Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 33-38)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَلَوْلاَ أَن يَكُونَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً } - إلى قوله - { فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ } ، أي : ولولا أن يكون الناس كلهم ( كفاراً ) لجعل الله لبيوت من يكفر سقفاً من فضة ، ولكن لم يفعل ذلك ليكون في الخلق مؤمنون وكافرون على ما تقدم في علم الله عز وجل وتقديره فيهم . وقيل : المعنى : لولا أن يميل الناس كلهم إلى طلب الدنيا ورفض الآخرة لجعل الله لبيت الكافر سقفا من فضة ، ومن وحد السقف فعلى إرادة الجمع . يدل الواحد على الجمع كما نقول : زيد كثير ( الدرهم والدينار ) وكثير الشاة والبعير . فيرد الواحد على الجنس كله . وقيل : المعنى عند من وحد : لجعلنا لبيت كل من كفر بالرحمن سقفاً . فوحد على المعنى . وقيل : المعنى : لولا ما قدرنا من اختلاف الأرزاق في الناس فيكون في المؤمنين غني وفقير ، وفي الكافرين مثل ذلك لجعلنا من يكفر بالرحمن أغنياء كلهم . ففي هذا الفعل تنبيه على تحقير الدنيا وتصغير ما فيها . ومن قرأ بالجمع فإنه حمل على اللفظ ، فجمع السقف لجمع البيوت ، وجمع السرر والأبواب ، وهو جمع سقيفة ، كقطيفة وقُطُف . وقيل : هو جمع الجمع ، كأنه جمع " سقْفاً " على " سُقُوف " . كفَلْس وفُلُوس . ثم جمع سقوفاً على سُقُف كحمار وحُمُر . وقال أبو عبيدة : ( سُقُف جمع كرُهُن ورَهْن ، ورُهُن عند أكثر النحويين إنما هو جمع رِهَان ، ورهان جمع رَهْن فرُهُن أيضاً ، جمعُ جمعٍ . وجعل الله السقوف للبيوت كما جعل الأبواب للبيوت . فهو يدل على أن السقف لاَ حَقَّ لِرَبِّ العلو فيه ، وهو قول مالك وأصحابه . وتحقيق المعنى في الآية أن الله جل ذكره أراد تهوين أمر الدنيا وأنها لا قيمة لها ، فقال : لولا أن يميل الناس كلهم إلى الدنيا ويتركوا الآخرة لأعطينا الكافر من الدنيا أفضل مراده ، وذلك لهوان الدنيا عليه ، إذ هي شيء زائل مضمحل . وقال الكسائي : معناها لولا إرادتنا أن يكون في الكفار غني وفقير ، وفي المسلمين مثل ذلك لأعطينا الكفار من الدنيا أن نجعل سقوف بيوتهم من فضة وذلك لهوان الدنيا عند الله ، وقال الفراء : لبيوتهم : على بيوتهم . قال الشعبي : سُقُفاً من فضة ، أي : جذوعاً . ومعارج ، أي : دُرُجاً من فضة . عليها يظهرون ، أي : يصعدون على السُّقُفِ والغُرَفِ . وقال ابن زيد وغيره : المعارج : درج من فضة . وقوله : { وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً } ، يعني : من فضة . { وَسُرُراً } ، أي : من فضة عليها يتكئون ، قاله ابن زيد وغيره . وقوله : { وَزُخْرُفاً } ، أي : ولجعلنا لهم مع ذلك زخرفاً ، يعني : الذهب ، قاله ابن عباس والحسن وقتادة والسدي والضحاك وقال ابن زيد : الزخرف : ما يتخذه الناس في منازلهم من الفرش والأمتعة والأثاث . وقال مجاهد : كنت لا أدري ما الزخرف حتى وجدته في قراءة عبد الله ذهباً . والزخرف في اللغة : الزينة ، يقال : زخرف داره ، أي : زينها . والتقدير في الآية عند من جعل الزخرف الذهب : لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة ومن زخرف . ثم حذف " من " فنصب الزخرف . قال الطبري : لو كانت القراءة في الزخرف بالخفض لكان حسناً على معنى : / من فضة ومن زخرف . وقيل التقدير : وجعلنا لهم زخرفاً - بغير حذف حرف خفض - وهو أقوى وأحسن . والمعارج : الدرج ، وجمعت على مفاعل وواحدها معراج ، وكان حقها معاريج بالياء ، كمناديل جمع منديل ، لكنها جمعت على الواحد معرج وهي لغة ، يقول : ( مَعْرَجٌ وَمِعْرَاجٌ ) كَمَفْتَح ومِفْتَاح . ولذلك تقول في جمع مفْتَح : ( مَفَاتِح ، وإن شئت ) ، مفاتيح على جمع مِفْتَاح . ثم قال تعالى : { وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } هذا تقليل وتصغير لأمر الدنيا ، إذ هي زائلة عن قليل ، ولا خير في شيء لا يدوم . والمعنى : وما كل ما تقدم ذكره من ( الفضة والذهب ) والسرر إلا مسافة متاع يستمتع به أهل الدنيا في دنياهم . { وَٱلآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ } ، أي : وزينة الآخرة ونعيمها خير عند ربك لمن اتقاه فَجَدَّ في طَاعَتِهِ وَتَجَنَّبَ مَعَاصيَه . والمعنى : وثواب الآخرة وجزاء الآخرة خير عند ربك للمتقين . واللام ( من و " لما " ) عند الكوفيين بمعنى إلا ، وهي لام التوكيد عند البصريين . و " ما " . زائدة ، وقيل : هي بمعنى : " شيء " . ثم قال تعالى : جل ذكره : { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ ٱلرَّحْمَـٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } ، أي : ومن يعرض عن الإيمان بما أنزل الله عز وجل من كتابه . هذا قول قتادة ، وهو قول الفراء ، وقال المبرد : " يَعشُ : يتعامى " . ومنه قول الشاعر : @ متى تأتِهِ تعْشو إلى ضوء ناره ( تَجِدْ خَيْرَ نَارٍ عِنْدَهَا خَيْرٌ مُوقِدِ ) @@ وقيل : معنى ( يَعْشُ : يَعْمَ ) ، روي ذلك عن ابن عباس . ولا يصح على هذا المعنى ( إلا بفتح ) الشين . يقال : عشى يعشى عشى ، إذ قرب من العمى . والأعشى : الذي قد ركب بصره ضُعْفٌ وظُلْمةٌ . ومنه يقال : جاء فلان إلى فلان يعشو ، إذا جاءه ليلا لما يركب بصره من الظلمة . وعلى ذلك أيضاً يتأول قول الشاعر . @ مَتَى تَأْتِهِ تَعْشُو إلى ضَوْءِ نارِهِ ( تَجِدْ خَيْرَ نَارٍ عِنْدَهَا خَيْرٌ مُوقِدِ ) @@ أي : متى تأتيه ليلاً . وحكى بعض أهل اللغة : عشى عن ذكر الله ، إذا لم ينتفع به ، كما أن الأعشى لا ينتفع بكل بصره في الضوء . ويقال : عشى يعشى ، إذا صار أعشى . وعشا يعشو إذا لحقه ما يلحق الأعشى ، وهو من ذوات الواو لقولهم : امرأة عشواء . فالياء هي عشى منقلبة من واو . ولذلك قال النحويون : العشا في البصر يكتب بالألف . فتحقيق معنى الآية : ومن لا ينظر في حجج الله عز وجل وأدلته ييسر الله له شيطاناً ، فهو له قرين . قال قتادة : إذا أعرض عن ذكر الله سبحانه يقيض له الله عز وجل قريناً من الشياطين . قال السدي : ومن يعش : من يُعْرِض . وقال ابن عباس وابن زيد : ومن يعش : يعم . ثم قال تعالى : { وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ } ، أي : وإن الشياطين ليصدون هؤلاء الذين يعرضون عن ذكر الله سبحانه فيحببون لهم الضلالة ، ويحسب هؤلاء الكفار الضالون أنهم على هدى في قبولهم ما تأمرهم به الشياطين . ثم قال : { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَنَا } ، يعني : الكافر وقرينه من الشياطين . ومن وَحَّدّ " جاء " أراد الكافر وحده ، وقد علم أن شيطانه ملازم له فاستغنى عن ذكره . ثم قال تعالى : { يٰلَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ ٱلْمَشْرِقَيْنِ } ، أي : حتى إذا جاء الكافر وقرينه من الشياطين : قال الكافر للشيطان حين أورده النار : يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين ، يعني مشرق الشتاء ومشرق الصيف . وقيل : عنى بذلك المشرق والمغرب ، وثنى بلفظ ( " مشرق " كما ) قيل : سيرة العمرين في أبي بكر وعمر . قال الله جل ثناؤه : { فَبِئْسَ ٱلْقَرِينُ } ، أي : فبيس الشيطان قريناً لمن قارنه لأنه يورده إلى النار .