Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 55-61)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله تعالى : { فَلَمَّآ آسَفُونَا ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ } - إلى قوله - : { صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } أي : فلما أغضبونا حلت بهم العقوبة فأغرقوا في البحر / أجمعين . قال مجاهد وقتادة والسدي وابن زيد : آسفونا : أغضبونا . وعن ابن عباس : " آسفونا : أسخطونا " . وعنه : أغضبونا . ثم قال تعالى : { فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِّلآخِرِينَ } . السَّلَف ، جمع سَالِف ، كخَادِم وَخَدَم ، وتَابع وَتَبَع ، وَغَائِب وغيب . والعرب تقول : هؤلاء سلفنا . وقرأ الكسائي وحمزة : " سُلُفًا " بضمتين وهو جمع سليف حكاه الفراء . وقرأ حميد الأعرج : " سُلَفاً " بضم السين وفتح اللام ، وجمع سلفة ، والسلفة : الفرقة المتقدمة . والمعنى : فجعلنا هؤلاء الذين أغرقنا مقدمة يتقدمون إلى النار كما سنفعل بكفار قومك يا محمد . وقيل : المعنى : فجعلنا قوم فرعون سلفا لكفار قومك يا محمد يتقدمونهم إلى النار : قاله مجاهد . وقوله : { وَمَثَلاً لِّلآخِرِينَ } ، أي : عبرة وعظة لمن يأتي بعدهم . ثم قال تعالى : { وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ } ، أي : ولما شبه الله عز وجل عيسى في إحداثه إياه من غير فحل بآدم إذا قومك يا محمد منه يضحكون ويقولون : ما يريد محمد منا إلا أن نتخذه إلها كما اتخذت النصارى المسيح ، قاله مجاهد . " وقال ابن عباس لما قال الله عز وجل لقريش : { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ } ، قالت قريش للنبي صلى الله عليه وسلم فما ابن مريم ؟ فقال : ذلك عبد الله ورسوله : فقالوا : والله ما يريد هذا إلا أن نتخذه رباً كما اتخذت النصارى عيسى ابن مريم رباً . فقال الله : { مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ } " . وقيل : إن الآية نزلت في ابن الزبعرى ، وذلك أنه لما أنزل الله جل ذكره { إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } [ الأنبياء : 98 ] . قال فالنصارى تعبد المسيح . فقال الله : { مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً } أي : قد علموا أنه لا يراد بالآية عيسى ، وإنما يراد بها الأصنام . قال الكسائي والفراء : " يصدون " ( بالضم والكسر ) لغتان ، بمعنى يعرضون . وقال قطرب هما لغتان بمعنى يضحكون . وقال أبو عبيد : " يَصِدُّون " بالكسر : يضجون ، وبالضم يعرضون ، وهو قول يونس وعيسى الثقفي . والاختيار في القراءة عند أبي عبيد بالكسر على معنى يضجون لأنها لو كانت بالضم على معنى يعرضون لكان اللفظ : إذا قومك عنه يَصُدُّون . ثم قال تعالى : { وَقَالُوۤاْ ءَأَ ٰلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ } ، أي : وقال مشركو قومك يا محمد : أآلهتنا خير أم محمد ، فنعبد محمداً ونترك آلهتنا . وفي حرف أُبي : " ءالهتنا خير أم هذا " ، يعني : محمداً صلى الله عليه وسلم . وقال السدي معناه : أآلهتنا خير أم عيسى قال : وذلك أنهم خاصموه فقالوا : أتزعم أن كل من عبد من دون الله في النار ، فنحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عيسى ابن مريم وعزير والملائكة ، هؤلاء قد عُبدوا من دون الله . قال : فأنزل الله براءة عيسى وشِبْهِهِ في قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا ٱلْحُسْنَىٰ } [ الأنبياء : 101 ] الآية . وقوله : { مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً } ، أي : ما مثلوا لك هذا المثل يا محمد إلا للجدل والخصومة . أي : لم يقولوا هذا على طريق المناظرة ولا على ( وجه التثبت ) ، إنما قالوه طلباً للخصومة في الباطل . وهذا فرق بين الجدال والمناظرة ، لأن المتناظرين كل واحد منهما يطلب الصواب . والمتجادلين إنما يطلبان تثبيت ما لم يتيقنا صحته ، أو ما قد علما باطله . فالمجادل يحاول إثبات الباطل عند نفسه ، والمناظر يحاول إظهار الصواب عند نفسه . وعن النبي صلى الله عليه وسلم ( أنه قال ) : " مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدىً كَانُوا عَلَيْهِ إِلاَّ أُوتُوا الجَدَلَ " . قال سفيان : " بل هم قوم خصمون " ، حُدِّثْتُ أنها نزلت في ابن الزبعرى . ثم قال تعالى : { إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ } ، أي : ما عيسى إلا عبد أنعم الله عليه بالتوفيق والإيمان ، وجعله الله آية لبني إسرائيل ، وحجة عليهم ، وهو قوله ، { وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } . وقيل معنى مثلاً ، أي بشراً مثلهم ، فضل عليهم . ثم قال : { وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلاَئِكَةً فِي ٱلأَرْضِ يَخْلُفُونَ } ، أي : ولو نشاء يا معشر بنى آدم أهلكناكم وجعلنا منكم بدلاً في الأرض من الملائكة يعبدون الله ، وهو نحو قوله : { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا ٱلنَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ } [ النساء : 133 ] ، و { إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُمْ مَّا يَشَآءُ } [ الأنعام : 133 ] . وقال ابن عباس : " يخلفون ، أي : يخلف بعضهم بعضاً " ، وقاله قتادة . وقال غيرهما : " يخلفون " معناه : يكونون خلفاً من بنى آدم . ثم قال تعالى : { وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ } ، أي : وإن ظهور عيسى علم يعلم به قرب قيام الساعة أي : هو من أشراطها ، ونزوله إلى الأرض دليل على فناء الدنيا وإقبال الآخرة هذا معنى قول ابن عباس والحسن ومجاهد ، وهو قول قتادة والضحاك وابن زيد . فالهاء في : " وإنه " تعود على عيسى على قولهم . وقد قرأ مجاهد : " وإنه لَعَلَمٌ " بفتحتين على معنى : وإن نزول عيسى لعلامة لقرب الساعة . ورُوي عن الحسن أنه قال معناه : وإن هذا القرآن لعلم للساعة ، وحكي مثله عن قتادة . روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لَيَنْزِلَنَّ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَماً عَدْلاً فَلَيَكْسِرَنَّ الصَّلِيبَ وَلَيَقْتُلَنَّ الخِنْزِيرَ " . وروى مالك عن ابن شهاب عن حنظلة بن علي الأسلمي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لَيهلَّنَّ ابْنُ مَرْيَمَ بِفَجِّ ( الرَّوْحَاءِ حَاجّاً وَمُعْتَمِراً ) أَوْ لَيُثَنِّيهِمَا جَميعاً " . وروى مالك عن زيد بن أسلم عن أبي هريرة قال : " لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ حَكَماً عَدْلاً وَإِمَاماً مُقْسِطاً ، فَيَكْسرُ الصَّليبَ ، وَيَقْتُلُ الخِنزيرَ ، وَيضعُ الجِزْيةَ ، وَتَضَعُ الحَرْبُ أَوْزَارَهَا ، وتَكُونُ السَّجْدَةُ وَاحِدَةً لله ربِّ العَالَمينَ " . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " يَقْتُلُ ابْنُ مَرْيَمَ الدَّجَالَ ( بِبابِ لُدٍّ ) " . قال ابن القاسم عن مالك : بينما الناس ( بباب لد ) إذ يسمعون الإقامة ، فتغاشهم غمامة ، فإذا عيسى ابن مريم قد نزل . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يَنْزِلُ عِيسَى عِنْدَ المَنَارَةِ البَيْضَاءِ شَرْقيّ دِمَشْقَ " . وروي ( عن ابن عمر ) أنه قال : " يخرج الدجال ، ويبعث الله عيسى ابن مريم كأنه عروة بن مسعود الثقفي ، فيطلبه ويهلكه . وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لاَ تَهْلَكُ أُمَّةً أَنَا أَوَّلُها والمَسِيحُ آخِرُهَا " . وروى ابن وهب عن مالك أنه قال : " يموت عيسى ( في المدينة ) فيدفن مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر وعمر ، وقد ترك موضع قبره بينهم . قال عبد الله بن سلام : نجد في التوراة أن عيسى يدفن مع محمد صلى الله عليه وسلم . وكان بعض الصحابة يتوقع قرب نزوله . وروي عن أبي هريرة أنه كان يلقى الغلام الشاب فيقول له : إن لقيت عيسى بن مريم فأَقْرِه عني السلام ، وقاله أبو ذر لبعض جلسائه . وقيل : المعنى : وإن محمداً صلى الله عليه وسلم لعلم للساعة لأنه خاتم النبيين . فيكون معناه : يُعْلِمُ بَعْثُهُ قُرْبَ قيام الساعة . وهي في قراءة أبي : " وإِنَّهُ لَذِكْرٌ للسَّاعَةِ " . ثم قال تعالى : { فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا } ، أي : لا تشكن في قيام الساعة أيها الناس . ثم قال : { وَٱتَّبِعُونِ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } ، أي : وأطيعون أيها الناس ، هذا الذي جئتكم به طريق لا عوج فيه .