Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 57, Ayat: 19-24)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ } إلى قوله : { فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ } الآيات . أي والذين أقروا بوحدانية الله وإرساله رسله ، وصدقوا الرسل { أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلصِّدِّيقُونَ } أي : الذين كثر صدقهم وتصديقهم . ثم قال : { وَٱلشُّهَدَآءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ } أي : لهم أجر أنفسهم ونور أنفسهم . ومذهب ابن عباس ومسروق والضحاك أن " الشهداء " منفصل من " الصديقين " منقطع منه . وروى البراء بن عازب قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " مؤمنو أمتي شهداء " ، ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية . فهذا يدل على أنه متصل بالصديقين ، أي : أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم ، أي : لهم أجر الشهداء ، ونورهم : أي : للمؤمنين أي : من أمة محمد صلى الله عليه وسلم أجر الشهداء ونورهم . وروى سعيد عن أبيه عن أبي هريرة أنه قال : كلكم صديق وشهيد فقيل له انظر ماذا تقول يا أبا هريرة ، فقال اقرأوا هذه الآية فذكرها . وروي " أن رجلاً من قضاعة جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن شهدت أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ، وصليت الصلوات الخمس وصمت شهر رمضان ، وآتيت الزكاة ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم من كان على هذا كان من الصديقين والشهداء " . وعن ابن عباس أنه قال يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم " أنه قال كل مؤمن صديق ، ويزكي الله بالقتل من يشاء ثم تلا هذه الآية " . قال مجاهد : هو متصل ، وكل مؤمن شهيد . وروي ذلك عن ابن عمر ، روي عنه أنه / قال في حديث له . والرجل يموت على فراشه هو شهيد ، وقرأ هذه الآية . وقيل " الشهداء " في هذا الموضع : النبيون الذين يشهدون على أممهم وهو قوله تعالى : { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً } [ النساء : 41 ] . هذا قول الفراء ، والقول الأول هو اختيار الطبري ، ويكون تمام الكلام : " الصديقون " . ثم يبتدئ الإخبار عن الشهداء ، وإنما سمي المقتول في سبيل الله عز وجل شهيداً ، لأنه يشهد له بالجنة . وقيل سمي شهيداً لأنه يشهد عند الله على الأمم . قال تعالى { وَتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ } [ الحج : 78 ] . وقال مجاهد : سمي المؤمن شهيداً ، لأنه يشهد عند الله على نفسه بالإيمان . ثم قال : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ } . أي جحدوا ما أنزل الله عز وجل وكذبوا بالقرآن هم أصحاب النار . ثم قال : { ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ [ وَلَهْوٌ ] } أي / : اعلموا أيها الناس أن ما عجل لكم في الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة زائلة مضمحلة ، فأنتم تفاخرون بها وتتكثرون بها فمثلكم كمثل مطر أعجب الكفار نباته ، أي : أعجبه الزراع نباته فهو على نهاية الحسن . وقيل الكفار هنا هم المكذبون ، لأنهم بالدنيا أشد إعجاباً ، أي لا يؤمنون بالبعث . وقوله : { ثُمَّ يَهِيجُ } أي : يبتدئ في الصفرة . { فَتَرَٰهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَٰماً } أي : متحطماً لا نفع فيه لأحد ، فضرب الله عز وجل مثلا للدنيا وزينتها وزوالها بعد الإعجاب بها . ( ثم أخبر تعالى بما في الآخرة من العذاب لمن ركن إلى الدنيا واختارها على الآخرة بالبعث فقال : { وَفِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَٰنٌ } لأهل الإيمان بالله ورسوله . ثم قال : { سَابِقُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } . أي : سابقوا أيها الناس وسارعوا إلى الأعمال الصالحة التي توجب [ لكم ] دخول الجنة سعتها كسعة السماوات [ والأرض خالدين فيها أعدت للذين آمنوا بالله ورسله . وقيل عرضها الذي هو خلاف الطول مثل عرض السماوات ] والأرضين إذا وصل كل سماء بسماء وكل أرض بأرض ، فإن قيل فأين السماوات والأرضون إذاً ، فالجواب أن الليل إذا أقبل ذهب النهار في علم الله ، وإذا أقبل النهار ذهب الليل في علم الله . قال مكحول في قوله : { سَابِقُوۤاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ } الآية ، هو المسارعة إلى التكبيرة الأولى من الصلاة . ثم قال : { ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ } . أي : هذه الجنة التي تقدمت صفتها فضل من الله تفضل به على المؤمنين ، والله يؤتي فضله من يشاء من خلقه ، وهو ذو الفضل [ العظيم ] عليهم بما وفقهم له من الإيمان به والعمل الصالح وبسط لهم من الرزق ، وعرفهم موضع الشكر . ثم قال : { مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِيۤ أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ } . أي : ما أصابكم أيها الناس من مصيبة في جدب الأرض وقحطها وفساد ثمارها ولا في أنفسكم بالأوصاب والأوجاع إلا هو في كتاب ، يعني أم الكتاب . " من قبل أن نبرأ الأنفس " أي : نخلقها . قال ابن عباس هو شيء قد فرغ عنه من قبل أن تخلق الأنفس ، قال : وبلغنا أنه ليس أحد يصيب خدش عود ، ولا نكبة قدم ، ولا خلجان عرق ، إلا بذنب وما يعفو الله أكثر . وقال الحسن في معنى الآية : كل مصيبة ( من السماء ) هي في كتاب الله جل ثناؤه من قبل أن نبرأ القسمة ، وهو قول الضحاك وابن زيد . وعن ابن عباس أيضاً هو ما أصاب من مصيبة في الدين والدنيا هي في كتاب عند الله من قبل أن تخلق الأنفس . وقيل الضمير في " نبرأها " بالمصائب ، وقيل للأرض . ورجوعها إلى الأنفس أولى لأنه أقرب إليها . وقوله : { إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ } معناه : إلا هي في كتاب ، ثم حذف الضمير . قال ابن عباس أمر الله عز وجل القلم فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة . ثم قال : { إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ } أي : إن خلق الله عز وجل الأنفس وإحصاء ما هي ملاقيته من المصائب على الله سهل ، لأنه إنما يقول لشيء كن فيكون . ثم قال : { لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ } . أي : أعلمكم الله عز وجل أن الأمور كلها قد فرغ منها ، لكيلا تأسوا على ما فاتكم من أمر دنياكم ، ولا تفرحوا بما جاءكم منها ، وذلك الفرح الذي يؤدي إلى المعصية والحزن الذي يؤدي إلى المعصية . قال عكرمة : هو الصبر عند المصيبة ، والشكر عند النعمة ، قال وليس ( أحد إلا وهو ) يحزن ويفرح ، ولكن من أصابته مصيبة فجعل / حزنه صبراً ومن أصابه خير فجعل فرحه شكراً ، فهو ممدوح لا مذموم . فالمعنى : أعلمكم بفراغه مما يكون وتقدم علمه به قبل خلقكم / كيلا تحزنوا حزناً تتعدون فيه على ما [ لا ] ينبغي ، ولا تفرحوا فرحاً تتجاوزون فيه ما ( ينبغي ) . ثم قال : { وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } أي : لا يحب كل متكبر بما أوتي من الدنيا ، فخور به على الناس . وقيل : معناه : لا يحب كل مختال في مشيته تكبراً وتعظماً فخور على الناس بماله ودنياه . ثم قال : { ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ } . أي : يبخلون أن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، ويأمرون الناس ألا يؤمنوا به . وقيل معناه : يبخلون بإخراج حق الله عز وجل من أموالهم ويأمرون الناس بذلك ، وهذه الآية نزلت في اليهود ، عرفوا أن محمداً صلى الله عليه وسلم حق وما جاء به حق ، وكانوا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم يحدثون الناس ويبشرونهم بقرب مبعثه ، وينتصرون على أعدائهم به ، ويقولون : اللهم بحق النبي المبعوث أنصرنا فينتصرون فلما بعث كتموا أمره وكفروا به وبخلوا أن يصدقوه ، وأمروا الناس بتكذيبه . قوله : { وَمَن يَتَوَلَّ } أي : يعرض عن قبول ما أمر الله عز وجل به من الإنفاق في سبيل الله ، وإخراج الزكاة ، والإيمان بالله وبرسوله . { فَإِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ٱلْحَمِيدُ } أي : الغني عن ماله ونفقته وغير ذلك ، الحميد إلى خلقه بما أنعم عليهم من نعمة .