Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 68, Ayat: 34-50)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
- قوله تعالى : { إِنَّ لِّلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } ، إلى قوله : { فَجَعَلَهُ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } الآيات . ( أي ) : إن للذين اتقوا عقوبة ربهم [ فأطاعوه ] بساتين ( النعيم ) الدائم في الآخرة . - ثم قال : { أَفَنَجْعَلُ ٱلْمُسْلِمِينَ كَٱلْمُجْرِمِينَ } . أي : أفنجعل - أيها الناس - كرامتي في الآخرة للذين أطاعوني كالذين عصوني ؟ ! { مَا لَكُمْ … } أيها الناس { كَيْفَ تَحْكُمُونَ } . إذ تجعلون المطيع كالعاصي ؟ ! - ثم قال تعالى : { أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ } . أي : ألكم - أيها القوم - بتسويتكم الطائع كالعاصي - كتاب نزل من عند الله أتاكم به رسول أن الطائع كالعاصي فيه تقرؤون ؟ ! وقيل : المعنى : تدرسون أن لكم فيه لما تَخَيَّرون . ( فتدرسون ) عاملٌ في المعنى في { إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ } ، [ لكن ] منعت اللام في " لما " من فتح " إن " ( بتدرسون ] . ومثله : { إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ } . والتقدير : أن لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة ، فإن لكم لما تحكمون . وهذا كله منقطع عند البصريين غير متصل بما قبله ، ولا يجوز عندهم تعلق " تدرسون " ، إنما تعلق أفعال الشك لا غير . - ثم قال تعالى : { إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ } . أي : إن لكم في ذلك لما تخيرونه ، وهذا توبيخ وتقريع لهم لما كانوا يتقولون من الكذب . - ثم قال تعالى : { أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } . أي : هل لكم ذلك ، أي : ليس لكم أيمان على الله تنتهي بكم إلى يوم القيامة بأن لكم حكمكم في ما تتقولون . وكسرت الألف من " إنّ " لدخول اللام في " لمَا " . وقيل : " بالغة " [ وثيقة ] ، أي : بالغة النهاية في التأكيد . - ثم قال تعالى : { سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذَلِكَ [ زَعِيمٌ ] } . أي : سل - يا محمد - هؤلاء المتقولين ( المتحكمين ) على الله ، أيهم كفيل بأن لهم علينا أيماناً بالغة إلى يوم القيامة ؟ وقيل : " زعيم " معناه : ضمين . والزعيم أيضاً المتكلم عن القوم . - ثم قال تعالى { أَمْ لَهُمْ شُرَكَآءُ فَلْيَأتُواْ بِشُرَكَآئِهِمْ … } . أي : ألهم شركاء ( يعينونهم ) ويشهدون لهم بذلك ويحتجون عنهم فيما يدعون فليأتوا بهم إن كانوا صادقين في قولهم فتكون الحجة على جميعهم أبين و [ آكد ] . - ثم قال تعالى : { يَوْمَ يُكْشَفُ ( عَن سَاقٍ ) وَيُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ } . أي : اذكر يا محمد يوم يبدو [ أمر ] عظيم ، وذلك يوم القيامة . قال ابن عباس : يوم يكشف [ عن ساق ] ، هو يوم كرب وشدة وأمر عظيم . وقرأ ابن عباس : " يوم نَكشِف " بالنون . وقرأ ابن مسعود : " يوم يَكشِف " بفتح الياء وكسر الشين . وعن ابن عباس أيضاً أنه قرأ " يوم تَكشِف " بالتاء ، يريد القيامة تكشف عن أهوالها . وروى مجاهد عن ابن عباس : " عن ساق " قال : هي أول ساعة من القيامة ، وهي [ أفظعها ] و [ أشدها ] . وقال ابن جبير : " عن ساق " : عن شدة الأمر " . وقال قتادة { عَن سَاقٍ } عن أمر فظيع / لهم جليل . وعن ابن مسعود أنه قال : " يتمثل الله للخلق ، يعني يوم القيامة ، حتى يمر المسلمون فيقول : من تعبدون ؟ فيقولون : نعبد الله لا نشرك به شيئاً ، [ فينتهرهم ] مرتين أو ثلاثاً ، فيقولون : هل تعرفون ربكم ؟ فيقولون : سبحانه ، إذا اعترف لنا عرفناه . ( قال ) : فعند ذلك يكشف عن ساق فلا يبقى مؤمن إلا خر لله ساجداً ، ويبقى المنافقون ظهورهم طبق كأنما فيها السفافيد ، فيقولون : ربنا ! فيقول : قد كنتم تَدْعُوْنَ إلى السجود وأنتم سالمون . قال أبو محمد : فمعنى يكشف لهم عن ساق ، أي : عن أمر عظيم وقدرة لا يقدر عليها إلا الله . فيعرفونه تعالى بها [ أظهر ] من قدرته إليهم . ولا يحل لأحد أن [ يتأول ] في هذا وما شابهه جارحة ، إذ ليست صفات الله كصفات الخلق ، كما أنه ليس كمثله شيء ، فاحْذَرْ أن يتمثل في قلبك شيء من تشبيه الله بخلقه ، [ فغير ] جائز في الحكمة والقدرة أن يكون المخلوق يشبه الخالق في شيء من الصفات ، ومن شبه الخالق بالمخلوق فقد أوجب على الخالق الحدث ، وكفر وأبطل التوحيد ، إذ في ذلك نفي القدم عن الخالق ، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً . وقال ابن مسعود : ينادي مناد يوم القيامة : أليس عدلاً منكم أن ربكم خلقكم ثم صوركم ثم رزقكم ثم توليتم غيره أن يولي كل عبد ( منكم ما تولى ؟ ! فيقولون : بلى ، قال : فيمثل لكل قوم آلهتهم التي كانوا ) يعبدونها ، فيتبعونها حتى توردهم النار ، ويبقى أهل [ الدعوة ] ، فيقول بعضهم لبعض : ماذا تنتظرون ؟ ( ذهب الناس ) ! فيقولون : ننتظر أن ينادى [ بنا ] . قال : فيجيء في صورة ، فذكر منها ما شاء الله ، فيكشف عما شاء الله أن يكشف ، فيخرون سجدا إلا المنافقين ، فإنه يصير فَقَارُ أصلابِهِمْ عَظْماً واحداً مثل [ صياصي ] البقر ، فيقال لهم : ارفعوا رؤوسكم إلى نوركم . ثم ذكر قصة طويلة . وذكر أبو سعيد الخدري : عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو ذلك وأطول . والعرب تقول : انكشف الأمر عن ساق ، أي : عن هول وأمر غليظ شديد . وأصل هذا أن الرجل إذا جد في أمر فيه صعوبة وشدة تشمر وكشف عن ساقه ، فجعل الساق في موضع الشدة . وقوله : { وَيُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ } . أي : [ ويدعى ] أهل النفاق إلى السجود لله عند ظهور الأمر الشديد فلا يستطيعون السجود . ودل هذا على أن الاستطاعة قبل الفعل ، لأن الكلام على أنهم كانوا قبل ذلك يستطيعون السجود فتركوه . ودعاؤهم إلى السجود إنما هو على طريق التوبيخ لهم ليوقفوا على فعلهم في الدنيا إذ دعوا إلى السجود وهم سالمون لينتفعوا به فلم يفعلوا . روي أن أصلابهم تجف عقوبة فلا يطيقون السجود . ثم قال : { خَٰشِعَةً أَبْصَٰرُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ( ذِلَّةٌ ) … } . أي : خاضعة ذليلة أبصارهم [ تغشاهم ] ذلة من عذاب الله . والعامل في " يوم يكشف " قوله : { فَلْيَأتُواْ بِشُرَكَآئِهِمْ } أي : فليأتوا بالشركاء يوم يكشف ، أي يوم القيامة . لم يرد الإتيان بها في الدنيا لأنهم يقدرون على ذلك في الدنيا ، ولا يقدرون عليه في الآخرة ، " فيأتوا " هو العامل في " يوم يكشف " . ويجوز أن يعمل فيه فعل [ مضمر ] أي : اذكر يوم يكشف . ثم قال تعالى : { وَقَدْ كَانُواْ يُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ وَهُمْ سَٰلِمُونَ … } . ( أي ) : وقد كانوا في الدنيا يدعون ( إلى ) أن يسجدوا لله وهم سالمون الجوارح ، لا يمنعهم من ذلك مانع فلم يفعلوا . وقيل : السجود ( الذي ) ( كانوا ) يدعون إليه في الدنيا هو الصلاة المكتوبة . قاله الشعبي . وقال ابن جبير : كانوا يسمعون النداء للصلاة فلا يجيبون . قال ابن عباس : هم الكفار ، كانوا يدعون إلى السجود في الدنيا وهم آمنون ، فاليوم يدعون وهم خائفون . وروى قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يُؤْذَنُ للمؤمنين يَومَ القيامةِ في السّجودِ فَيَسْجُدُ المُؤمِنُونَ ، وبَيْنَ كلِّ مُؤمنين مُنَافِقٌ فَيَقْسُو ظَهْرُ المُنَافِقِ عَنِ السُّجُودِ ، ويَجْعَلُ اللهُ سُجُودَ المؤمنين على المنافقينَ تَوْبِيخاً وَصَغَاراً وَذُلاًّ وَنَدَامَةً وَحَسْرَةً " . - ثم قال تعالى : { فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ … } . هذا تهدد ووعيد من الله للمكذبين بكتابه ، كما يقول الرجل للرجل يتوعده : دعني وإياك ، وخلني وإياه . وقوله : { سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } . أي : سنكيدهم من حيث لا يعلمون ، وذلك أن يمتعهم بمتاع الدنيا حتى يظنوا أنهم إنّما مُتِّعُوا به لخير لهم عند الله فيتمادون في طغيانهم ، ثم [ يأخذهم ] بغتة [ وهم ] لا يشعرون . فيكون معنى " سنستدرجهم " : سنمتعهم ونوسع عليهم في الدنيا حتى يتوهموا أن لهم خيراً ويغتروا بالنعم . روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله يُمْهِل الظالم حتى إذا أخَذَه لم يُفْلِتْهُ ، وقرأ : { وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ } " وحقيقة الاستدراج أن يأخذه ببأسه قليلاً ولا يُجَاهِرُه ، وهو من الدرج الذي يُصعَد وَيُنْزَل منه قليلاً قليلاً . - ثم قال : { وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } . أي أنْسِىءُ لهم في آجالهم ملاوة من الزمان ، وذلك [ برهة ] / من الدهر على كفرهم وتمردهم على الله [ لتتكامل ] حجج الله عليهم . - وقوله : { إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } . أي : إن كيدي بأهل الكفر قوي شديد . - ثم قال تعالى : { أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ } . أي : أم تسألهم يا محمد على إنذارك لهم ونصحك إياهم جُعلاً [ فهم ] مثقلون [ مما ] يعطونك من الجُعْل ؟ أي : لست تسألهم ذلك ، فما بالهم لا يقبلون نصحك . - ثم قال تعالى : { أَمْ عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ } . أي : أعندهم اللوح المحفوظ الذي فيه الغيوب كلها فهم يكتبون منه [ ما يجادلونك ] به ، ويزعمون أنهم على كفرهم أفضل منزلة عند الله من أهل الإيمان به . - قال تعالى : { فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ ٱلْحُوتِ … } . يعني : يونس ، أي فاصبر يا محمد على أداء ( الرسالة ) لقضاء ربك [ فيك وفي هؤلاء ] المشركين ، ولا تستعجل لهم العذاب فتكن كصاحب الحوت ، يعني يونس إذ خرج عن قومه حين تأخر العذاب عنهم . - واذكر { إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ } . أي : إذ نادى ربه من بطن الحوت وهو مغموم لا يجد من يتفرج إليه . قال قتادة : ولا تكن كصاحب الحوت في العجلة والغضب ، أي : لا تعجل كما عجل ولا تغضب كما غضب . - ثم قال تعالى : { لَّوْلاَ أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ … } . ( أي رحمة - فرحمه ) { لَنُبِذَ بِٱلْعَرَآءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ } . ( أي : لولا أن الله رحمه وسمع دعاءه من بطن الحوت فأجابه لطُرِحَ بالفضاء من الأرض وهو مذموم ) قال ابن عباس : مذموم " مليم " . وقيل مذموم : " مذنب " . - ثم قال تعالى : { فَٱجْتَبَاهُ رَبُّهُ … } . أي : فاختاره واصطفاه . - { فَجَعَلَهُ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ } . أي : اختاره للنبوّة فجعله صالحاً ، أي : رفعه للعمل الصالح . وقيل : معناه : فوصفه من الصالحين . حكى سيبويه : " جعل " بمعنى " وصف " .