Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 44-44)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { إِنَّآ أَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ } الآية . المعنى : أن الله أنزل التوراة فيها هدى لما سألوا عنه من حكم الزانيين المحصنين ، وفيها ( نور : أي ) جلاء مما أظلم عليهم من الحكم . وقيل : المعنى { فِيهَا هُدًى } أي : بيان أمر النبي ، { وَنُورٌ } أي : بيان ما سألوا عنه . ومعنى قوله { ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسْلَمُواْ } أي : الذين سلموا لما في التوراة من أحكام الله ، فلم يتعقبوا بالسؤال عنه ، وليس الإسلام - هنا - ضد الكفر ، لأن النبي لا يكون إلا مسلماً مؤمناً ، وإنما الإسلام هنا : الانقياد والتسليم ، ومثله قول إبراهيم : { وَٱجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ } [ البقرة : 128 ] أراد مسلمين لأمرك ، منقادين لحكمك بالنية والعمل ، وكذلك قوله { أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ البقرة : 131 ] أي : سلمت لأمره . ومعنى { لِلَّذِينَ هَادُواْ } أي : يحكم بالتوراة النبيون والربانيون والأحبار { لِلَّذِينَ هَادُواْ } ، أي : عليهم ، فاللام بمعنى " على " ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة : " اشترطي لهم الولاء أي : عليهم ، ولم يأمرها بأن تشترط الولاء لهم ، وهو لا يجوز ، ( فلا يأمرها بفعل ما لا يجوز ) ، وإنما أمرها بفعل ما يجوز ، وهو أن يكون الولاء لها ، فلما اشترطوا الولاء لأنفسهم قال صلى الله عليه وسلم : ما بال قوم يشترطون شروطاً ليست في كتاب الله " . وقيل : المعنى : للذين هادوا ( و ) عليهم ، أي : يحكمون لهم ( و ) عليهم ، ثم حذف لدلالة الكلام عليه . وقيل : المعنى : فيها هدى ونور للذين هادوا ، يحكم بها النبيون الذين أسلموا والربانيون والأحبار . ( و ) عني بالنبيين - هنا - محمد صلى الله عليه وسلم ومن قبله ، قاله السدي وقتادة و [ غيرهما ] . وروي ( أن ) النبي صلى الله عليه وسلم قال - لما نزلت هذه الآية - : " نحن - اليوم - نحكم على اليهود وعلى من سواهم من أهل الأديان " . والأحبار : [ العلماء ] [ الحكماء ] ، واحدهم حَبْرٌ ، وقيل : حِبْرٌ . وسموا أحباراً ، لأنهم يحبرون الشيء ، فهو في صدورهم مُحَبّرٌ . وسمي الحبر - الذي يكتب به - حبراً ، لأنه يحبر به ، أي : يكتب به . وقال الفراء : التقدير فيه : مداد حِبْرٍ ، ( لأن العالم يقال له " حِبْر " فإذا [ قلت : " هذا ] حِبْرٌ " للمداد ، فالمعنى : مداد حِبْرٍ ) ، أي : مداد عالم ، ثم تحذف مثل { وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ } [ يوسف : 82 ] . وقال الأصمعي : ( إنما سمي ) الحبر - الذي هو المداد - حِبْراً لتأثيره ، يقال : " على [ أسنانه ] حبرَةٌ " أي : صُفْرَةٌ أو سَوَادٌ . { وَٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ } : القراء والفقهاء . وقيل : الفقهاء والعلماء . و " قال ابن زيد : الربانيون " : الولاة ، والأحبار : العلماء " . والرَّبَّاني - عند أهل اللغة - : رب العلم ، أي : صاحبه ، والألف والنون للمبالغة . وقيل : معنى { لِلَّذِينَ هَادُواْ } : للذين تابوا من الكفر ، أي : يحكم هؤلاء بما في التوراة للذين " تابوا " من الكفر . وقوله : { بِمَا ٱسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ ٱللَّهِ } أي : يحكمون بما استودعوا من كتاب الله ، والباء متعلقة بالأحبار ، والمعنى : يحكم بها النبيون والربانيون والأحبار ، أي : والعلماء / بما استودعوا من كتاب الله ، { وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَآءَ } أي : وكان النبيون والربانيون والأحبار شهداء أنهم قضوا عليهم بكتاب الله ، وقال ابن عباس : الشهداء - هنا - الربانيون والأحبار شهداء أن الذي قضى [ به ] محمد صلى الله عليه وسلم حق في أمر الزانيين المحصنين وقد أخبرنا الله أنهم استحفظوا كتابهم ، وأعلمنا أنهم بدلوا وغيّروا ، وأعلمنا تعالى أنه يحفظ علينا ما أنزله من القرآن فقال { وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [ الحجر : 9 ] فغير جائز أن يبدل أحد أو يغير ما حفظه الله علينا ، فنحن أمة محمد عليه السلام برآء من التبديل والتغيير لشيء من كتاب الله ، إذ الله تولى حفظه علينا ، ولم يسلم أهل التوراة من ذلك ، إذ الله استحفظهم عليه فخانوا ، ولم يحفظه هو . وقوله { فَلاَ تَخْشَوُاْ ٱلنَّاسَ وَٱخْشَوْنِ } هذا خطاب للربانيين والأحبار ، أمرهم ألا يخشوا الناس في تنفيذ حكمه وإمضائه على ما في كتابه ، وأن يخشوه في ذلك ، قاله السدي وغيره . وقوله { وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً } أي : لا تأخذوا [ الرّشى ] في الأحكام ، فإنه عِوَضٌ خسيس وثمن قليل . { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُْ } أي : من كتم حكم الله الذي أنزله في كتابه في الزانيين المحصنين وغيرهما من دية القتيل ، { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْكَافِرُونَ } أي : الساترون الحق . وهذه في كفار أهل الكتاب . وقيل : هي في المشركين . وقيل : المعنى ومن لم يحكم بما أنزل الله مستحلاً له ، فأولئك هم الكافرون . وقال بعد ذلك : { هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } . وقال بعد ذلك : { هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } . فقيل : إن الأوصاف الثلاثة لمن غير حكم الله [ ومن جميع الخلق . وقيل : هي لليهود المغيرين حكم الله ] . وقيل : الوصف الأول لليهود ، والثاني والثالث للمسلمين . وقيل : نزل { ٱلْكَافِرُونَ } في المسلمين إذا غيّروا حكم الله ، و { ٱلظَّالِمُونَ } في اليهود ، و { ٱلْفَاسِقُونَ } في النصارى . وهو ظاهِرُ النص .