Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 57, Ayat: 13-18)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { يَوْمَ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ } إلى قوله : { وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ } الآيات . أي ذلك هو الفوز العظيم في يوم يقول هؤلاء المنافقون . { لِلَّذِينَ آمَنُواْ ٱنظُرُونَا } أي : تمهلوا علينا . { نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ } أي : نستصبح من نوركم . و { ٱنظُرُونَا } في قراءة من وصل الألف من نظر ينظر : إذا انتظر . وقرأ حمزة بقطع الألف ، جعله من أنظره : إذا أخره ، وهو بعيد في المعنى إذا حملته على التأخير ، وإنما يجوز على معنى تمهلوا علينا . يقال أنظرني : بمعنى تمهل عليّ وترفق ، حكاه علي بن سليمان فعلى هذا تجوز قراءة حمزة . وحكى غيره أنظرني : بمعنى اصبر علي ، كما قال ( عمرو بن كلثوم ) : ( وانظرنا نخبرك اليقينا ) [ أي اصبر علينا ] ، فعلى هذا أيضاً تصح قراءة حمزة . ثم قال : { قِيلَ ٱرْجِعُواْ وَرَآءَكُمْ فَٱلْتَمِسُواْ نُوراً } . يقال لهم ارجعوا من حيث [ جئتم ] فاطلبوا لأنفسكم هنالك نوراً [ فإنه ] لا سبيل إلى الاقتباس من نورنا . قال ابن عباس بينما الناس في ظلمة إذا بعث الله جل ثناؤه نوراً ، فلما رأى المؤمنون النور توجهوا نحوه ، وكان النور لهم دليلاً من الله جل وعز إلى الجنة ، فلما رآى المنافقون المؤمنين قد انطلقوا اتبعوهم فأظلم الله على المنافقين ، فقالوا حينئذ : انظرونا نقتبس من نوركم فإنا [ كنا ] معكم في الدنيا قال المؤمنون ارجعوا من حيث جئتم من الظلمة التمسوا هنالك النور . ثم قال : { فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ } أي : فضرب الله بين المؤمنين والمنافقين بسور وهو حاجز بين أهل الجنة [ وأهل ] النار . قال ابن زيد هذا السور هو الذي قال جل وعز { وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ } [ الأعراف : 46 ] . ويقال أن ذلك السور ببيت المقدس عن موضع يعرف بوادي جهنم . وروي ذلك عن عبد الله بن عمرو بن العاص وعن ابن عباس . وكان كعب يقول في الباب الذي يسمى باب الرحمة : في بيت المقدس أنه الباب الذي قال الله عز وجل { لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ ٱلرَّحْمَةُ } والرحمة هنا الجنة ، والعذاب : النار . / ثم قال : { يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ } . أي ينادي المنافقون المؤمنين حين حجز بينهم بالسور فبقوا في الظلمة والعذاب ، ألم نكن معكم في الدنيا نصلي ونصوم ونناكحكم ونوارثكم ، قال لهم المؤمنون ، بلى ، ولكنكم فتنتم أنفسكم فنافقتم والفتنة هنا : النفاق ، قاله مجاهد . قال شريك بن عبد الله فتنتم أنفسكم بالشهوات واللذات وتربصتم قال بالتوبة . { وَٱرْتَبْتُمْ } أي : شككتم . { حَتَّىٰ جَآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ } يعني الموت . { وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } أي الشيطان . وقال غيره وتربصتم وتثبطتم بالإيمان ، والإقرار بالله ورسوله قال قتادة : وتربصتم : أي : بالحق وأهله . وقيل معناه : وتربصتم بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالمؤمنين الدوائر . وقيل تربصتم بالتوبة . وقوله : { وَٱرْتَبْتُمْ } أي : شككتم في توحيد الله سبحانه وفي نبوة محمد صلى الله عليه وسلم . قال قتادة : كانوا في شك من الله سبحانه وتعالى . ثم قال : { وَغرَّتْكُمُ ٱلأَمَانِيُّ } . أي وخدعتكم أماني أنفسكم فصدتكم عن سبيل الله . وأضلتكم . وقيل معناه : تمنيتم أن تنزل بالنبي صلى الله عليه وسلم الدوائر . { حَتَّىٰ جَآءَ أَمْرُ ٱللَّهِ } . { حَتَّىٰ جَآءَ } نصر الله نبيه ودينه . وقيل حتى جاء أمر الله يقبض أرواحكم عند تمام آجالكم . قال قتادة وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله ، قال : كانوا على خدعة من الشيطان ، والله ما زالوا عليها حتى قذفهم الله في النار . وقوله : { وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ } . أي وخدعكم بالله الشيطان فأطمعكم في النجاة من عقوبته والسلامة من عذابه . ثم قال : { فَٱلْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ } . ( قال ابن سلام وذلك أنهم يعطون الإيمان يوم القيامة فلا يقبل منهم ) . هذا قول المؤمنين لأهل النفاق ، فاليوم لا يقبل منكم فداء ولا عوض بدلا من عقابكم وعذابكم ، ولا يؤخذ من الذين كفروا . { مَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ } . أي مثواكم ومسكنكم . { هِيَ مَوْلاَكُمْ } أي : النار أولى بكم . / { وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } أي : المرجع ، بئس المصير من صار إلى النار . قوله : { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ } . أي ألم يحن للذين صدقوا الله ورسوله أن تلين قلوبهم لذكر الله ( وتذل من خشية الله ) . { وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ } وهو القرآن . قال ابن عباس { أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ } ، قال : تطيع قلوبهم . روي عن ابن مسعود أنه قال : عاتبنا الله بهذه الآية بعد إسلامنا بسبع سنين . وقال غيره بأربع سنين . وقال قتادة : ذكر لنا أن شداد بن أوس كان يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أول ما يرفع الله من الناس الخشوع " . ثم قال : { وَلاَ يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلُ } يعني : بني إسرائيل ، والكتاب : التوراة والإنجيل . { فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ } . والأمد الدهر الذي بينهم وبين موسى عليه السلام . ثم قال : { وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } أي : من أهل الكتاب . ثم قال : { ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يُحْيِـي ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } . أي بالمطر فتنبت بعد يبسها وموتها ، فكما قدر على ذلك ، فهو قادر على أن يحيي الموتى بعد إفنائهم . وقال صالح المري يحيي الأرض بعد موتها : يلين بكم ، القلوب بعد قسوتها . ثم قال : { قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلآيَاتِ } ( أي الحجج والأدلة ) . { لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } . ثم قال : { إِنَّ ٱلْمُصَّدِّقِينَ وَٱلْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُواْ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } . أي انفقوا في سبيل الله وفيما ندبهم إليه . { يُضَاعَفُ لَهُمْ } ( أي فيضاعف لهم ) الثواب يوم القيامة . { وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ } . أي ثواب كريم وهو الجنة ، ومن خفف " المصدقين " فمعناه إن الذين صدقوا محمداً صلى الله عليه وسلم وآمنوا ثم تصدقوا من أموالهم وأنفقوا في طاعة الله عز وجل يضاعف لهم .