Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 57, Ayat: 25-28)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَاتِ } إلى قوله : { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } الآيات . أي لقد أرسلنا إلى أمم بالآيات المفصلات وأنزلنا معهم الكتاب بالأحكام والشرائع ، والميزان بالعدل . قال ابن زيداً ( الميزان ) ما يعمل به ، ويتعاطون عليه في الدنيا من معائشهم في أخذهم وإعطائهم ، فالكتاب فيه شرائع دينهم وأمر أخراهم ، والميزان فيه تناصفهم في دنياهم . { لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ } أي : ليعمل الناس بينهم بالعدل . ثم قال : { وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ } أي : قوة شديدة . { وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ } أي : وفيه منافع للناس ، وذلك ما ينتفعون به عند لقائهم العدو وغير ذلك من المنافع مثل السكين والقدوم . قال ابن زيد البأس الشديد : السيوف والسلاح التي يقاتل بها الناس والمنافع هو حفرهم بها وحرثهم بها وغير ذلك . قال مجاهد : أنزله ليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب ، وأرسلنا الرسل وأنزلنا الكتاب والميزان ليعدلوا بينهم وليعلم حزب الله من ينصر دينه ورسله بالغيب منهم . { إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ } أي : على الانتصار ممن بارزه بالمعاداة ، وخالف أمره عزيز في انتقامه منهم . قال مجاهد : أنزل الحديد ليعلم من ينصره . ثم قال تعالى : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ } الآية . أي أرسلهما تعالى إلى قومهما ، وجعل في ذريتهما النبوة والكتاب ، ولذلك كانت النبوة في ذريتهما ، وعليهم أنزل الله كتبه التوراة والزبور والإنجيل وأكثر الكتب . ثم قال : { فَمِنْهُمْ مُّهْتَدٍ } أي : فمن ذريتهما مهتد إلى الحق . { وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } أي : ضلال عن الحق . ثم قال : { ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَىٰ آثَارِهِم } ( أي : اتبعنا آثارهم برسلنا ) أي : آثار الذرية ، وقيل الضمير يعود على نوح وإبراهيم وإن كانا اثنين لأن الاثنين جمع . ثم قال : { وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ } أي : واتبعنا الرسل بعيسى ابن مريم . { وَآتَيْنَاهُ ٱلإِنجِيلَ } روي أنه نزل جملة . ثم قال : { وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً } أي اتبعوا عيسى رأفة وهي أشد الرأفة . { وَرَهْبَانِيَّةً ٱبتَدَعُوهَا } وأحدثوا رهبانية أحدثوها . { مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ } أي : ما افترضنا ( عليهم الرهبانية ) . { إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ رِضْوَانِ ٱللَّهِ } أي : لم تكتب عليهم إلا أن يبتغوا رضوان الله " فابتغاء بدل من الضمير في " كتبناها " . وقيل هو منصوب على الاستثناء المنقطع . وقال الحارث المحاسبي : لقد ذم الله قوماً من بني إسرائيل ابتدعوا رهبانية لم يؤمروا بها ، ولم يرعوها حق رعايتها . وحكى عن مجاهد أنه قال في الآية معناها كتبناها عليم ابتغاء رضوان الله . ( قال أبو أمامة الباهلي وغيره / معنى الآية : لم نكتبها عليهم ولم يبتدعوها إلا ابتغاء رضوان الله ، فعاتبهم الله بتركها . قال الحارث : وهذا أولى التفسيرين بالحق ، يريد قول أبي أمامة قال وعليه أكثر العلماء ، وقال الحارث فذمهم الله عليه بترك رعاية ما ابتدعوا ، فكيف بمن ضيع رعاية ما أوجب الله عليه ) . ثم قال : { فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا } هذا عام يراد به الخصوص إذ ليس كلهم فرطوا في الرهبانية ، وذلك أن ( الله كتب ) عليهم القتال قبل أن يبعث محمداً صلى الله عليه وسلم فلما قل أهل الإيمان وكثر أهل الشرك وذهبت الرسل وقهروا اعتزلوا في الغيران ، فلم يزل ذلك شأنهم حتى كفرت طائفة منهم ، وتركوا أمر الله وأخذوا بالبدعة ، هذا قول الضحاك . وقيل الذين لم يرعوها هم قوم جاءوا بعد الأولين الذين ابتدعوا الرهبانية . ثم قال : { فَآتَيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ } أي : فأعطينا الذين آمنوا بالله ورسوله من هؤلاء الذين ابتدعوا الرهبانية ثوابهم على فعلهم . { وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } أي : أهل معاص وخروج عن طاعة الله . وقال ابن زيد هم الذين رعوا ذلك الحق . قال قتادة : الرأفة والرحمة من الله / وهم الذين ابتدعوا الرهبانية . وقد قيل أن الرهبانية معطوفة على رأفة . ، وأنها مما آتاهم الله فابتدعوا فيها وغيروها وبدلوها . ثم قال : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } أي : صدقوا بما جاءهم به محمد صلى الله عليه وسلم من أهل الكتابين . { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أي : خافوه بأداء فرائضه واجتناب معاصيه . { وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِ } يعني محمداً صلى الله عليه وسلم . { يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ } أي : يعطيكم ضعفين من الأجر بإيمانكم بعيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم ، وأصل الكفل : الحظ . قال ابن عباس كفلين : أجرين بإيمانكم بعيسى ومحمد عليه السلام وبالقرآن والإنجيل . قال : " بن جبير بعث النبي صلى الله عليه وسلم جعفراً في سبعين راكباً إلى النجاشي يدعوه ، فقدم عليه فدعاه فاستجاب له وآمن به ، فلما كان عند انصرافه قال ناس ممن آمن به من أهل مملكته وهم أربعون رجلاً إئذن لنا فنأتي هذا النبي فنلم به ونركب بهؤلاء في البحر ، فأنا أعلم بالبحر منهم ، فقدموا مع جعفر على النبي صلى الله عليه وسلم وقد تهيأ النبي صلى الله عليه وسلم لوقعة أحد ، فلما رأوا ما بالمسلمين من الخصاصة ( وشدة الحال استأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالو يا رسول الله إن لنا أموالاً ونحن ما نرى ما بالمسلمين من خصاصة ) فأن أنت أذنت لنا انصرفنا فجئنا بأموالنا فواسينا المسلمين بها ، فأذن لهم فانصرفوا فأتوا بأموالهم فواسوا بها المسلمين ، فأنزل الله عز وجل فيهم { ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ } [ القصص : 52 ] إلى قوله { يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ وَيَدْرَؤُنَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } [ القصص : 54 ] : أي : يريد النفقة التي واسوا بها المسلمين فلما سمع أهل الكتاب ممن لم يؤمن بالنبي عليه السلام ، هذا فخروا على المسلمين فقالوا يا معشر المسلمين أما من آمن [ منا ] بكتابكم وكتابنا فله أجره مرتين ومن لم يؤمن بكتابكم فله أجره كأجوركم فما فضلكم علينا ، فأنزل الله عز وجل : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءَامِنُواْ بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ } فجعل لهم أجرين ، وزادهم النور والمغفرة . قال الضحاك { كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ } أي : أجرين بإيمانكم بالكتابة الأول وبالكتاب الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم . قال ابن زيد " كفلين من رحمته " أجر الدنيا وأجر الأخرة . وقال ابن عمر " كفلين " ثلاث مائة جزء من الرحمة وستة وثلاثون جزءاً رواه عنه نعيم بن حماد . وقال الشعبي الناس يوم القيامة على أربع منازل : رجل كان مؤمناً بعيسى فآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم فله أجران ، ورجل كان كافراً بعيسى فآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم فله أجر ، ورجل كفر بعيسى وبمحمد عليهما السلام فباء بغضب على غضب ، ورجل كان كافراً بعيسى من مشركي العرب فمات بكفره قبل محمد صلى الله عليه وسلم / فباء بغضب واحد . وسئل سعيد بن عبد العزيز عن الكفل فقال : " ثلاثمائة وخمسون حسنة وقال سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه سأل حبراً من أحبار اليهود فقال له : كم أفضل ما ضعفت له الحسنة ، فقال كفل ثلاث مائة وخمسون حسنة . قال : فحمد الله عمر على أنه تعالى أعطانا كفلين فضاعفه لنا الحسنة إلى سبع مائة ضعف . وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين رجل آمن بالكتاب الأول والكتاب الآخر ، ورجل كانت له أمة ، فأدبها ، فأحسن تأديبها ثم أعقتها وتزوجها ، وعبد مملوك أحسن عبادة ربه عز وجل ونصح لسيده " . وقال عمر سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " وإنما آجالكم في آجال من خلا من الأمم كما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس ، وإنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى كرجل استأجر عمالاً فقال من يعمل [ من ] بكرة إلى نصف النهار على قيراط قيراط فعملت اليهود ثم قال : من يعمل من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط فعملت النصارى ثم قال من يعمل من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين ألا فعملتم " . ثم قال : { وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ } . قال ابن عباس النور : القرآن واتباعهم النبي عليه السلام ، وقاله ابن جبير . وقال مجاهد : { وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً } أي : هدى . وقيل معناه : ويجعل لكم نوراً تمشون به يوم القيامة ، وهو النور الذي يكون للمؤمنين يوم القيامة . وقوله : { وَيَغْفِرْ لَكُمْ } أي : يصفح عنكم ويستر ذنوبكم . { وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي : ذو مغفرة ورحمة .