Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 7, Ayat: 150-150)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَٰنَ } ، الآية . كان هارون أخا موسى ( عليه السلام ) ، شقيقه ، وإنما قال له : { ٱبْنَ أُمَّ } ، على طريق الاستعطاف بالرحم . فمن قرأ يـ { ٱبْنَ أُمَّ } ، بالفتح ، فالتقدير عند الكسائي ، والفراء ، وأبي عبيد : يا بن أماه ، ثم حذف . وهو عند البصريين يبنى كـ " خَمْسَةَ عَشَرَ " . ومن كسر " الميم " ، فقال أبو حاتم ، والأخفش : حذف الياء لدلالة الكسرة عليها ، وهي لغة لبعض العرب ، يقولون : يا غُلاَمَ غُلاَمِ أَقْبِل . وحكى الأخفش : هذا غُلاَمِ يا هذا ، بغير ياء في غُلاَمِي . وأحسن منه عند أهل النظر : أن يكون بناء الاسمين اسماً واحداً ، ثم أضافه بعد ذلك . وشبه أبو عمرو الفتح بقولهم : هُوَ جَارِي بَيْتَ بَيْتَ ، ولقيته كِفَّةَ كِفَّةَ يا فتى . ولا يفعل ما فعل في الأم والعم في غيرهما ، لا يقال : يَابْنَ أَبِ ولا يَابْنَ أختِ ، ولا شبهه ، ولا يجوز الفتح إلا في الأم والعم ، وذلك لكثرة الاستعمال . وقرأ مجاهد ، ومالك بن دينار : " فَلاَ تَشْمَتْ بِيَ الأَعْدَاءُ " ، بفتح " التاء " و " الميم " ، ورفع : " الأعداء " بفعلهم ، وهو مثل قوله : { فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ } [ البقرة : 132 ] ، أي : اثبتوا على الإسلام حتى يأتيكم الموت . فالمعنى : فلا تشمت من أجلي الأعداء . وحكى أبو عبيد عن حُمَيْد " تَشْمِتْ " ، بفتح " التاء " وكسر " الميم " . ولا وجه له ؛ لأنه إنما يقال : " شَمِتَ " فإن سمع " شمت " بالفتح ، فهي لغة من العرب ، ولَمْ يَرُوْا ذلك . ومعنى الآية : أن الله ( تعالى ) أعلم موسى ( عليه السلام ) ، أنه قد فتن قومه ، وأن / السامري قد أضلهم ، فرجع موسى غضبان على قومه أسفاً عليهم . و " الأسف " : شدة الغضب . وقال أبو الدرداء : " الأسف " منزلة وراء الغضب ، أشد منه . وقال السدي : " { أَسِفاً } : حزيناً . وكذلك قال الحسن ، وابن عباس . ومن هذا قولهم للعبد : " أَسيفٌ " ؛ لأنه مقهور ، وحزين مستعبد ، وكذلك قيل للأجير : " أسِيفٌ " : لأنه مستخدم ، ومخزون على استخدام الناس له . قوله : { قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيۤ } . أي : بئس الفعل فعلتم بعد فراقي إياكم ، في عبادتكم العجل . { أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ } . أي : أسبقتم أمره ؟ يقال : " عَجِلْتُ الرَّجُلَ " : سبقته ، و " أَعْجَلْتُهُ " : استعجلته . والفرق بين " العَجَلَة " و " السرعة " ، أن العجلة : التقدم بالشيء قبل وقته ، والسرعة : عمله في أقل أوقاته . { وَأَلْقَى ٱلأَلْوَاحَ } . أي : ألقاها غَضَباً على قومه . ثم أخذ برأس أخيه يجره إليه غضباً . قاله ابن عباس . [ قال ابن عباس ] : لما رجع موسى ( عليه السلام ) ، إلى قومه ، وصار قريباً منهم ، سمع أصواتهم ، فقال : إنني لأسمع أصوات قوم لاهين ، فلما عاينهم وقد عكفوا على العجل ، ألقى الألواح فكسرها ، وأخذ برأس أخيه يجره إليه ، وقال { مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوۤاْ * أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي } [ طه : 92 - 93 ] . قال قتادة أخذ الألواح ، وقال : رب ، إني أجد في الألواح أمة ( خير أمة ) أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، فاجعلهم أمتي ! قال : تلك أمة أحمد قال : إني أجد في الألواح أمة هم الآخرون السابقون في دخول الجنة ، رب اجعلهم أمتي قال : تلك أمة أحمد ! قال : رب إني أجد في الألواح أمة أناجيلُهُمْ في صدورهم يقرأونها ، رب فاجعلهم أمتي قال : تلك أمة أحمد ! قال : رب إني أجد في الألواح أمة يؤمنون بالكتاب الأول وبالكتاب الآخر ، ويقاتلون فُضُول الضَّلاَلَةِ ، حتى يقاتلوا الأَعْوَرَ الكَذَّابَ ، رب فاجعلهم أمتي قال : تلك أمة أحمد قال : رب ، إني أجد في الألواح أمة صدقاتهم يأكلونها في بطونهم ، ثم يُؤْجَرُونَ عليها ، [ قال ] : فاجعلهم أمتي ! قال : تلك أمة أحمد ! قال : رب إني أجد في الألواح أمة إذا هَمَّ أحدهم بحسنة ، ثم لم يعملها كتبت له حسنة ، فإن عمَلِهَا كتبت له عشر أمثالها إلى سبع مائة ، رب اجعلهم أمتي ! قال : تلك [ أمة ] أحمد ! قال : رب ، إني أجد في الألواح أمة إذا هم أحدهم بالسيئة لم تكتب عليه حتى يعملها ، فإن عملها كتبت عليه سيئة واحدة ، رب فاجعلهم أمتي ! قال : تلك أمة أحمد ! قال : رب [ إني ] أجد في الألواح أمة هم المستجيبون والمستجاب لهم ، رب اجعلهم أمتي ! قال : تلك أمة أحمد ! قال : رب إني أجد في الألواح أمة هم المشفعون والمشفع لهم ، فاجعلهم أمتي قال : تلك أمة أحمد ( قال ) : فذكر لنا أن نبي الله ( عليه السلام ) ، نبذ الألواح وقال : اللهم اجعلني من أمة أحمد قال : فأعطى الله موسى شيئين لم يعطها نبي ، قال الله : { يٰمُوسَىٰ إِنِّي ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي } [ الأعراف : 144 ] ، فرضي موسى ( عليه السلام ) ، والثانية قوله : { وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } [ الأعراف : 159 ] ، فرضي موسى ( عليه السلام ) كل الرضى . ويروى أن التوراة كانت سبعة أسباع ، فلما ألقى الألواح تكسرت فرفع منها ستة أسباعها ، وبقي السبع ، وكان فيما رفع : " تفصيل كل شيء " . وبقي : " الهدى والرحمة " في السبع الباقي . قال مقاتل : كانت لوحين . فيكون هذا مما جُمِعَ في مَوْضِعِ التَّثْنِية ، كما قال : { وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ } [ الأنبياء : 78 ] ، يريد : داوود وسليمان . وله نظائر قد ذكرت . وقال الربيع بن أنس : كانت التوراة سبعين وسق بعير ، يقرأ الجزء منها في سنة ، لم يقرأها إلا أربعة نفر : موسى ، وعيسى ، وعُزَير ، ويوشع عليه السلام . [ و ] قال ابن جبير : كانت الألواح من ياقوتة . وقال مجاهد : كانت من زُمَرُّدٍ أخضر . وقال أبو العالية : كانت من زَبَرْجَدٍ . وقال ابن عباس : لما تكسرت رفعت إلا سدسها . وقال ابن جبير : كانت الألواح من زُمُرّدُ ، فلما ألقى موسى الألواح ذهب الفصيل ، وبقي الهدى / والرحمة ، وهو قوله : { وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ } [ الأعراف : 154 ] . وقال الفراء : ذكر أنهما كانا لوحين . وذكر النحاس أنه قيل : إنما أخذ برأس ( أخيه ) هارون على جهة المسارة لا غير ، فكره هارون أن يتوهم من حضر أن الأمر على خلاف ذلك . فقال : { لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي } [ طه : 94 ] . وكان هارون أخاه لأُِمِّهِ . وقيل : شقيقه . { وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ } . يعني : أصحاب العجل .