Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 39-47)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { وَلَن يَنفَعَكُمُ ٱلْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ } - إلى قوله : - { فَلَمَّا جَآءَهُم بِآيَاتِنَآ إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ } ، أي : ولن ينفعكم اشتراككم في العذاب ، ( أي : لن يخفف ) عنكم ما أنتم فيه من العذاب لاشتراككم فيه ، بل كل واحد منكم يناله نصيبه من العذاب . فَحَرَمَ الله عز وجل أهل النار هذا المقدار من التأسي فلا راحة لهم في شيء ، حتى في التأسي لا راحة لهم فيه . ثم قال تعالى : { أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ أَوْ تَهْدِي ٱلْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } ، أي : أفأنت يا محمد تسمع من أصمه الله عن سماع الهدى على شريطه الانتفاع به ، أو تهدي من أعمى الله قلبه وبصره على أن يرى ما يهتدي به ، أو تهدي من هو في جور عن الحق بعيد عن الصواب ، ليس ذلك إليك يا محمد إنما هو إلى الله عز وجل الذي يوفق من يشاء فيهتدي بتوفيقه إياه ، ويخذل من يشاء فيضل بخذلانه إياه . ثم قال تعالى : { فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ } . قال الحسن : هي في أهل الإسلام ممن بقي بعد النبي صلى الله عليه وسلم قال : لقد كانت بعد نبي الله صلى الله عليه وسلم نقمة شديدة فأكرم الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن يريه في أمته ما كان من النقمة بعده . وقال قتادة : لم تقع النقمة ، بل قد أذهب الله نبيه ولم ير في أمته إلا الذي تقر به عينه . قال / وليس من نبي إلا وقد رأى في أمته ما لا يشتهي . قال قتادة : ذُكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أُرِيَ ما يصيب أمته بعده ، فما زال منقبضاً ما استبسط ضاحكاً حتى لقي الله جل ذكره . وقال السدي : هذه الآية عُني بها أهل الشرك من قومه صلى الله عليه وسلم ، وقد أراه النقمة فيهم وأظهره عليهم . فالمعنى : فإن نذهب بك يا محمد من بين أظهر هؤلاء المشركين ، فإنا منهم منتقمون كما فعلنا ذلك بالأمم المكذبة قبلهم ، أو نريك الذي وعدناهم من النقمة منهم وإظهارك عليهم ، فإنا عليهم مقتدرون . ومعنى : الذي وعدناهم : الذي وعدناك فيهم من النصر . وقيل : هو راجع إلى قوله : { وَٱلآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ } [ الزخرف : 35 ] . فيكون المعنى : أو نريك الذي وعدنا المتقين من النصر . ثم قال تعالى : { فَٱسْتَمْسِكْ بِٱلَّذِيۤ أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } يعني القرآن ، أي : الزمه واعمل بما فيه أنت ومن آمن بك . ثم قال : { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ } ، أي : وإن هذا القرآن لشرفٌ لك ولقومك ، يعني : قريشاً ، وسوف تسألون عن الشكر على ما فضلكم به من إنزال كتابه عليكم . وقيل : المعنى : وسوف تسألون عما عملتم فيه من قبولكم لأوامره ونواهيه . ثم قال تعالى : { وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ } ، يعني : اسأل يا محمد أهل الكتابين عن ذلك . فالتقدير : وأسال من أرسلنا إليهم قبلك رسلنا . و " من " زائدة . وفي قراءة ابن مسعود : وسئل الذين ارسلنا من قبلك من رسلنا ، هذا قول مجاهد والسدي ، وقال قتادة : معناه : سل يا محمد أهل التوراة والإنجيل هل جاءتهم الرسل إلا بالتوحيد . وقال الضحاك ، أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسأل مؤمني أهل الكتاب . وقال ابن زيد : أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسأل الأنبياء عن ذلك ليلة جُمُعوا له في الإسراء إلى بيت المقدس . فكان النبي صلى الله عليه وسلم أشد إيماناً ويقيناً أن الله عز وجل لم يأمر بعبادة غيره من أن يحتاج أن يسأل احداً . " فمن " على هذا القول غير زائدة . " ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل عليه ذلك قال له جبريل : سل يا محمد الأنبياء الذين أريتهم في الإسراء قال : " لاَ أَسْأَلُ قَدِ اكْتَفَيْتُ " " . فالمعنى : على هذا القول : ( إنه يا محمد ) سيسري بك ربك فأسأل الرسل هل أمر الله عز وجل أن يُعْبَدَ غيره . وقيل : تقدير الآية : واسأل يا محمد أمم من أرسلنا قبلك ( من رسلنا ) ، ثم حذف المضاف . فيكون المسؤول أهل الكتابين وغيرهم من جميع الأمم ، أي : سلهم هل وجدوا في كتبهم أن الله عز وجل أمر أن يعبد معه غيره . والتقدير في الآية عند ابن قتيبة : واسأل من أرسلنا إليه قبلك رسلا من رسلنا ، فحذف " إليه " لأن في الكلام ما يدل عليه فالخطاب عنده للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد : المشركون . وحذف رسلاً لأن { مِن رُّسُلِنَآ } يدل عليه كما قال : @ كَأَنَّكَ مِنْ جِمَالِ بَنِي أُقَيْشٍ . @@ أي : كأنك جَمَلٌ من جمال بني أقيش ، وحذف " إليه " عند أهل العربية بعيد في القياس . وقيل : المعنى : " سلنا عن الأنبياء الذين أرسلناهم قبلك " . ويتم الكلام على " رسلنا " و " عن " محذوفة ، ثم ابتدأ بالاستفهام على طريق الإنكار ، أي : ما جعلنا آلهة تعبد من دون الله . وأخبر الآلهة كما يخبر عمن يعقل ، فقال : " يعبدون " ولم يقل " تعبد " ولا " يعبدون " ، لأن الآلهة جرت عندهم مجرى من يعقل فعظموها كما يعظمون الملوك فأجرى الخبر عنها مجرى الخبر عن من يعقل . ثم قال تعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَـٰتِنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } ، أي : ولقد أرسلنا موسى بالحجج والآيات إلى أشراف قوم فرعون وآل فرعون كما أرسلناك يا محمد إلى قومك . فقال لهم موسى : إني رسول رب العالمين . فلما جاءهم موسى بآياتنا وأدلتنا إذا هم منها يضحكون ، أي : يهزءون ويسخرون كما فعل بك قومك يا محمد . وهذا كله تسلية وتصبير للنبي صلى الله عليه وسلم على ما ناله من قومه ، فأعلمه أن ما نزل به من قومه قد نزل بمن كان قبله من الأنبياء فندبه تعالى إلى الصبر فقال : { فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ } [ الأحقاف : 35 ] .