Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 24-29)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } إلى قوله { إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ } أي : أيقولون افترى على الله الكذب ، أي : اختلقه من عند نفسه . { فَإِن يَشَإِ ٱللَّهُ يَخْتِمْ عَلَىٰ قَلْبِكَ } ، أي : يطبع على قلبك فتنسى هذا القرآن يا محمد ، قاله قتادة والسدي . وقال الزجاج : معناه : فإن يشأ الله يربط على قلبك بالصبر على أذاهم . وقيل : المعنى : ( إن يشاء الله - يا محمد - ختم على قلبك بالصدق واليقين والخير كله . وقد فعل بك ذلك وَمَحَا ضُرَّهُ من قلبك . وقيل : المعنى ) فإن يشاء الله يمنعك من التمييز . ثم قال : { وَيَمْحُ ٱللَّهُ ٱلْبَاطِلَ } ، أي : ويزيل الله الباطل على كل حال - وهو الشرك - ولذلك رفعه ، ولو عطفه على " ما يشاء " لم يجز لأنه يصير المعنى ( ولو يشاء ) الله يمح الباطل ، وذلك لا يجوز لأنه تعالى يمحوه على كل حال . ويدل على رفعه أن بعده " ويحق الله الحق " بالرفع ) وهذا احتجاج عليهم لنبوءة محمد صلى الله عليه وسلم وصحة ما جاء به لا المعنى : إن الله يزيل الباطل ولا يثبته . فلو كان ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم باطلاً لمحاه الله عز وجل وأنزل كتاباً آخر على غيره . وهكذا جرت العادة [ في جميع المفترين أن الله سبحانه يمحو أباطلهم ويثبت الحق . ومعنى { وَيُحِقُّ ٱلْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ } ، أي : ويثبت ما أنزل من كتابه على لسان ] نبيه عليه السلام . وقيل : المعنى ويبين الحق . وقيل : معناه : يثبت الحق في قلبك بكلماته ، أي : بالقضاء الذي قضاه لك قبل خلقك . ثم قال تعالى : { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } ، أي : إنه ذو علم بما في صدور خلقه وما تنطوي عليه ضمائرهم . وقيل : إن معناه : لو حدثت نفسك يا محمد بأن تفتري علي كذباً لطبعت على قلبك ، وأذهبت الذي أتيتك من وحيي ، لأني أحق الحق وأمحو الباطل ، فأخبر الله عز وجل الزاعمين أن محمداً صلى الله عليه وسلم اختلق القرآن من عند نفسه - أنه لو فعل ذلك أو حدث به نفسه - ما أخبر في هذه الآية . وكان أبو عمرو بن العلاء يختار أن يقف القارئ على : " فإن يشاء الله يختم على قلبك " ، لأن ما بعده مستأنف غير معطوف عليه على ما ذكرنا ، وهو اختيار الفراء . ثم قال : { وَهُوَ ٱلَّذِي يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُواْ عَنِ ٱلسَّيِّئَاتِ } أي : والله الذي يقبل مراجعة عباده إلى الإيمان بعد كفرهم ويعفو عن ما تقدم لهم من السيئات ، ويعلم ما يفعل / خلقه من خير وشر ، لا يخفى عليه شيء من ذلك ، فيجازيهم على كل ذلك . ثم قال تعالى : { وَيَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } أي : ويجيب الذين آمنوا ربهم فيما دعاهم إليه ، كما قال : { فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي } [ البقرة : 186 ] . قال المبرد : معناه : فليستدعوا الإجابة . فيكون " الذين " في موضع رفع على هذا التأويل . وقيل : المعنى : ويستجيب الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم ، بمعنى : يستجيب الذين آمنوا إذا سألوه ودعوا إليه ، ويزيدهم من فضله ، هي زيادة ( لم يسألوها ) ، إحساناً منه . وتكون اللام محذوفة من الذين ، كما قال : { وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ } . أي : كالوا لهم أو وزنوا لهم . يقال : استجبت بمعنى : أجبته . فيكون " الذين " في موضع نصب بـ " يستجيب " أنشد أهل اللغة . فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبُ . أي : لم يجبه . واستجاب ، بمعنى : أجاب ، مشهور في كلام العرب . وقيل : معنى الزيادة ( أنه يزيدهم ما دعوه . وقيل : الزيادة التي ضمن ) الله تعالى هنا هي أن يشفعهم في إخوانهم إذا شفعوا فيهم . وروى قتادة عن النخعي أنه قال في قوله : " ويستجيب الذين آمنوا " ، قال : يشفعون في إخوانهم . ( وقال في قوله : { وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ } : يشفعون في إخوان إخوانهم ) . ثم قال تعالى : { وَٱلْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } ، يعني عذاب جهنم . ثم قال تعالى : { وَلَوْ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ } . هذه الآية ، روي أنها نزلت في قوم من أهل الصُّفَّةِ تمنوا سعة الدنيا والغناء ، فأنزل الله تعالى : { وَلَوْ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ } ، أي : ولو وسع عليهم لجازوا الحد الذي حده الله عز وجل لهم . { وَلَـٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَآءُ } ، أي : يسهل لهم رزقاً مقدراً يصلحهم وتصلح عليه أحوالهم . { إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ } ، أي : ذو خبر بهم ، وذو علم يعلم من يصلحه التضييق وتفسده السَّعَةُ ( في الرزق ، ومن يفسده التضييق وتصلحه السَّعَةُ ) فيعطي كُلاًّ على قدر ما يصلحه . قال قتادة : " كان يقال : خير الرزق ما لا يُطغيك ولا يلهيك . ورُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول : " أَخْوَفُ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي زَهْرَة الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَثْرتهَا فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ : أَيَأْتِي الخَيْرُ بِالشَّرِّ ؟ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : إِنَّ الخَيْرُ لاَ يَأْتِي إِلاَّ بالخَيْرِ … " في حديث طويل . ثم قال تعالى : { وَهُوَ ٱلَّذِي يُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ } ، أي : يُنَزَّلُ المطر من السماء ليُحيي به الأرض من بعد ما يئس الخلق من نزوله . { وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ } ، اي : يَبُثُّهَا في عباده ، يعني بالرحمة : الغيث الذي أنزله من السماء . ومع القنط يرجى الفرج . وقيل : لعمر رضي الله عنه : " جدبت الارض وقنط الناس فقال : مطروا إذا " . وقد قيل في قوله : { وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ } ، أي : ظهور الشمس بعد المطر . وهو قول شاذ لم أره عن ثقة . ثم قال : { وَهُوَ ٱلْوَلِيُّ ٱلْحَمِيدُ } ، أي : وهو الذي يليكم بإحسانه وفضله ، الحميد بأياديه عندكم ونعمه عليكم . ثم قال تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَآبَّةٍ } أي : ومِنْ حُجَجِهِ ( وعلامات أدلته ) على وحدانيته وقدرته على إحيائكم بعد موتكم ، خلقه واختراعه السماوات السبع والأرضين السبع وخلقه ما نشر فيها من حيوان . { وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَآءُ قَدِيرٌ } ، أي : وهو يقدر أن يحييهم يوم القيامة فيجمعهم إذا شاء . وقال الفراء : قوله : { وَمَا بَثَّ فِيهِمَا } ، يريد به : ما بث في الأرض دون السماء ؛ وزعم أن مثله { يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ } [ الرحمن : 22 ] وإنما يخرجان من الملح دون الحلو . وهو قول ضعيف عند البصريين ، لا يجوز أن يرجع ضمير اثنين إلى واحد ، بل نقول : إن الله قد بث في السماوات والأرض دواب وقد قال : { وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [ النحل : 8 ] وقال مجاهد : { وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَآبَّةٍ } ، يعني : الناس والملائكة والعرب تقول لكل ما تحرك : دب فهو داب والهاء دخلت للمبالغة ، وقيل ( لتأنيث ) الصنعة .