Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 92-92)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً } الآية . قوله : { إِلاَّ خَطَئاً } استثناء ليس من الأول . وإلا عند البصريين في هذا النوع بمعنى لكن . وهذا كلام أوله حظر ، وآخره في الظاهر إباحة ، وقتل المؤمن لا يباح لكنه محمول على المعنى الباطن ، ومعناه ما كان مؤمن ليقتل مؤمناً على النفي ، والنفي يستثنى منه الإثبات ، فهو محمول على معنى الأول وباطنه ، فالمعنى أن المؤمن قد يقتل المؤمن خطأ فهو خبر ، خبر بأنه قد يقع ، وليس بإطلاق ولا إباحة قتل ، ومثله { مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ } [ مريم : 35 ] فظاهر هذا الحظر ، والله لا يحظر عليه . ومعنى الآية : أنه ليس لمؤمن قتل مؤمن البتة إلا أن يقتله خطأ ، فإن قتله خطأ ، فعليه تحرير رقبة في ماله ، ودية مسلمة إلى أهل المقتول يؤديها عاقلة القاتل { إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ } أي : أن يتصدق أولياء المقتول على عاقلة القاتل بديته فيسقط عنهم الدية . وقرأ أبو عبد الرحمان السلمي : { إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ } بالتاء أراد : تتصدقوا ثم أدغم . قال مجاهد وغيره : هذه الآية نزلت في عيا [ ش ] ابن أبي ربيعة قتل رجلاً مؤمناً يحسب أنه كافر ، وقد كان ذلك الرجل يعذب عياشاً بمكة ، أخبر عياش النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً } . قال ابن زيد : نزلت في أبي عامر ، والد أبي الدرداء خرج في سرية فعدل إلى شعب يريد حاجة ، فوجد رجلاً في غنم ، فقتله ، وكان يقول : لا إله لا الله ، وأخذ غنمه فوجد من ذلك في نفسه ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فأنكر عليه النبي ( عليه السلام ) قتله ، إذ قال : لا إله إلا الله فنزلت الآية : وقيل : نزلت في اليمان والد حذيفة ، واسمه حسل من بني عبس قتل خطأ يوم أحد . وروي أن حذيفة وأبا الدرداء تصدقا بدية أبويهما على من قتلهما ، وكذلك قتل هشام بن صبابة الكناني خطأ فنزلت الآية في ذلك . والآية عند جماعة العلماء عامة في كل من قتل خطأ واختلف في الرقبة ، فقيل : لا يُعْتَق إلا مؤمن قد صام وصلى وعقل وبلغ ، وقيل : كل مؤمن يجزئ وإن لم يبلغ . ومعنى { وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ } أي موفرة ، والدية مائة من الإبل على أهل الإبل . وروي عن عمر أن على أهل الذهب ألف دينار ، وعلى أهل الورق اثنى عشرة آلاف درهم . قال مالك : على أهل الذهب ألف دينار ، وعلى أهل الورق إثني عشر ألف درهم . وقيل : دية الحر مائة من الإبل لا يجزئ غيرها ، وبه قال الشافعي ، قال إلا ألا توجد فيُأخذ الفدية ، ويجعل [ الإبل ] خمسة أخماس خمس جذاع وخمس حقاق وخمس بنات لبون . وخمس بنات مخاض وخمس بنو لبون ، وهو قول لمالك والشافعي وغيرهما . ودية المرأة نصف دية الرجل ، وهو قول جماعة الصحابة والتابعين ، والفقهاء ، إلا الشاذ منهم . وأهل الذهب : الشام ومصر ، وأهل الورق أهل العراق وأهل الإبل أهل البوادي . وكل ما جناه جان خطأ فعلى عاقلته الدية ، إلى أن يكون الذي يجب في ذلك أقل من ثلث الدية ، فليس على العاقلة شيء ، وذلك في مال الجاني ، وتؤجل دية الخطأ في ثلاث سنين ، وثلث الدية تؤديها العاقلة في سنة ، ونصف الدية يجتهد فيها الإمام ، فيجعلها في سنتين أو في سنة ونصف وثلاثة أرباع الدية في ثلاث سنين ، وهي على الرجال البالغين دون النساء والصبيان ، وليس على كل واحد شيء معلوم ولكن على كل واحد قدر يسره ، فأما دية العمد فهي على القاتل خاصة إذا قبلت منه . وقوله : { فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ } أي : فإن كان المقتول خطأ من قوم كفار أعداء لكم { وَهُوَ مُؤْمِنٌ } أي : والمقتول مؤمن فقتله مؤمن يظن أنه كافر { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } أي : فعليه ذلك . قال عكرمة : هو الرجل يسلم في دار الحرب ، فيقتل يظن أنه كافر ، فليس فيه دية ، وفيه الكفارة : تحرير رقبة مؤمنة . وروى ابن القاسم عن مالك أنه قال : إنما ذلك في حرب رسول الله عليه السلام أهل مكة ، يكون فيهم الرجل المؤمن لم يهاجر ، وأقام معهم فيصيبه المسلمون خطأ ، فليس عل المسلمين فيه دية لأنه تعالى ( يقول ) : { وَٱلَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ أُوْلَـٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ } [ الأنفال : 72 ] ، وعليهم الكفارة تحرير رقبة على كل نفس . وقال ابن عباس والسدي وغيرهما : هو أن يكون الرجل مؤمناً ، وقومه كفار لا عهد لهم ، فيقتل خطأ ، فليس لأهله دية لأنهم كفار ، وعلى القاتل الكفارة تحرير رقبة ، وقاله قتادة . وقال الحسن البصري ، وجابر بن زيد : هو مؤمن من قوم معاهدين ، وهو قول مالك . وروي عن ابن عباس أيضاً أنه قال : كان الرجل يسلم ، ثم يأتي قومه ، فيقيم فيهم ، وهم مشركون ، فيمر بهم الجيش لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقتل فيمن قتل فلا دية فيه ، وفيه الكفارة . وجماعة أهل التفسير على أن المعنى إن كان المقتول في دار الحرب مؤمناً ، وهو من قوم كفار وهو بينهم فلا دية فيه وفيه الكفارة . قوله : { وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىۤ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } الآية . المعنى : وإن كان المقتول خطأ بين أظهرهم من قوم كفار بينكم وبينهم عهد ، ففيه الدية إلى أهله ، والكفارة تحرير رقبة مؤمنة . وقيل : المعنى : إن كان المقتول خطأ في دار قومه من قوم كفار بينكم وبينهم عهد ففيه الدية والكفارة [ كسائر المؤمنين ، واختلف في المقتول هنا : فقيل عن ابن عباس أنه إن كان كافراً ، ففيه الدية والكفارة ] كالمؤمن لأن له عهداً وميثاقاً . وقال الزهري : دية الذمي دية المسلم . وقيل : المراد به إن كان المقتول مؤمناً قتل خطأ ، وهو من قوم كفار بينكم وبينهم عهد ففيه الدية إلى قومه الكفار ، وفيه تحرير الرقبة المؤمنة قاله النخعي ومثله روى ابن القاسم عن مالك أنه قال : ذلك في الهدنة التي كانت بين النبي صلى الله عليه وسلم ، وبين المشركين أنه إن أصيب مسلم كان بين أظهركم لم يهاجر وأصيب خطأ فإن ديته على المسلمين يردونها إلى قومه الذين كان بين أظهركم الكفار ، ومما يبين ذلك أن أبا جندل ورجل آخر أتيا النبي صلى الله عليه وسلم مسلمين في الهدنة ، فردهما إليهم فكما كان لهم أن يردوا إليهم ، فكذلك كانت ديته لهم إذا قتل خطأ ، ودية الخطأ عند مالك والشافعي في هذا تؤدى في ثلاث سنين على كل رجل ربع دينار ، وروي ذلك عن جابر بن عبد الله ، وقاله الحْسن . وكان الطبري يختار أن يكون المقتول من أهل الذمة لأن الله سبحانه وتعالى لم يقل : " وهو مؤمن " كما قال في الأول { فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ } وقد قال جماعة : إن دية الذمي والمسلم سواء ، وهو قول عمر بن الخطاب وعثمان وابن مسعود ومعاوية . وقال عمر بن عبد العزيز وعروة بن الزبير : دية الكتابي نصف دية المسلم ، وبه قال عطاء وابن المسيب والحكم وعكرمة ، وهو قول الشافعي . فأما دية المجوسي فثمان مائة درهم روي ذلك عن عمر بن الخطاب ، وبه قال ابن المسيب وعطاء وسليمان بن يسار ، والحسن وعكرمة ومالك والشافعي . وقال عمر بن عبد العزيز : دية المجوسي نصف دية المسلم . وروى عن النخعي والشعبي والثوري أن ديته مثل دية المسلم . وإذا قَتَل العبد المؤمن حراً مؤمناً خطأ ، فدمه في رقة العبد وأن لا دية فيه لأن العبد لا عاقلة له وعلى العبد الكفارة ، فعتق رقبة على قول من قال : إن العبد يملك ما لم يمنعه سيده ، ومن قال : لا يملك العبد ، فعليه صيام شهرين متتابعين ، وكذلك حكمه في الظهار لا يجزئه الصيام في قول مالك لأنه عنده يملك . قوله : { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ } أي : لم يجد رقبة مؤمنة لعسرته ، وقلة ما في يده ، فعليه صيام شهرين متتابعين . وقال الشعبي : صوم الشهرين عن الدية والرقبة جميعاً إذا لم يجدها لفقره ، وفقر عاقلته . وقال الطبري : عن الرقبة خاصة لأن الدية على العاقلة ، وهو قول جماعة العلماء . قوله : { تَوْبَةً مِّنَ ٱللَّهِ } مصدر ، وقيل مفعول من أجله . { وَكَانَ ٱللَّهُ } أي : لم يزل بما يصلح عباده { حَكِيماً } " فيما يقضي به ويأمر " . قوله : { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ } الآية . قيل : معناه : من لم يجد الدية ، ولا الرقبة ، فليصم شهرين متتابعين . وقيل : معناه : من لم يجد الرقبة فعليه صيام شهرين متتابعين ، وهذا القول أولى لأن الدية لم تجب على القاتل خطأ فيكون الصيام يقوم مقامها ، وإنما وجبت الدية في الخطأ على العاقلة ، فلا يجزئ عنها صوم القاتل .