Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 57-67)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { لَخَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ } - إلى قوله - { وَلَعَلَّـكُمْ تَعْقِلُونَ } أي : لابتداعُ خلق السماوات والأرض أعظم عندكم من خلق الناس ( إن كنتم تستعظمون خلق الناس ) . { وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } أي لا يعلمون أن خلق جميع ذلك هين على الله عز وجل ، وفي هذا تنبيه من الله عز وجل لمن كذب بالبعث فنبههم أن خلق السماوات والأرض أعظم من خلق الناس بعد موتهم وإعادتهم . فمن قدر على إحداث السماوات والأرض ، ورفع السماوات بغير عمد ، وتسخير شمسها وقمرها ونجومها واختلاف ليلها ونهارها وتسخير سحابها وإنزال غيثها وتصريف رياحها ، فكيف لا يقدر على خلق الناس وبعثهم بعد موتهم ، فذلك أهون على الله وأصغر ! . قال تعالى : { وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَعْـمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَلاَ ٱلْمُسِيۤءُ } ، أي وما يستوى الكافر الذي لا يؤمن ، والمؤمن في التدبر في آيات الله عز وجل والإعتبار في وحدانيته وقدرته ، ولا يستوي المؤمن الذي يعمل الصالحات والمسيء ، وهو الكافر الذي يعمل بما لا يرضى الله عز وجل به . { قَلِيـلاً مَّا تَتَذَكَّرُونَ } ، أي : قليلاً تذكرهم حجج الله سبحانه وآياته وقيل : المعنى : لا يستوى العالم المستدل بآيات الله سبحانه وقدرته على بعث الأموات ، والجاهل الذي قد عمي عن الاستدلال بذلك / وجهل معرفة الاستدلال والبرهان على قدرة الله سبحانه ، كما لا يستوي الأعمى والبصير . ثم قال تعالى : { إِنَّ ٱلسَّاعَةَ لآتِيَـةٌ لاَّ رَيْبَ فِيهَا } ، أي : لا شك فيها ، { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ } ، أي : لا يصدقون بقيام الساعة . ثم قال تعالى ذكره { وَقَالَ رَبُّكُـمُ ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ } ، أي : اعبدوني وأخلصوا العبادة لي أجب دعاءكم فأعفو عنكم وأرحمكم . قال ابن عباس : ادعوني استجب لكم ووحدوني أغفر لكم . وروى النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الدعاء هو العبادة وتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { وَقَالَ رَبُّكُـمُ ٱدْعُونِيۤ } " الآية . ويدل على أن الدعاء العبادة قوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي } ، ومعناه : إن الذين يتعظمون عن إفرادي بالعبادة والإخلاص لي . { سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } ، أي صاغرين ، قاله السدي وأبو عبيدة . وقال السدي : يستكبرون على عبادتي ، أي : عن دعائي . ثم قال تعالى : { ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَـارَ مُبْصِـراً } . هذا تذكير من الله عز وجل لخلقه على نعمه أنه جعل لهم الليل لتسكن فيه جوارحهم وتهدأ حركاتهم ، وجعل النهار مبصراً ليتصرفوا في معايشهم ومنافعهم . ولم يجعل الليل دائماً فيمتنعوا من التصرف ( في منافعهم ) فيضيعوا ، ولا جعل النهار دائماً فيمتنعوا من السكون والراحة ، بل دبر أحسن تدبير وأتقن أحسن إتقان . فلا تصلح الألوهية والعبادة ( إلا له ) لا إله إلا هو . ثم قال تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ } ، أي : لذو تفضل عليهم وإحسان بما أمتعهم به من المنافع وحسن التدبير . { وَلَـٰكِنَّ أَكْـثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } ، أي لا يشكرونه بالطاعة وإخلاص العبادة والشكر على نعمه . ثم قال تعالى : { ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ خَـٰلِقُ كُلِّ شَيْءٍ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } ، ( أي : الذي ) فعل هذه المصالح لكم وأحسن إليكم هو الله ربكم خالقكم وخالق كل شيء . { لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } ، أي : لا معبود غيره تصلح له العبادة . { فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ } ، أي : فمن أي وجه تقلبون عن الحق ، وإلى أي وجه تذهبون عنه فتعبدون سواه . ثم قال تعالى : { كَذَلِكَ يُؤْفَكُ ٱلَّذِينَ كَانُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } ، أي كذهابكم عن محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به ، وانصرافكم عنه إلى الباطل ، ذهاب الذين كانوا من قبلكم يكذبون بحجج الله فسلكتم أنتم معشر قريش مسلكهم في الضلال . { يُؤْفَكُ } ، بمعنى : أفك ، لأنه أمر قد مضى ، ودل على ذلك قوله : { كَانُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } . ومعنى " يوفك " : يُغلب ويصرف عن الحق . ثم قال : { ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَـلَ لَكُـمُ ٱلأَرْضَ قَـرَاراً وَٱلسَّمَآءَ بِنَـآءً } ، أي جعل لكم الأرض قراراً تستقرون عليها ، وتسكنون فوقها ، وجعل لكم السماء بناءً فرفعها فوقكم بغير عمد ترونها لمصالحكم وقوام دنياكم إلى بلوغ آجالكم . { وَصَوَّرَكُـمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُـمْ } ، أي : وخلقكم فأحسن خلقكم . { وَرَزَقَكُـمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } ، أي : من حلال الرزق وطيبه ولذيذه ، هو الله ربكم الذي لا تصلح ( الألوهية إلا له ولا تحسن ) العبادة لغيره . ثم قال : { ذَلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُـمْ } ، أي الذي خلق هذه الأشياء لكم وأحسن إليكم ، هو الله ربكم لا تصلح الربوبية ( إلا له ) . { فَتَـبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } ، أي : مالك جميع الخلق . ثم قال تعالى { هُوَ ٱلْحَيُّ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } ، أي : لا معبود غيره يستحق العبادة . { فَـٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } ، أي : مفردين له ( العبادة والألوهية ) . { ٱلْحَـمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } ، أي : الشكر العام لله مالك جميع الخلق . وكان جماعة من المفسرين يأمرون من قال لا إله إلا الله أن يتبع ذلك الحمد ( لله رب العالمين ) ، امتثالاً بهذه الآية لأنها أمر من الله جل ذكره أن يقال ذلك . قال ابن عباس : " من قال لا إله إلا الله ، فليقل على إثرها الحمد لله رب العالمين " وكذلك قال ابن جبير . { فَـٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } : قولوا الحمد لله رب العالمين . وقرأ أبو رزين : " صوركم " بكسر الصاد ، وأصلها الضم . وعلة ذلك عند سيبويه أن جميع فُعْلة وفِعْلة قد اشتركا في الإسكان للعين . في الجمع المسلم . قالو : ركبة وركبات ، فاسكنوا ، وأصل الكاف الضم ، وقالو : هند وهندات ، فأسكنوا ، وأصل النون الكسر . فلما اشتركا في ذلك اشتركا في التكسير في الضم والكسر فقالوا : صُورة وصوَرٌ وصِور ورشوة ورشا فأدخلوا فعلة في الضم وهو ( الفعلة ، وكذلك ) ( أدخلوا فعلة ) في الكسر وهو الفعلة . ثم قال تعالى { قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } ، أي : قل يا محمد إني نهيت أن أعبد الأوثان والأصنام التي تعبدونها أنتم من دون الله سبحانه . { لَمَّا جَآءَنِيَ ٱلْبَيِّنَـٰتُ مِن رَّبِّي } ، إني نهيت عن ذلك لما أتتني آيات الكتاب الذي نزل علي من عند ربي . { وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } أي : أمرت في الكتاب ( الذي أنزل ) أن أخلص العبادة والخضوع بالطاعة لرب الخلق ومالكهم وخالقهم ورازقهم . ثم قال تعالى { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن تُرَابٍ } ، يعني آدم . { ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ } - إلى آخر الآية ، يعني به ذرية آدم وقوله : { ثُمَّ لِتَكُـونُواْ شُيُوخاً } هذا جمع للعدد الكثير وحكم القليل فيه " أشيخ " كفلس وأفلس . إلا أنهم استثقلوا الضمة على الياء . فشبهوا باب فعل بفعل . وحق فعل في القليل أن يجمع على أفعال كجمل وأجمال فجمعوا فعلاً عند الاستثقال بضمة الياء على " أفعال " فقالوا : أشياخ " . والأصل ( أشيخ ، ومثله زيد ) وأزياد ، والأصل أزيد . فإن اضطر شاعر جاز أن يأتي به على أفعال فيقول أزيد وأشيخ كما قالوا : عين وأعين وإنما حسن في أعين في غير الشعر لأنها مؤنثة . والشيخ ما جاوز الأربعين . وهذه الآية حجة على المشركين وتنبيه لهم على قدرة الله عز وجل . وأن من قدر على هذه الأشياء قادر على إحياء الموتى ، فضرب ذلك لهم ونبههم عليه لعلهم يعقلون ما دعوا إليه فيتوبون من الكفر . وقوله : { ثُمَّ لِتَـبْلُغُوۤاْ أَشُدَّكُـمْ ثُمَّ لِتَكُـونُواْ } متعلق بمضمر إذ ليس بمتصل بما قبله في اللفظ . والتقدير : ثم من علقة ، ثم يعمركم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخاً . { وَمِنكُمْ مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبْلُ } ، أي قبل هذا كله ، وهو السقط وشبهه ، نحو الإزلاق وهو ما سقط نطفة ، ومثل الإجهاض وهو ما سقط مضغه ، والإسقاط ما سقط تام الخلق . وقد قال الخليل : ( الإجهاض : التام ) الخلق . وعلى الأول أكثر الناس . وقوله : { أَجَلاً مُّسَمًّى } ، يعني به أجل الموت للكل ، أي : يعمركم لتبلغوا أجل الموت . وقوله : { أَشُدَّكُـمْ } ، قيل : ( ثمان عشرة ) سنة . وقال ربيعة ( ومالك : الأشد الخلق ) . وقيل : الأشد : ثلاثة وثلاثون سنة .