Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 15-18)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { فَلِذَلِكَ فَٱدْعُ وَٱسْتَقِمْ } إلى قوله : { لَفِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ } ، أي : فإلى ذلك الدين يا محمد فادع الناس واستقم . فاللام في " فلذلك " / بمعنى " إلى " كما قال : { بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا } [ الزلزلة : 5 ] ، أي : إليها . { وَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ } أي : واستقم يا محمد على العمل بذلك الدين ، واثبُت عليه كما أمرك ربك . ( وقيل : " ذلك " بمعنى : هذا . والتقدير : فلهذا القرآن فادع الناس يا محمد واستقم على العمل به كما أمرك ربك . وقيل : اللام ) على بابها ، والمعنى : ومن أجل ذلك الذي تقدم ذكره فادع إلى عبادة الله واستقم على ( ما أمرك ) ربك . وفي الكلام تقديم وتأخير . والتقدير فيه : كَبُرَ على المشركين ما تدعوهم إليه فلذلك فادع ، أي فإلى ذلك ( الدين فادع ) عباد الله واستقم كما أمرت . ثم قال : { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ } ، أي : ولا تتبع أهواء المشركين في الحق الذي شرعه الله لكم من الدين . { وَقُلْ آمَنتُ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِن كِتَابٍ } أي : وقل يا محمد صَدَّقْتُ بما أنزل الله من كتاب ، كائنا ذلك الكتاب ما كان لا أُكَذِّبُ بشيء منه ، كما كذبتم أيها المشركون ببعضه ، وصدقتم ببعضه . ثم قال تعالى : { وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ } ، أي : وأن أسير فيكم أجمعين بالحق الذي بعثني ( الله به ) . قال قتادة : " أُمِرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعدل ، فعدل ، حتى مات صلى الله عليه وسلم . والعدل ميزان الله في الأرض ، به يأخذ المظلوم من الظالم ، والضعيف من الشديد " وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ أَنْجَيْنَهُ : الْقَصْدُ فِي الْفَاقَةِ وَالْغِنَى ، والْعَدْلُ فِي الْرِّضَى وَالْغَضَبِ ، وَالخَشْيَةُ فِي الْسِّرِّ وَالْعَلاَنِيّةِ . وَثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ أَهْلَكْتُهُ : شُحٌّ مَطَاعٌ ، وَهَوَى مُتَّبَعٌ ، وَإِعْجَابُ المَرْءِ بِنَفْسِهِ . وَأَرْبَعٌ مَنْ أُعْطِيهُنَّ فَقَدْ أُعْطِي خَيْرَ الْدُّنْيَا وَالآخِرَةِ : لِسَانٌ ذَاكِرٌ ، وَقَلْبٌ شَاكِرٌ ، وَبَدَنٌ صَابِرٌ ، وَزَوْجَةٌ مُوَافِقَةٌ " . ثم قال تعالى : { ٱللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ } ، أي : مَالِكُنَا ومَالِكُكُم . وهذا كله خطاب لجميع الأحزاب من أهل الكتابين . { لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ } ، أي : لنا ثواب ما اكتسبنا من الأعمال ، ولكم ثواب ما اكتسبتم منها . { لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ } ، أي : " لا خصومة " : قاله مجاهد وابن زيد . وقيل : ( المعنى : لا خصومة بيننا ) لأن الحق قد تَبَيَّنَ لَكُمْ صوابه . فاحتجاجكم إنما هو عناد في أمر قد تبين لكم صوابه ( فاحتجاجكم إنما هو فيما قد علمنا أنكم ) تعلمونه وتنكرونه بعد علمكم بصحته . ثم قال تعالى : { ٱللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ } ، أي : يجمع بيننا في موقف يوم القيامة فيقضي بيننا بالحق فيما اختلفنا فيه ، وإليه مصيرنا أجمعين . ثم قال تعالى : { وَٱلَّذِينَ يُحَآجُّونَ فِي ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ٱسَتُجِيبَ لَهُ } ، أي : والذين يخاصمون في دين الله عز وجل الذي بعث به محمداً صلى الله عليه وسلم ، من بعد ما استجيب له الناس ودخلوا فيه . { حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ } أي : خصومتهم باطلة ذاهبة عند ربهم . { وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ } من ربهم . { وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } في الآخرة ، وهو عذاب النار . وقيل المعنى : والذين يخاصمون الناس في دين الله ، من بعد ما استجيب للنبي . فتكون " الهاء " للنبي صلى الله عليه وسلم في هذا القول . وهي لله عز وجل في القول الأول . ومعنى : استجيب له - في هذا القول - استجيب دعاؤه ، لأنه دعا على أهل بدر فاستجيب له ، ودعا على أهل مكة ومضر . بالقحط فاستجيب له ، ودعا للمستضعفين أن ينجيهم الله من قريش فاستجيب له في أشباه لهذا . وقال مجاهد : هم قوم من الكفار خاصموا المؤمنين في وحدانية الله سبحانه من بعدما استجيب له المؤمنون . وذكر الطبري أن هذه الآية " نزلت في قوم من اليهود خاصموا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في دينهم وطعموا أن يصدوهم عنه إلى الكفر " ، وهو قول ابن عباس . وقال قتادة : نزلت في اليهود والنصارى ، قالوا : ديننا قبل دينكم ، ونبينا قبل نبيكم ، ونحن خير منكم . ثم قال : { ٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ وَٱلْمِيزَانَ } ، أي : الله الذي أنزل هذا الكتاب - يعني : القرآن - بالحق وأنزل الميزان . قال مجاهد وقتادة : الميزان : العدل ، ليقضي بين الناس بالإنصاف بحكم الله . ثم قال تعالى : { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٌ } ، أي : وأي شيء يعلمك يا محمد لعل الساعة التي تقوم فيها القيامة قريب . وفي الكلام معنى التهديد والتخويف لمن أنزل عليه القرآن - وهو النبي صلى الله عليه وسلم وأمته . وذكر " قريب " و " الساعة " مؤنثة على طريق النسب . وقيل : ذكر ليفرق بينه إذا كان من المسافة والزمان ، وبينه إذا كان من النسب والقرابة . وقال الزجاج : " هو تأنيث ليس بحقيقي فحمل على المعنى . والتقدير لعل البعث قريب " . وقيل التقدير لعمل مجيء الساعة قريب ، ثم حُذف مثل { وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ } [ يوسف : 82 ] . ثم قال تعالى : { يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا } أي : يستعجلك بمجيئها يا محمد الذين لا يؤمنون بها ينكرون مجيئها ، يظنون أنها غير جائية ، وذلك قولهم : { مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [ الملك : 25 ] . فهم يسألون عن حدوث كونها على جهة التكذيب لمجيئها . والذين آمنوا بها ، وعلموا أنها ستأتي مشفقون منها ، أي : وجلون خائفون من مجيئها لصحة وقوع ذلك عندهم وكونه ، لأنهم لا يدرون ما الله فاعل بهم فيها . { وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا ٱلْحَقُّ } ، أي : ويوقنون أن مجيئها حق يقين . ثم قال تعالى : { أَلاَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يُمَارُونَ فَي ٱلسَّاعَةِ } ، أي : يجادلون الناس فيها أنها لا تقوم . { لَفِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ } ، أي : لفي جور عن الصواب ، بعيد عن الحق ، لأنهم كفروا معاندة ودفعاً للحق .