Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 19-23)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { ٱللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ } إلى قوله : { غَفُورٌ شَكُورٌ } ، أي : والله ذو لطف بعباده ، يرزق من يشاء فيوسع عليه ويقتر على من يشاء . { وَهُوَ ٱلْقَوِيُّ } لا يغلبه غالب . { ٱلْعَزِيزُ } في انتقامه من أعدائه . ثم قال تعالى : { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ } . الحرث هنا : العمل . والمعنى : من كان يريد بعمله الآخرة نَزِدْ لَهُ في حرثه ، أي : نوفقه ونضاعف له الحسنات . { وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا } ، ( أي : ومن كان يريد بعمله الدنيا نؤته منها ما يريد ، مثل دفع الآفات ونحوها ومثله قوله : { مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ } [ الإسراء : 18 ] . وقيل : المعنى : من كان يريد بفعله الخير ثناء أهل الدنيا تركناه وذلك ، ولم يكن له في الآخرة من عمله نصيب . وقيل نزلت في الغزو ، والجهاد . والتقدير : من كان يريد بغزوه وجهاده الآخرة وثوابها نعطه ذلك ونزده ، ومن كان يريد بذلك الغنيمة والكسب نؤته منها ، أي : نخلي بينه وبين ذلك . وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يمنع المنافقين من أخذ الغنيمة ومن أجلها غزوا معه لا لله سبحانه . ففيهم ( وفي أشباههم نزلت الآية ) فتكون الآية على هذا القول مخصوصة . وقال طاوس : " من كان همه الدنيا جعل الله فقره بين عينيه ( ولم ينل من الدنيا إلا مَا كُتِبَ له ) ، ومن كان همه الآخرة ( جعل الله غناه بين عينيه ) ، ونور قلبه ، وآتاه من الدنيا ما كتب الله له " . وقال الطبري في معناها : من كان يريد بعمله الآخرة نزد له في عمله الحسنى ، فنجعل له بالواحد عشراً إلى ما شاء ربنا من الزيادة ، ومن كان يريد بعمله الدنيا ولها يسعى ، نؤته منها ما قسمنا له وما كتب له منها . { وَمَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ } ، أي : ماله من عمله ذلك في الآخرة حظ . وقال قتادة : معناه : من آثر آخرته على دنياه نزد له في أجره ، ومن آثر دنياه على آخرته لم نجعل له نصيباً في الآخرة إلا النار ، ولم نزده في الدنيا شيئاً إلا رزقاً قد فرغ منه . وروى الضحاك عن ابن عباس أن قوله : { وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا } : منسوخ في سورة " سبحان " بقوله : { مَّن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ } [ الإسراء : 18 ] وفيه بُعْدٌ لأن الأخبار لا تُنسخ . ثم قال تعالى : { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ ٱللَّهُ } ، أي : بل لهم شركاء اخترعوا لهم ديناً لم يأمر به الله سبحانه فعملوا به وقبلوه . وأضيف " الشركاء " إليهم لأنهم هم أحدثوا عبادتهم من دون الله سبحانه ، فأشركوا بينهم وبين الله سبحانه في العبادة ، تعالى الله على ذلك عُلُواً كبيراً . ثم قال تعالى : { وَلَوْلاَ كَلِمَةُ ٱلْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } ، أي : ولولا السابق من حكم الله عز وجل أنه لا يعجل لهم العذاب في الدنيا ، وأنه مؤخر عذابهم إلى يوم القيامة لجاءهم العذاب ، فَيَهْلَكُ الكافرون وينجو المؤمنون . ( ثم قال تعالى : { وَإِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ، أي : مؤلم والظالمون ) : الكافرون بالله . ثم قال تعالى : { تَرَى ٱلظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُواْ وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ } ، أي : ترى يا محمد الكافرين يوم القيامة خائفين من عقاب ما كسبوا في الدنيا من الأعمال الخبيثة أن يَحُلَّ بهم ، وعقابه واقع بهم وَحَالٌّ عليهم . ثم قال تعالى : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ ٱلْجَنَّاتِ } . والروضة : المكان المونق الحسن ، ولا تكون الروضة - عند بعض اللغويين - إلا في المكان المرتفع . ثم قال تعالى : { لَهُمْ مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ } ، أي : لهم عند ربهم - في الآخرة - ما تشتهيه أنفسهم وتلذ أعينهم . { ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ } ، أي : ذلك الذي أعطاهم الله من النعيم والكرامة هو الفضل الكبير عليهم من الله عز وجل . ثم قال تعالى : { ذَلِكَ ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } ، أي : ذلك الذي أخبرتكم به من الكرامة هو الذي يبشر الله به عباده الذين / آمنوا في الدنيا ، وعملوا الأعمال الصالحات . ثم قال تعالى جل ذكره : { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ } ، أي : قل لهم يا محمد لا أسال منكم جُعْلاً على ما جئتكم به من الهدى والقرآن والدعاء إلى الإيمان والنصيحة إلا أن ( تُوَدُّونِي ) لقرابتي منكم ، وتصلوا رحمي بيني وبينكم . قال ابن عباس : لم يكن بطن من بطون قريش إلا وبينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم قرابة . وعن ابن عباس أيضاً أنه قال : لما أبو ( أن يتابعوه ، قال : يا قوم ، إن أبيتم أن تتابعوني ) فاحفظوا قرابتي فيكم لا يكن غيركم من العرب أولى بحفظي ونصري منكم ، وبهذا القول قال في الآية : عكرمة ومجاهد وقتادة والسدي . قال قتادة : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يسأل الناس على هذا القرآن أجراً إلا أن يَصِلُوا ما بينه وبينهم من القرابة - وكل بطون قريش بينهم وبينه قرابة - . فيكون المعنى : إلا أن تودوني لقرابتي منكم ، ( إني لا أسألكم من أموالكم شيئاً على ما جئتكم به ، إنما أسألكم أن تودوني لقرابتي منكم إن أبيتم ) أن تؤمنوا بي . وعن ابن عباس أنه قال : " قالت الأنصار : " فعلنا وفعلنا … فكأنهم فَخُرُوا . فقال بعض قرابة النبي صلى الله عليه وسلم : لنا الفضل عليكم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأتاهم في مجالسهم ، فقال : " يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ ، أَلَمْ تَكُونُوا أَذِلَّةً فَأَعَزَّكُمْ اللهُ بِي ؟ قَالُوا : بَلَى يَا رَسُولَ الله . قَالَ : أَلَمْ تَكُونُوا ضُلاَّلاً فَهَدَاكُمْ اللهُ بِي ؟ قَالُوا : بَلَي يَا رَسُولَ الله قَالَ : أَفَلاَ تُجِيِبُونِي ؟ قَالُوا : مَا نَقُولُ يَا رَسُولَ الله ؟ قَالَ : أَلاَ تَقُولُونَ : أَلَمْ يُخْرِجْكَ قَوْمُكَ فَآوَيْنَاكَ ؟ أَلَمْ يُكَذِّبُوكَ فَصَدَّقْنَاكَ ؟ أَلَمْ يَخْذِلُوكَ فَنَصْرنَاكَ . فَمَا زَالَ يَقُولُ حَتَّى جَثَوْا عَلَى الْرُّكَبِ . وَقَالُوا : أَمْوالُنَا وَمَا فِي أَيْدِينَا لله وَرَسُولِهِ قَالَ : " فَنَزَلَتْ : { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ فِي ٱلْقُرْبَىٰ } " الآية " وبهذا القول قال عمرو بن شعيب . وهذا يدل على أن الآية مدنية . وعن ابن عباس أيضاً أن معنى الآية : قل يا محمد لقريش : لا أسألكم على ما جئتكم به أجراً إلا أن تتوددوا إلى الله وتتقربوا إليه بالعمل الصالح . وقال الحسن : معناه : إلا التقرب إلى الله عز وجل والتودد إليه بالعمل الصالح . وقال الضحاك : الآية منسوخة نسخها قوله : { قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّن أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ } . واختار الطبري قول من قال : معناه : إلا أن تودوني في قرابتي منكم . و { إِلاَّ ٱلْمَوَدَّةَ } في هذا استثناء منقطع . فالمعنى : لا أسألكم عليه أجراً لكن أسألكم أن تودوني لقرابتي منكم . ثم قال : { وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً } ، أي : ومن يعمل حسنة نضاعفها إلى عشر حسنات فأكثر . { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ } ، أي : غفور لذنوب عباده المؤمنين { شَكُورٌ } لحسناتهم يضاعفها لهم .