Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 42, Ayat: 30-37)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَمَآ أَصَـٰبَكُمْ مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ } إلى قوله : { هُمْ يَغْفِرُونَ } . أي : والذي أصابكم من مصيبة بما كسبت أيديكم . وقيل : " ما " للشرط ، والفاء مرادة ، وحسن حذفها ؛ لأن الفعل الأول لم يعمل فيه الشرط ، إذ هو ماض . وفي كون " ما " بمعنى " الذي بعد " ، لأنه يصير مخصوصاً للماضي . فكأن ما أصابنا فيما مضى من مصيبة هو بما كسبت أيدينا وما يصيبنا فيما نستقبل يحتمل أن يكون مثل ذلك ، وأن يكون على خلافه ، لغير ما كسبت أيدينا . وهذا ( لا يجوز ، بل هو عام فيما مضى وما يستقبل ، لا يصيبنا من مصيبة ماضية أو مستقبلة إلا بما كسبت أيدينا . وهذا المعنى لا يتضمنه ) إلا الشرط لأنه للعموم . فمعنى الآية : إن الله جل ذكره أعلمنا أن ما يصيبنا من مصيبة في الدنيا في الأموال والأنفس والأهل فهو عقوبة منه لنا بما اكتسبنا من الآثام . ثم قال / تعالى : { وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ } ، أي : مما اكتسبنا فلا يعاقبنا عليه في الدنيا بالمصائب . قال قتادة : ذكر لنا نبي الله عليه السلام قال : " لا يُصيبُ ابنَ آدمَ خَدشُ عودٍ ، ولا عَثْر قَدَمٍ ، ولا اختلاجُ عرقٍ إلاَّ بِذَنبٍ ، وَمَا يَعْفُو عَنْهُ أَكْثَر " . وقال ابن عباس : تعجل للمؤمنين عقوبتهم بذنوبهم في الدنيا ولا يؤاخذون بها في الآخرة . وقال الحسن : معنى الآية في الحدود ، أن الله تعالى جعل الحدود على ما يعمل الإنسان من المعاصي . وهذا يعطي أن " ما " بمعنى " الذي " . قال إبراهيم بن عرفة : الكثير الذي يعفو ( الله عز وجل عنه ) لا يحصى . وهذه من أرجى آية في القرآن . وقال علي رضي الله عنه في هذه الآية : إذا كان يكفر عني بالمصائب ويعفو عن كثير فماذا يبقى من ذنوبي بين كفارته وعفوه . وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال : ألا أخبركم بأرجى آية في كتاب الله ؟ قالوا : بلى ، فقرأ : " وما أصابكم من مصيبة " الآية . ثم قال : فالمصائب في الدنيا بكسب الأيدي ، وما عفا الله عز وجل عنه في الدنيا فلم يعاقب به في الدنيا فهو أجود وأمجد وأكرم أن ( يعذب به ) في القيامة . وروي عنه رضي الله عنه أنه قال : ما أحب أن لي بها الدنيا وما فيها . ( وقال أبو وائل : ما من مسلم يشاك بشوكة فما فوقها إلا رفعه الله بها درجة ، وحط عنه بها خطيئة ) . ثم قال تعالى : { وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ } ، أي : وما أنتم أيها الناس بمُعتِبِين ربكم بأنفسكم هرباً في الأرض حتى لا يقدر عليكم إذا أراد عقوبتكم على ذنوبكم ، ولكنكم في سلطانه حيث كنتم ، وتحت قدرته أين حللتم ، وفي مشيئته كيف تقلبتم . ثم قال : { وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } ، أي : ( ليس لكم ) أيها الناس وَلِيٌّ يليكم فيدفع عنكم عقاب الله ، ولا نصير ينصركم إذا أراد عذابكم . قال المبرد : بمعجزين : بسابقين ، يقال : أعجز إذا عدا فسبق . ثم قال تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ ٱلْجَوَارِ فِي ٱلْبَحْرِ كَٱلأَعْلاَمِ } ، أي : ومن علامات الله وأدلته ، وحججه عليكم أيها الناس أنه قادر على تسيار السفن الجارية في البحر . و { ٱلْجَوَارِ } ، جمع جارية وهي : السائرة في البحر . { كَٱلأَعْلاَمِ } : كالجبال ، واحدها علم . ثم قال تعالى : { إِن يَشَأْ يُسْكِنِ ٱلرِّيحَ } ، أي : إن يشأ الله ألا تجري هذه السفن في البحر ، يسكن الرياح التي ( تجري بها ) . { فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِ } ، أي : فيصرن سواكن ثوابت على ظهر البحر لا يجرين . ثم قال : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ } ، أي : إن في جري هذه السفن في البحر وقدرة الله على إمساكها ألا تجري بإسكانه الرياح ، لعظة وعبرة وحجة على أن الله قادر على ما يشاء لكل ذي صبر على طاعة الله شكورٍ نِعَمَ ربه . ثم قال تعالى : { أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا } ، أي : يغرق هذه السفن في البحر فيهلكن أي يهلك من فيهن بذنوبهم . ثم قال : { وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ } ، أي : ويصفح جل ثناؤه عن كثير من ذنوبكم لا يعاقب عليها . ثم قال تعالى : { وَيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ } ، أي : ويعلم الذين يخاصمون محمداً صلى الله عليه وسلم في آيات الله سبحانه [ ما لهم من محيل عن عقاب الله إذا أتاهم على كفرهم ، قال السدي ] ما لهم من محيص : من ملجأ . قال الزجاج : " ما لهم من معدل ولا ملجأ ، يقال : حاص عنه إذا تنحى عنه " . ثم قال تعالى : { فَمَآ أُوتِيتُمْ مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } ، أي : فما أعطيتم أيها الناس من شيء من رياش الدنيا ، ومن المال فهو متاع الحياة الدنيا تستمتعون به في حياتكم ، وليس من دار الآخرة ، ولا مما ينفعكم . { وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ لِلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } ، أي : وما عند الله لأهل طاعته ، والإيمان به ، والتوكل عليه في الآخرة ، خير مما أوتيتم في الدنيا من متاعها . " وأبقى " ، أي : وأدوم ، لأنه لا زوال عنه ولا انقطاع ، ومتاع الدنيا ( فان وزائل ) عن قليل . ثم قال : { وَٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ } ، أي : وهو للذين يجتنبون كبائر الإثم . " روي عن ابن مسعود أنه قال : قلت : يا رسول الله ، أي : الذنب أعظم ؟ قال : " أَنْ تَجْعَلَ لله نِدّاً وهو خَلَقَكَ ، قلت : ثُمَّ أَيُّ ؟ قال أن تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أن يَأْكُلَ مَعَكَ . قلت : ثم أَي : قَالَ : أن تَزْنِي بِحَلِيلَةِ جَارِكَ ؛ ثُمَّ ذَكَرَ أَكْلَ مَالِ اليَتِيمِ ، وَقَذْفَ المُحْصَنَةِ ، والغلُولَ ، والسِّحْرَ وَأَكْلَ الرِّبَا " " . فهذا حديث مفسر في الكبائر . وعن ابن مسعود أنه قال : الكبائر : من أول سورة " النساء " إلى رأس ثلاثين آية منها إلى قوله : { وَنُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيماً } [ النساء : 31 ] . وقال ابن عباس - وقد سئل عن الكبائر - هي كل ما نهى الله تعالى / عنه . وروي عنه أنه قال : الكبائر : " ( كل ما ) ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب " . وقال الضحاك : هي كل موجبة أوجب الله عز وجل لأهلها العذاب ( وكل ما ) يقام عليه الحد فهو كبيرة . وعن ابن عباس : " والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش " ، قال : هو الشرك بالله عز وجل ، واليأس من روح الله سبحانه ، والأمن من مكر الله جلت عظمته ، ومنها : عقوق الوالدين ، وقتل النفس التي حرم الله سبحانه ، وقذف المحصنات ، وأكل ( مال اليتيم ) ، والفرار من الزحف ، وأكل الربا ، والسحر ، والزنا ، واليمين الغموس واليمين الفاجرة ، والغلول ، ومنع الزكاة المفروضة ، وشهادة الزور ، وكتمان الشهادة ، وشرب الخمر ، وترك الصلاة عامداً ، أو شيئاً مما افترض الله سبحانه ، ونقض العهد ، وقطيعة الرحم . وقال السدي : الفواحش : الزنا . وقوله : { وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ } ، أي : إذا غضبوا على من أساء إليهم غفروا وصفحوا له .