الله ) . فإضافة النور إليه تعالى على طريق خلقه له مثل قوله : { هَـٰذَا خَلْقُ ٱللَّهِ } تبارك وتعالى . وقيل : معناه : أشرقت بعد الله عز وجل وحُكمه الحق تبارك وتعالى لأن له نوراً كنور الشمس وضياء القمر ، هو أعظم وأجل من ذلك ، ليس كمثله شيء . وهذا كقوله عز وجل : { ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [ النور : 35 ] ، أي : بِهُدَاه يهتدي أهل السماوات والأرض . لم يُرِدِ النُّور الذي هو الضياء ، ولو كان ذلك ، لم يوجد ظلام لأنه باق في الليل والنهار . وقد ثبتت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " تنظرون إلى الله سبحانه لا تضامون في رؤيته " . وقد اختلف في هذه اللفظة على أربعة أوجه : - لا تُضامُون - مُخَفَّفاً - ، أي : لا يلحقكم ضيم كما يلحق في الدنيا في النظر إلى الملوك . - والوجه الثاني : لا تُضامُّون - مشدداً - ، أي : لا ينضم بعضكم لبعض ليسأله أن يريه إياه . - والوجه الثالث : ( لا تُضارُون ) - مخففاً - ، أي : لا يلحقكم ضير في رؤيته ، من ضارَه يضيرُه . - والوجه الرابع : ( لا تُضارُّون ) - مشدداً ، أي : لا يخالف بعضكم بعضاً في صحة رؤيته . يقال : ضاررته مضارة ، أي : خالفته . ثم قال تعالى ذكره : { وَوُضِعَ ٱلْكِتَابُ } ، يعني : كتاب أعمال العباد وحسابهم . وقيل : هو اللوح المحفوظ . { وَجِـيءَ بِٱلنَّبِيِّيْنَ وَٱلشُّهَدَآءِ } ، أي : جيء بالنبيين ليسألهم ربهم عما أجابت به ] أممهم وردت عليهم في الدنيا . والشهداء ، يعني : الذين يشهدون على الأمم . وهو قوله تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً } [ البقرة : 143 ] ، أي : عدلاً { لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ } [ البقرة : 143 ] . وقيل : عنى بالشهداء هنا : الذي قتلوا في سبيل الله . والأول ( أولى وأبين ) . وقال السدي : الشهداء : الذين استشهدوا في طاعة الله عز وجل . وقال ابن زيد : هم الحفظة يشهدون على الناس بأعمالهم . وقوله : { وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِٱلْحَقِّ } ، أي : قضى / بين النبيئين وأممهم بالحق ؛ فلا يحمل أحد ذنب أحد ، ولا يظلم أحد فينقص من عمله . ثم قال تعالى : { وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ } ، أي : جزاء عملها من خير وشر . { وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ } في الدنيا من طاعة له أو معصية . فيثيب المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته ، ولا تظلم نفس شيئاً .