Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 40, Ayat: 49-56)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ فِي ٱلنَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ } - إلى قوله - { هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } ، أي : وقال أهل جهنم لخزنتها : ( ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب ) ، أي : قدر يوم من أيام الدنيا . فأجابتهم الخزنة : { أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ } ، أي : بالحجج الظاهرات الدالات على توحيد الله عز وجل . { قَالُواْ بَلَىٰ } قد أتتنا بذلك . قالت لهم الخزنة : { فَٱدْعُواْ } ، أي : فادعوا ربكم الذي أتتكم الرسل ( من عنده ) بالدعاء إلى الإيمان به . { وَمَا دُعَاءُ ٱلْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ } ، أي : في خسران ، لأنهم لا ينتفعون به ولا يُجابون ، بل يقال لهم : { ٱخْسَئُواْ فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ } [ المؤمنون : 108 ] . وروى أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يلقى على أهل النار الجوع حتى يعدل ما هم فيه من العذاب ، ويستغيثون فيغاثون بالضريع { لاَّ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ } فيأكلونه فلا يغني عنهم شيئاً ، ويستغيثون فيغاثون بطعام ذي غصةٍ فيغصون به فيذكرون أنهم كانوا في الدنيا يجيزون الغصص بالماء ، فيستغيثون بالشراب ، فيرفع لهم الحميم بالكلاليب فإذا دنا من وجوههم شواها ، فإذا وقع في بطونهم قطع أمعاءهم وما في بطونهم . ويستغيثون بالملائكة فيقولون : { ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِّنَ ٱلْعَذَابِ } فيجيبونهم : { أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ } . إلى آخر الآية " . ثم قال تعالى : { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَادُ } ، أي : إنا لنعلي كلمة الرسل والمؤمنين وحجتهم على من خالفهم من دينهم بإهلاك من خالفهم والانتقام منهم في الدنيا . قال السدي : كانت الأنبياء والمؤمنون يقتلون في الدنيا فلا تذهب تلك الأمة الظالمة حتى يبعث الله عز وجل قوماً فينتصر بهم لأولئك المقتولين . وقيل : معنى الآية الخصوص ولفظها عام . والمعنى : إنه تعالى ينصر من أراد من الأنبياء والمؤمنين ويعطيهم الظفر في الدنيا على من خالفهم . وامتنعت الآية من العموم لوجودنا أمماً قد قتلت المؤمنين والأنبياء . قال أبو العالية : " ينصرهم بالحجة " . ( وعن أبي الدرداء ) يرفعه : " من رد عن عرض أخيه المسلم كان حقاً على الله أن يرد عنه نار جهنم ، ثم تلا هذه الآية . { إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } . وروى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من حمى مؤمناً من منافق يغتابه بعث الله تعالى ملكاً يحمي لحمه يوم القيامة من النار . ومن ذكر مسلماً بشيء يشينُه به وقفه الله جل وعز على جسر جهنم حتى يخرج مما قال " . ومعنى / : { وَيَوْمَ يَقُومُ ٱلأَشْهَادُ } . أي : وينصرهم يوم القيامة ، يوم يقوم الأشهاد من الملائكة والأنبياء والمؤمنين ( على الأمم ) المكذبة بأن الرسل قد بلغتهم وأن الأمم كذبتهم ، هذا قول قتادة ، وقال مجاهد : الأشهاد الملائكة . ثم قال تعالى : مفسراً يوم " يقوم الأشهاد " ما هو فقال : { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ ٱلظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ } ، أي : لا ينفع الكفار اعتذارهم إذ لا يعتذرون إلا بباطل لأن الله قد أعذر إليهم في الدنيا بالرسل والكتب والحجج . فلا حجة لهم إلا الكذب وقولهم والله { وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] " . ثم قال : { وَلَهُمُ ٱلْلَّعْنَةُ } ، أي : وللكافرين اللعنة من الله عز وجل وهي البُعد من رحمته سبحانه . ولهم مع اللعنة { سُوۤءُ ٱلدَّارِ } ، أي : عذاب الآخرة . وأجاز أبو حاتم الوقف على : " في الحياة الدنيا " على أن تنصب " ويوم يقوم الأشهاد " بإضمار فعل . فإن جعلته بدلاً أو عطفاً لم تقف دونه . وقال غيره الوقف : " الأشهاد " . ثم قال تعالى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْهُدَىٰ } ، أي : البيان للحق الذي بعثناه به . { وَأَوْرَثْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْكِتَابَ } ، أي : التوراة ، أي : علمناهم إياها وأنزلناها عليهم . { هُدًى وَذِكْرَىٰ } ، أي : بياناً وتذكيراً ، { لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ } أي : لأصحاب العقول . ثم قال تعالى { فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } ، أي فاصبر يا محمد لأمر ربك وأنفذ ما أرسلت به . { إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } ، أي : إن الذي وعدك الله من النصر والتأييد لدينك حق لا بد منه ، فربك منجز لك ما وعدك . وقد فعل به ذلك . ثم قال تعالى : { وَٱسْتَغْفِـرْ لِذَنبِكَ } ، أي : واسأل ربك أن يستر عليك ذنبك بعفوه ورحمته . { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِبْكَارِ } ، أي : وصل بالشكر منك لربك بالعشي وذلك من زوال من زوال الشمس إلى الليل . والإبكار من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس . وقيل : الإبكار هنا : من طلوع الشمس إلى ارتفاع الضحى . والأول أعرف عند العرب . والعشي والإبكار مصدران جعلا ظرفين على السعة ، وواحد الإبكار : بكر . والتقدير : في العشي وفي الإبكار . ثم قال تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ } ، أي : يخاصمونك يا محمد فيما أتيتهم به من عند ربك من الآيات بغير حجة أتتهم في مخاصمتك . { إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ } ، أي : ما في صدورهم إلا كبر يتكبرون من أجله عن اتباعك وقبول ما جئتهم به حسداً وتكبراً . { مَّـا هُم بِبَالِغِيهِ } ، أي : ليس ببالغين الفضل الذي أتاك الله عز وجل فحسدوك عليه . وقيل : المعنى : ما في صدورهم إلا عظمة ، ما هم ببالغين تلك العظمة ، لأن الله عز وجل مذلهم ومخزيهم ، قاله مجاهد . وقال الزجاج : معناه : ما هم ببالغين إرادتهم في محمد صلى الله عليه وسلم . مثل رسل القرية . وقيل : المعنى : ما هم ببالغين الكبر . فالمعنى : إنهم قوم رأوا أن اتباعهم لمحمد صلى الله عليه وسلم نقص لجاههم ومخالفته رفعة لهم ، فأعلم الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أنهم لا يبلغون الإرتفاع الذي قصدوه بالتكذيب . ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : { فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ } ، أي : تعوذ يا محمد بالله من شرهم وبغيهم وحسدهم ، وذلك أنها نزلت في اليهود . قال قتادة : معناه : فاستجر بالله يا محمد من شر هؤلاء الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان ، ومن كبرهم . { إِنَّـهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } ، أي : السميع لما يقولون ، البصير بأعمالهم .