Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 38-38)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ } الآية . قال سيبويه : أبت العامة إلا الرفع ، يريد بالعامة الجماعة من الرواة والقراء ، والاختيار عنده النصب ، لأن الأمر بالفعل أولى ، فهو عنده مثل " زيداً فاضربه " ، وخولف في ذلك فقال الكوفيون : الرفع أولى ، لأنك لا تقصد إلى سارق بعينه ، وإنما المعنى : كل من سرق فاقطعوا يده ، ولذلك أجمعوا على أن [ قرأوا ] : { وَٱللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا } [ النساء : 16 ] بالرفع ، وهو مذهب المبرد . وقال : { أَيْدِيَهُمَا } بالجمع ليفرق بين ما في الإنسان منه واحد وما فيه اثنان ، هذا قول الخليل . وقال الكوفيون : أكثر ما في الإنسان - من الجوارح - اثنان " اثنان " مثل اليدين والرجلين والقدمين والأذنين ، فلما جرى أكثره على هذا ، ذُهِب بالواحد منهم - إذا أضيف إلى آخر - مذهب الجمع . وقيل : فعل ذلك ، لأن التثنية جمع . وقيل : لأنه لا يُشْكل . وأجاز سيبويه جمع غير هذا مما ( ليس ) في الإنسان في حال التثنية وحكى ( " وَضَعا رِحالَهما ) : يريد رَحْلَيْ راحِلَتَيْن . وقرأ ابن مسعود " والسّارق والسّارقَةَ " بالنصب ، وبه قرأ عيسى بن عمر . { جَزَآءً } مفعول من أجله ، ويكون مصدراً ، ومثله { نَكَالاً } . وقرأ ابن مسعود ( فاقطعوا أيمانهما ) . والألف واللام في { ٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ } دخلتا لتعريف النوع كـ { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي } [ النور : 2 ] ، و [ ليستا ] لتعريف الجنس ، إنما يكونان لتعريف الجنس فيما لزمته الألف واللام ( من أجل جنسه : كالرجل والدينار والدرهم ، وما لزمه الألف واللام ) لأجل فِعله ، فهو تعريف النوع كالسارق والزاني وشبهه ، وهذا يزول عنه هذا الاسم بزوال فعله ، والأول لا يزول عنه أبداً . ومعنى الآية : من سرق من رجل أو امرأة فاقطعوا أيديهما . وعنى بذلك سارق ثلاثة [ دراهم ] ، أو ربع دينار أو ( ما قيمته ) ربع دينار ، أو ثلاثة [ دراهم ] فصاعداً ، هكذا بيَّنَته السنة . ولا يقطع السارق حتى يسرق من حرز وما أشبه الحرز ، وهو قول أهل المدينة : مالك وأصحابه . وقد قطع النبي صلى الله عليه وسلم في مجن / قيمته ثلاثة دراهم ، وهو قول عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وعائشة رضي الله عنهم . وروي أن علياً قطع في ربع دينار : درهمان ونصف . وروي عن ابن مسعود أن القطع في دينار أو عشرة دراهم فصاعداً ، لا فيما دون ذلك . وقال عطاء : لا تقطع يد السارق فيما دون عشرة دراهم . وقال النخعي : تقطع يد السارق في دينار أو في قيمته . وروي عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري أن اليد تقطع في أربعة [ دراهم ] فصاعداً ، لا فيما دون ذلك . وقد أوجب قوم القطع على كل من سرق وإن قَلَّ ذلك ، على ظاهر الكتاب . ولا قطع على السارق حتى يُخرج المتاع من حرزه أو ما يشبه الحرز ، وهو قول الشعبي والزهري وعطاء ، وروي ذلك عن عثمان وابن عمر ، وهو قول مالك والشافعي وغيرهما . ولو نقب بيننا فأدخل يَدَه وأخذ متاعاً فرمى به إلى الخارج ثم خرج فأخذه ، فعليه - في ذلك - القطع عند مالك وغيره ، لأنه قد أخذه من حرزه - وهو الحائط - ، ولو ناوَلَهُ آخرَ خارجاً من البيت ، كان القطع على الداخل ولم يُقطع الخارج . ولو دخل جماعة بيتاً وأخذوا متاعاً وحملوه على أحدهم وخرجوا به ، فقال ابن القاسم عن مالك : لا يقطع إلا مَن حمله ، وقال ابن أبي أويس ( عنه ) : يقطعون جميعاً . ولا قطع على من سرق باب دار أو باب مسجد ، لأنه ظاهر لا حرز عليه . وإذا سرق من بيت الحمام - ومع المتاع من يُحرزه - قطع عند مالك ، فإن لم يكن مع المتاع من يحرزه لم يقطع . وإذا سرق رجلان شيئاً - لو سرقه أحدهما وجب عليه القطع - قُطِعَا جميعاً عند مالك ، كالرجلين يَقتُلان رجلاً ، فإنهما يُقتَلان به . وقال الشافعي : لا قطع على أحدهما حتى يكون في حظ كل واحد منهما ما فيه القطع . وإذا سرق من رجلين أربعة [ دراهم ] فصاعداً ، قطع عند مالك . وإذا سرق سارق ما يجب فيه القطع ثم سرقه منه آخر ، فعليهما القطع عند مالك وغيره ، ولو كانوا سبعين قطعوا . وقيل : لا قطع على الثاني . ولو كان لرجل على رجل مائة دينار دَيْناً فسرق الذي له الدّيْنُ من مال الذي عليه الدّيْن مائة درهم ، فإنه يقطع عند مالك . فإذا سرق السارق ثم رد ما سرق ورفع إلى الإمام بعد ذلك ، قطع في قول مالك وإن عفا عنه صاحب المتاع . وقيل : إنّه لا يقطع إذا عفا عنه صاحب المتاع . ويقطع عند مالك [ في الفواكه ] إذا كان فيها قيمة ما تقطع عليه اليد . وقيل : لا قطع في ذلك . وروي عن النبي عليه السلام أنه قال : " لا قَطْعَ في ثَمَرٍ وَلا كَثَرٍ " " والكَثَرُ : الجُمَّار " . ومن سرق مصحفاً قطع عند مالك والشافعي . ولا قطع على مختلس أو خائن عند جماعة العلماء . وأوجب مالك وغيره القطع على الطرّار الذي يَطُرُّ النفقة من الكم . وقيل : إن كانت الصُرَّةُ داخل الكم قطع ، وإن كانت خارجاً لم يقطع . وعلى الولد إن سرق من مال والده القطع ، وهو قول مالك . وقيل : لا قطع عليه . وكلهم لم يوجبوا على الوالدين قطعاً إذا سرقا [ من ] مال ولدهما . فأما [ ذوو ] المحارم فقال الشافعي : يقطعون . / وقال غيره : لا يقطعون . وكذلك اختلف في الزوجين ، فقال مالك : يقطع كل واحد منهما إذا سرق مال الآخر . وقال غيره : لا قطع على واحد منهما . وإذا سرق السارق قطعت يده اليمنى ، ثم إن سرق قطعت رجله اليسرى ، ( ثم إن سرق قطعت يده اليسرى ) ، ثم إن سرق قطعت رجله اليمنى ، ثم إن سرق عُزر وحُبس ، هذا قول مالك والشافعي وغيرهما . وقيل : تقطع [ أولاً ] اليمنى ثم يده اليسرى ، ثم إن سرق حبس . وقيل : تقطع يده اليمنى ثم رجله ثم لا قطع عليه ، قاله الزهري وغيره . وإذا كانت يمنى السارق شلاء قطعت يسراه عند مالك . وقيل : تقطع الشلاء . وذكر ابن القاسم أن مالكاً لم يجبه فيها بشيء ، قال : ثم بلغني أنه قال : تقطع اليسرى . وقال غير ابن القاسم عن مالك : تقطع رجله ، لأن يَدَهُ الشّلاء كالمقطوعة . وإذا أمر الحاكم بقطع يمينه ( فقطعت يساره ) أجزأ . وقال مالك : إذا كان السارق مريضاً يُخاف عليه لم يُقطع حتى يبرأ . و ( العبد والحر ) في ( جميع ) ذلك سواء عند مالك . ولا يُحَدّ إلا بالغ ، والإنبات في حد البلوغ عند جماعة من العلماء ، وحد البلوغ - عند مالك - الاحتلام أو يبلغ من السن ما لا يجاوزه غلام ( إلا احتلم ) . وأجاز جماعة من العلماء أن يُشفع في الحدود ما لم يبلغ السلطان ، روي ذلك ابن عباس والزبير بن العوام ، وهو مذهب الأوزاعي وابن حنبل . وروي عن ابن عمر وغيره كراهة ذلك ، وقال ابن عمر : من حالت شفاعته دون حد من حدود الله ، فقد صاد الله في حكمه . وقال مالك : من لم يُعرف منه أذى للمسلمين ( و ) إنما كانت منه ( تلك ) زلة ، فلا بأس أن يشفع له ما لم يبلغ الإمام أو الشُّرَط أو الحرس . ومعنى { نَكَالاً مِّنَ ٱللَّهِ } أي : مكافأة بفعلهما ، { وَٱللَّهُ عَزِيزٌ } أي : عزيز في انتقامه من السارق وغيره ( و ) من أهل معصيته ، { حَكِيمٌ } في فرائضه وحدوده .