Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 26-32)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَآءٌ } - إلى قوله - { خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } ، " براء " مصدر فلا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث . تقول : نحن البراء منك ، وهي البراء منك . والمعنى / أنني ذو البراء منك ، ونحن ذو البراء كما تقول : رجل عدل ، ( وامرأة عدل ، وقوم عدل ) ، أي : ذوو عدل . ونظيره : { وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ آمَنَ } [ البقرة : 177 ] ، أي : ولكن ذو البر . وقرأ ابن مسعود : " إنني بريء " على " فعيل " . فتجوز التثنية والجمع والتأنيث على هذه القراءة . وجمعه في التكسير : " بُرَآء " ( كـ " كُرَمَاء " ) . وحكى الكوفيون " براء " على حذف الياء وهو شاذ . وقوله : { إِلاَّ ٱلَّذِي فَطَرَنِي } ، هذا استثناء من قوله " مما تعبدون " . ويجوز أن يكون استثناء ليس من الأول منقطعاً . ومعنى الآية : واذكر يا محمد إذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إذ كانوا يعبدون ما يعبد قومك : إنني براء مما تعبدون من دون الله ، إلا من الذي فطرني ، أي : خلقني ، فإني لا أبرأ منه . { فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ } ، أي سيقونا للحق في ديني . ثم قال تعالى : { وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ } . قال قتادة : الكلمة هي شهادة ألا إله إلا الله ، لم يزل في ذريته من يقولها من بعده ، وقاله السدي ، وقال ابن زيد : الكلمة : الإسلام ، وهو قوله : { أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ البقرة : 131 ] . وقال : { هُوَ سَمَّاكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ } [ الحج : 78 ] ، وقال : { وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً } [ البقرة : 128 ] . والضمير في قوله : { وَجَعَلَهَا } عائد على قوله : { إِلاَّ ٱلَّذِي فَطَرَنِي } وضمير الفاعل يعود على الله جل ذكره ، أي : وجعلها الله سبحانه كلمة باقية في عقب إبراهيم ، فلا يزال من ولد إبراهيم من يوحد الله . وقيل : الضمير المرفوع يعود على إبراهيم ، أي : وجعل إبراهيم الكلمة باقية في عقبه ، أي : عرفهم التوحيد والبراءة من كل معبود سوى الله وأوصاهم به ، وهو قوله : { وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ … } [ البقرة : 132 ] الآية . فتوارثوا ذلك فلا يزال من ذريته موحد لله . ويقال عَقِبُ وعقب ، بمعنى واحد . والعَقِبُ هنا : الولد في قول مجاهد . وقال ابن عباس : العقب هنا من يأتي بعده . وقال السدي : في عقب إبراهيم : آل محمد صلى الله عليه وسلم . وقال ابن شهاب : العقب : " الولد ، وولد الولد " . وقال ابن زيد : " عقبه : ذريته " . وقوله : { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } ، معناه يرجعون إلى طاعة ربهم ويتوبون إليه . { قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَآءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ * إِلاَّ ٱلَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } ، أي : قال لهم ذلك لعلهم يتوبون عن عبادة غير الله . ففي الكلام تقديم وتأخير . ثم قال تعالى : { بَلْ مَتَّعْتُ هَـٰؤُلاَءِ وَآبَآءَهُمْ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ وَرَسُولٌ مُّبِينٌ } ، أي : بل متعت يا محمد هؤلاء المشركين من قومك وَمَتَّعْتُ آباءهم من قبلهم بالحياة ولم أعاجلهم ( بالعقوبة على كفرهم حتى جاءهم الحق ، يعني : القرآن ، ورسول مبين ، يعني : محمد صلى الله عليه وسلم ، لم أعاجلهم ) ، بالعذاب حتى أنزلت عليهم كتاباً وبعثت فيهم رسولاً يعرفونه ، يبين لهم الحجج والبراهين ويبلغ اليهم ما أرسل به . ثم قال تعالى : { وَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ قَالُواْ هَـٰذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ } ، أي : ولما جاء هؤلاء المشركين القرآن إعذاراً وإنذاراً ، ورسول منهم يبين ما أرسل به ويبلغه إليهم ، قالوا : هذا الذي جاءنا به سحر ، وليس بوحي من عند الله ، وقالوا إنا به جاحدون ، أي : ننكر أن يكون من عند الله . ثم قال تعالى : { وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } ، أي : وقال مشركو قريش هلا نزل هذا القرآن الذي جاءنا به محمد على رجل من القريتين ، ( أي : القريتين ، ثم ) حذف ، مثل : { وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ } [ يوسف : 82 ] ، يعنون الوليد بن المغيرة المخزومي من أهل مكة ، وحبيب بن عمرو الثقفي من أهل الطائف ، قاله ابن عباس . وقيل : التقدير : من إحدى القريتين ، ثم حذف . وقال مجاهد : هما : عتبة بن ربيعة من مكة ، وابن عبد ياليل من الطائف . وقال قتادة : هما : الوليد بن المغيرة من أهل مكة و ( عتبة بن مسعود من أهل الطائف . وقيل هو ) عروة بن مسعود من أهل الطائف ، والوليد بن المغيرة من أهل مكة ، قاله ابن زيد . وقال السدي : هما الوليد بن المغيرة من أهل مكة ، وكنانة ( ابن عبد بن عمرو بن ) عمير من أهل الطائف . وعن مجاهد أنهما : عتبة بن ربيعة من أهل مكة ، وأبو مسعود الثقفي من أهل الطائف ، واسم أبي مسعود ( عمير بن عمر ) بن مسعود . وقيل : هما الوليد بن المغيرة من أهل مكة ، وأبو سعيد عمر بن عمير الثقفي سيد ثقيف . ثم قال تعالى : { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ } ( أي : أهؤلاء القائلون هلا نزل القرآن على أحد رجلي القريتين يقسمون رحمة ربك ) يا محمد بين خلقه ، فيجعلون إكرامه لمن شاءوا ، وعند من أرادوا ، بل الله يقسم ذلك فيعطيه من أراد ، ويحرمه من شاء . قال ابن عباس : لما بعث الله جل ذكره محمداً صلى الله عليه وسلم أنكرت العرب ذلك ، وقالوا : الله أعظم من أن يكون رسوله / بشراً مثل محمد ، فأنزل الله جل ذكره : { أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ ٱلنَّاسَ } [ يونس : 2 ] وقال : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ فَٱسْأَلُواْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ } [ النحل : 43 ] ، يعني : أهل الكتب الماضية فيخبرونكم أن الرسل التي كانت تأتي ، بشر مثلكم ، فلا يجب لكم أن تنكروا إرسال مثل محمد إليكم ، إذ هو بشر مثلكم . وقال : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ مِّنْ أَهْلِ ٱلْقُرَىٰ } [ يوسف : 109 ] ، أي ليسوا من أهل السماء كما قلتم فال : فلما كرر ( عليهم تعالى ) الحُجَجَ ، قالوا : فإن كان بشراً فغير محمد أحق بالرسالة فلولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ، أي : كل واحد منهما أشرف من محمد في المال والذكر ، يعنون : الوليد بن المغيرة المخزومي - وكان يسمى ريحانة قريش - من أهل مكة ، ومسعود بن عمرو بن عبيد الثقفي من أهل الطائف ، فقال الله : { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ } ، أي : ربك يا محمد يفعل ما يشاء . قال تعالى : { نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } ، أي : نحن نقسم الرحمة بين من شئنا من خلقنا فنجعل من شئنا نبياً ، ومن شئنا مؤمناً ، ومن شئنا كافراً ، كما قسمنا بينهم معيشتهم التي يعيشون فيها في دنياهم ، فجعلنا بعضهم أرفع من بعض ، فوسعنا على بعض وضيقنا على بعض ، وجعلنا بعضهم ملوكاً وبعضهم مملوكين . { لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً } ، أي : جعلنا بعضهم حراً وبعضهم مملوكاً ، وبعضهم غنياً وبعضهم فقيراً ليستخدم بعضهم بعضاً بأجرة وقد كانوا بني آدم كلهم . وقيل : إنها مخصومة في المماليك ، روى ذلك عن ابن عباس ، أي : فضل بعضهم على بعض فجعل بعضهم مالكاً وبعضهم مملوكاً . ثم قال تعالى : { وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } ، يعني : الجنة خير مما يجمعون في دنياهم من الأموال .