Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 41, Ayat: 19-24)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ ٱللَّهِ إِلَى ٱلنَّارِ } - إلى قوله - { مِّنَ ٱلْمُعْتَبِينَ } ، أي : واذكر يا محمد يوم نحشر هؤلاء المشركين وغيرهم من أعداء الله إلى نار جهنم . { فَهُمْ يُوزَعُونَ } ، أي : يحبس أولهم على آخرهم قاله السدي وقتادة وغيرهما . قال أبو الأحوص : " فإذا تكاملت العدة بدئ بالأكابر فالأكابر جرماً " . قال أبو عبيدة : يوزعون : يدفعون . يقال : وزعه يزعه ، ويزعه ، إذا كفه وحبسه . ثم قال تعالى : { حَتَّىٰ إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم } . هذا الكلام فيه حذف مفهوم ، واختصار بليغ ، ( وهذا أمر معجز ) القرآن . والتقدير : حتى إذا جاءوا النار سئلوا عن كفرهم وجحودهم ، فأنكروا بعد أن شهد عليهم النبيئون والمؤمنون ، فعند ذلك تشهد عليهم جوارحهم بما كانوا يعملون في الدنيا . وأكثر المفسرين على أن الجلود هنا : الفروج . كنى عنها كما كنى عن النكاح بالمس . وقيل عنى بها الجلود بعينها ، وهو اختيار الطبري لأنه الأشهر المستعمل في كلام العرب ، ولا يحسن نقل المعروف في كلامها إلى غيره إلا بحجة ودليل يجب له التسليم . قال ابن مسعود ( رضي الله عنه ) يجادل المنافق عند الميزان ويدفع الحق ويدعي الباطل فيختم على فيه ، ثم تستنطق جوارحه فتشهد عليه ، ثم يطلق عنه فيقول : بعداً لكن وسحقاً ، إنما كنت أجادل عنكن . ثم قال تعالى : { وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا } ، ( أي : وقال المشركون للجلود لما أنطقها الله بالشهادة عليهم لم شهدتم علينا ) فأجابتهم . { أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ } فنطقنا . " روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحك ذات يوم حتى بدت نواجذه ، ثم قال : " ألا تسألوني مم ضحكت ؟ قالوا : مم ضحكت يا رسول الله ؟ قال : عجبت من مجادلة العبد ربه سبحانه يوم القيامة : قال : يقول : أي رب ، أليس وعدتني ألا تظلمني ؟ ! قال : فإن ( ذلك لك ) قال : فإني لا أقبل علي شاهداً إلا من نفسي . قال : أوليس كفى بي شهيداً وبالملائكة الكرام الكاتبين ! قال : فيختم على فيه وتتكلم أركانه بما كان يعمل . قال : فيقول لهم بعداً وسحقاً ، عنكم ، كنت أجادل " " . " وروى حكيم بن معاوية عن أبيه أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال : وأشار بيده إلى الشام فقال : " من ( هاهنا ) يحشرون / ركباناً ومشاتاً وعلى وجوههم يوم القيامة ، على أفواههم الفدام . توفون سبعين أمة أنتم آخرها وأكرمها على الله ، وإن أول ( ما يعترف من أحدهم ) فخذه " " . وعن عقبة بن عامر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " أول عظم يتكلم من الإنسان ( يوم يختم على الأفواه : فخذه من رجل الشمال " ، وفي حديث آخر ) " فخذه وكفه " . ثم قال : " { وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ } ، أي خلق الخلق الأول ولم يكونوا شيئاً . { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } ، أي : تردون بعد مماتكم . ثم قال تعالى : { وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ } . قال السدي : معناه : وما كنتم تستخفون من جوارحكم . وقال مجاهد : معناه : " وما كنتم تتقون " ، وقال قتادة : معناه : وما كنتم تظنون . قال قتادة : والله إن عليك يا ابن آدم لشهوداً غير متهمة من بدنك فراقبهم واتق الله في سر أمرك وعلانيتك ، فإنه لا تخفى عليه خافية ، الظلمة عنده ( ضوء ، والسر ) عنده علانية من استطاع أن يموت وهو بالله حسن الظن فليفعل ، ولا قوة إلا بالله . ثم قال : { وَلَـٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ ٱللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ } أي : ولكن حسبتم أيها العاصون حين ركبتم المعاصي في الدنيا أن الله لا يعلم أعمالكم فلذلك فعلتموها ) . قال ابن مسعود : كنت مستتراً بأستار الكعبة فدخل ثلاثة نفر : ثقفيان وقرشي أو قرشيان وثقفي ، كثير شحوم أبدانهم ، قليل فقه قلوبهم ، فتكلموا بكلام لم أفهمه . فقال أحدهم ، أترون أن الله يسمع ما نقول . فقال الرجلان : إذا رفعنا أصواتنا سمع ، وإذا لم نرفع أصواتنا لم يسمع . فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك ، فنزلت هذه الآية : { وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ … } الآية . ثم قال تعالى : { وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ } أي : وذلك الذي جنيتم في الدنيا على أنفسكم من معاصي الله هو من ظنكم الذي ظننتم أن الله لا يعلم ما تعملون ، أهلككم ذلكم الظن فأصبح في الآخرة من الذين خسروا أنفسهم . وقرأ الحسن هذه الآية ثم قال : قال الله جل ذكره : " عبدي ، أنا عند ظنه بي ، وأنا معه إذا دعاني " . ثم نظر الحسن فقال : إنما عمل الناس على قدر ظنونهم بربهم ، فأما المؤمن فأحسن بالله الظن وأحسن العمل ، ( وأما الكافر والمنافق فأساء الظن وأساء العمل ) . وذكر معمر أنه بلغه أنه : " يؤمر برجل إلى النار فيلتفت فيقول : يا رب ، ما كان هذا ظني بك . قال : ( وما كان ظنك ) قال : كان ظني بك أن تغفر لي ولا تعذبني قال : فإني عند ظن عبدي " . وقال قتادة : الظن ظننان : ظنُّ مُرْدٍ ، وظنُّ مُنْجٍ ، فأما الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم ، ومن قال : { إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ } [ الحاقة : 20 ] فهذا الظن المنجي - ظن ظناً يقيناً - قال : وقال هاهنا : { وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ } فهذا ظن مرد . وقوله عن قول الكافرين : { إِن نَّظُنُّ إِلاَّ ظَنّاً } [ الجاثية : 32 ] مثله . قال قتادة : وذكر لنا أن نبي الله عليه السلام كان يقول ويروي عن ربه عز وجل : " عبدي أنا عند ظنه بي وأنا معه إذا دعاني " . فمعنى الآية : وهذا الظن الذي ظننتم بربكم أنه لا يعلم كثيراً مما تعملون هو الذي أهلككم لأنكم من أجل هذا الظن الخبيث تجرأتم على محارم الله سبحانه ، وركبتم ما نهاكم عنه فأهلككم ذلك وأصبحتم في القيامة من الذين خسروا أنفسهم فهلكوا . وقد روى جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " " من استطاع منكم ألا يموت إلا وهو يحسن الظن بالله فليفعل . ثم تلا : " { وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ ٱلَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ } " الآية . واستحب العلماء للرجل المؤمن أن يكون الخوف عليه في صحته أغلب من الرجاء ، فإذا مرض وحضرت وفاته استحبوا أن يكون الرجاء في عفو الله أغلب عليه من الخوف . ثم قال تعالى : { فَإِن يَصْبِرُواْ فَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ } ، المعنى فإن يصبروا على النار أولا يصبروا فالنار مسكن ومأوى لهم . { وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ ٱلْمُعْتَبِينَ } ، أي : وإن يسألوا الرجعة إلى الدنيا والتخفيف من العذاب فما هم ممن يخفف عنهم ما هم فيه ولا يرجعون إلى الدنيا . وقيل : المعنى : فإن يصبروا في الدنيا على أعمال أهل النار فالنار مسكن لهم في الآخرة كما قال : { فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى ٱلنَّارِ } [ البقرة : 175 ] . وقيل : المعنى : وإن يستعتبوا في الدنيا وهم مقيمون على كفرهم فما هم من المعتبين . والاستعتاب إنما يكون من الجزع . فهذا يدل على أنه في النار يكون ذلك . وقيل : المعنى : " فإن يصبروا فالنار أو يجزعوا فالنار مسكن لهم " . وقيل : المعنى : إن يصبروا في الدنيا على تكذيبك واتباع آلهتهم ، فالنار مثوى لهم يوم القيامة . ويقال : إن هذا جواب لقولهم : { أَنِ ٱمْشُواْ وَاْصْبِرُواْ عَلَىٰ آلِهَتِكُمْ } فقال الله تعالى جل ذكره إن يصبروا على آلهتهم ، أي : على عبادتها { فَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ } ، وإن يستعتبوا يوم القيامة / فلن يعتبوا .