Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 114-115)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ ٱللَّهُمَّ رَبَّنَآ أَنزِلْ عَلَيْنَا } الآية . قوله : { تَكُونُ لَنَا } : حال بمعنى : كائنة . وقرأ الأعمش ( تكُن ) جعله للطلب . وقرأ الجحدري : ( لأولانا وأُخرانا ) . فالمعنى : نتخذ اليوم الذي تنزل فيه عيداً لما ولمن بعدنا . وقيل : معناه : نأكل منها جميعاً ، قاله ابن عباس . ( و ) روي أن عيسى عليه السلام قام فلبس الشعر ، وكان يلبس الصوف بالنهار والشعر بالليل ، فلبس جبة من شعر ورداء من شعر ، ووضع يمينه على شماله ثم وضعهما على صدره ، ثم صف ( بين ) قدميه ، فألصق الكعب بالكعب ، وساوى الإبهام بالإبهام ، وطأطأ رأسه خاشعاً ، ثم أرسل عينيه بالبكاء ، فبكى حتى سالت الدموع على لحيته ، فجعلت تقطر على صدره ، فقال : { ٱللَّهُمَّ رَبَّنَآ أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } ، فنزلت سفرة حمراء بين غمامتين غمامة فوقها ، وأخرى تحتها ، وهم ينظرون إليها تهوي مُنْقَضّة وعيسى صلوات الله عليه يبكي ويقول : اللهم اجعلني لك من الشاكرين ، إلهي اجعلها رحمة ولا تَجعلها عذاباً ، إلهي كم أسألك من العجائب فتعطيني ، إلهي أعوذ بك من أن تكون أنزلتها غضباً وزجراً ، اللهم اجعلها عافية وسلامة ولا تجعلها مثلة ولا فتنة حتى استقرت بين يدي عيسى والناس حوله يجدون ريحاً طيباً ، لم يجدوا مثلها قط ، وخرّ عيسى ساجداً والحواريون معه ، وبلغ اليهود ذلك ، فأقبلوا غماً وكيداً ينظرون أمراً عجيباً ، وإذا منديلٌ قد غطى السفرة ، وجاء عيسى عليه السلام ، فجلس وقال : من كان أَجرأَنا وأَوثَقَنا بنفسه ، وأحسَنَنا يقيناً عند ربنا ، فليكشف عن هذه الآية حتى ننظر ونأكل ونسمي اسم ربنا ونحمد إلهنا . فقال { ٱلْحَوَارِيُّونَ } : أنت أولى بذلك يا روح الله وكلمته / . فئوضاء عيسى وضؤاً جيداً ، وصلى صلاة طويلة ، ودعا دعاءً كثيراً ، وبكى بكاءً طويلاً ، ثم قام حتى جلس عند السفرة ثم قال : بسم الله خير الرازقين ، وكشف المنديل ، فإذا سمكة طرية مشوية ، ليس عليها قشورها ، وليس لها شوك ، وتسيل سيلاً من الدسم ، قدم نُضِّد حولها البقول ما خلا الكراث ، وإذا خلٌّ عند رأسها ، وملح عند ذنبها ، وسبعة أرغفة ، على كل واحد منها زيت ، وعلى سائرها حَبَّ رمان وتمر ، فقال شمعون رأس الحواريين - : يا روح الله وكلمته ، أمن طعام الدنيا هذا ، ( أم من ) طعام الآخرة ؟ ، فقال عيسى صلى الله عليه : أو ما نُهيتم عن تفتيش المائدة ؟ ، ما أخوفني عليكم أن تعاقبوا . فقال ( شمعون ) : لا وإله إسرائيل ، ما أردت سوءاً ( يابن ) الصديقة . قال عيسى : نزلت وما عليها من السماء شيء ، وليس شيء مما ترون عليها من طعام الدنيا ولا من طعام الآخرة ، هي وما عليها : شيء ابتدعه الله بالقدرة الغالبة ، قال ( له الله ) : " كن " ، فكان ، فكلوا مما سألتم واحمدوا عليه ربكم يمددكم ويزدكم . قالوا : يا روح الله وكلمته ، لو أَرَيْتَنا اليوم آية من هذه الآية . فقال عيسى : احْيَِيْ بإذن الله ، فاضطربت السمكة حية ( طرية ) ، تدور عيناها في رأسها ، ولها وبيص تتلمط بفيها كما يتلمط الأسد ، وعاد عليها قشورها ، ففزع القوم ، فقال عيسى : ما لكم تسألون عن أشياء إذا أعطيتموها كرهتموها ، ما أخوفني عليكم ( أن تُعذَّبوا ) ، يا سمكةُ عودي كما كنت بإذن الله ، فعادت السمكة مشوية كما كانت ، ليس عليها قشور بإذن الله . فقالوا : كن أنت - يا روح الله - الذي يأكل منها أول مرة ، ثم نأكل نحن . فقال عيسى : معاذ الله ، بل يأكل منها من طلبها وسألها ، ففَرِق الحواريون من أن يكون نزولها سخطاً ومثلة ، فلم يأكلوا منها ، فدعا عيسى أهل الفاقة والزَّمانة من العميان والمجذومين والبُرْص والمُقْعدين والمجانين وأصحاب الماء الأصفر ، فقال لهم : كلوا من رزق ربكم ، وادعوه يزدكم ، إنه ربكم واحمدوه يكن المُهْنَأ لكم ، والبلاء لغيركم ، واذكروا اسم الله وكلوا . ففعلوا وصدروا عن تلك السمكة والأرغفة وهم ألف وثلاث مائة بين رجل وأمرأة ، ( و ) من بين فقير وجائع وزَمِن ، فصدروا كلهم شباعاً يَتَجَشَّؤون ، فنظر عيسى صلى الله عليه فإذا المائدة كهيئتها إذ نزلت من السماء ، فرفعت السفرة وهم ينظرون ، فاستغنى كل فقير أكل منها ، فلم يزل غنياً حتى مات ، وبرأ كل زَمِن أكل منها ، وقدم الحواريون وسائر الناس ممن أبى أن يأكل منها . ثم كانت تنزل بعد ذلك ، فيأتي الناس إليها من كل مكان ، فزاحم بعضهم بعضاً : الأغنياء والفقراء والرجال والنساء والأصحاء والمرضى ، فلما رأى ( ذلك عيسى ) جعلها نُوَباً بينهم ، فكانت تنزل غباً ، تنزل يوماً ولا تنزل يوماً ، كناقة صالح في الشرب ، فأقاموا بذلك أربعين صباحاً تنزل عليهم ضحاً ، فلا تزال موضوعة حتى إذا ( فاء الفيء ) طارت صاعدة ينظرون / إلى ظلها حتى تتوارى عنهم ، وأوحى الله عز وجل إلى عيسى ( أن ) اجْعل مائدتي ورزقي في اليتامى والزَّمنى دون الأغنياء من الناس . فلما فعل ذلك ، أعظمت ( ذلك ) الأغنياء ، فادعت القبيح حتى شككوا الناس وشكوا ، فوقعت الفتنة في قلوب الشاكين ، حتى قال قائلهم : يا مسيح ، وإن المائدة لحق ؟ ، ( و ) إنها لتنزل من عند الله ؟ ، فقال عيسى : ويلكم هلكتم ، ( فأبشروا ) ( بالعذاب ) إلا أن يرحم الله . فأوحى الله إلى عيسى : إني آخذ شرطي من الكذابين ، وقد اشترطت عليهم أن أعذب من كفر منهم بعد نزولها ( عذاباً ) لا أعذبه أحداً من العالمين . فقال عيسى : ( رب ) { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } [ المائدة : 118 ] ، فمسخ الله جل ذكره ثلاثة وثلاثين رجلاً منهم خنازير من ليلتهم ، فأصبحوا يأكلون العذرة والخشوش ، وأصبح الناس يطوفون بعيسى ( فزعاً ورهباً من عقوبة الله ، وعيسى ) يبكي ، وأهلوهم يبكون معه ، وجاءت الخنازير تسعى على عيسى حين أبصرته ، فأطافوا به ينظرون إليه ، ويشمّون ريحه ، ويسجدون له ، وأعينهم تسيل دموعاً لا يستطيعون الكلام ، فقام عيسى يناديهم بأسمائهم : " يا فلان " ، فيومئ إليه برأسه : " نعم " ، فيقول " قد كنت أحذركم عذاب الله ، وكأني كنت انظر : إليكم قد مُثّل بكم في غير صوركم . قال وهب بن منبه : كانت مائدة يجلس عليها أربعة آلاف ، فقال رؤساء القوم لقوم من ضعفائهم : إن هؤلاء يُلطّخون علينا ثيابنا ، فلو بنينا ( لها بناء ) يرفعها . فبنوا لها دكاناً ، فجعلت الضعفاء لا تصل إلى شيء ، فلما خالفوا أمر الله رفعها عنهم . قال ابن عباس : أكل منها آخرهم كما أكل أولهم ، فكانت لجميعهم عيداً . وقوله : { وَآيَةً مِّنْكَْ } : ( أي آية ) على قدرتك ، وعلى أني رسولك . ونزلت عليهم وعليها حوت وطعام ، فأكلوا ( منها ) ، ثم رفعت لأحداث أحدثوها . ( وقيل ) : كان في المائدة سمكة فيها من طعم كل طعام . قال ابن عباس : نزلت المائدة مرتين وعنه : نزلت مراراً . وقال سلمان كذلك . وقيل : وكانت تنزل يوماً وتغيب يوماً . قال الحسن : لما قال الله { إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ } قالوا : لا حاجة لنا إليها فلم تنزل . قال الفراء : نزلت - فيما ذكر - يوم الأحد مرتين : غدوة وعشية ، فلذلك اتخذوه عيداً . وعن ابن عباس أنه قال : كانوا يأكلون منها أينما نزلوا إذا شاءوا . وقال وهب بن منبه : نزلت عليهم قرصة من شعير وأحوات . وقال مجاهد : هو طعام ينزل عليهم حيث ما نزلوا . وقال إسحاق بن عبد الله : نزلت على عيسى سبعة أرغفة وسبعة أحوات ، يأكلون منها متى شاءوا . قال فسرق بعضهم منها وقال : لعلها لا تنزل غداً ( فرفعت ) . وروي عن ابن عباس أنه قال : أُنزل على المائدة كل شيء غير اللحم . قال قتادة : لما صنعوا في المائدة ما صنعوا من الخيانة ، حُوِّلوا خنازير ، وكانوا أمروا ألا يخونوا ولا ( يخبئوا ولا يدخروا ) ، فخانوا وخبؤوا وادخروا . ( و ) روى عمار / عن النبي عليه السلام أنه قال : " نزلت المائدة خبزاً ولحماً ، وأمروا ألا يخونوا ولا يدخروا ولا يرفعوا لغد ، فخانوا وادخروا و ( رفعوا لغد ) ، فمسخوا قردة وخنازير " . قال عمار بن ياسر : لم يتم يومهم حتى خانوا وادخروا ورفعوا . وروي عن عمار بن ياسر أنه قال : كان عليها ثمر من ثمار الجنة . قال مجاهد : إنما هو مثل ضربه الله لينتهوا عن مسألة النبي ، ولم ينزل الله عليهم شيئا . وقيل : لما قيل لهم : { فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ } الآية ، استعفوا ، فلم ينزل عليهم شيء ، قال ذلك الحسن . وقال مجاهد : أبوا ذلك حين عرض عليهم العذاب . والذي عليه أكثر العلماء أن الله أنزلها عليهم ، لقوله { إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ } ، ولا يجوز أن يخبر أنه ينزلها ، ثم لا ينزلها . ومعنى { مِّنَ ٱلْعَالَمِينَ } : من عالمي زمانكم . وكان نزول المائدة يوم الأحد ، فلذلك اتخذوه عيداً . والعذاب الذي أُوعِدوا به ، قيل : هو متأخر إلى الآخرة . وقيل إنَّهم عُجِّل لهم ذلك في الدنيا بأنهم مسخوا قردة وخنازير . وروي أن المائدة لما نزلت عليهم فرقوا أن تكون عقوبة وسخطاً ، فقالوا : يا روح الله ، كن أنت أول من يأكل منها ، ثم نأكل نحن . فقال عيسى : معاذ الله ، ولكن يأكل منها الذين طلبوها . فلم يأكلوا منها خوفاً أن تكون سخطاً عليهم ، فدعا لها عيسى أهل الفاقة والحاجة والزمنى والعمي والبرص ، وكل مَن به داء ، فقال لهم : كلوا من رزق ربكم ودعوة نبيكم ، واذكروا اسم الله . فأكلوا حتى شبعوا وهم ألف وثلاث مائة ، قاله سليمان . وقال مقاتل : كانوا خمسين ألفاً ، وأفاقوا من كل دائهم .