Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 70, Ayat: 8-28)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

- قوله تعالى : { يَوْمَ تَكُونُ ٱلسَّمَآءُ كَٱلْمُهْلِ } ، إلى قوله : { غَيْرُ مَأْمُونٍ } . أي : ونرى العذاب قريباً ( في ) يوم تكون ( فيه ) السماء كالمهل . وقيل : التقدير : يبصرونهم يوم [ تكون ] . وقيل : التقدير : احذروا يوم تكون السماء كالمهل ، قال مجاهد : " كعكر الزيت " . وقال قتادة : تحول لوناً آخر إلى الخضرة ، وقد تقدم ذكر " المهل " بأشبع من هذا . ثم قال : { وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ } . قال مجاهد : كالصوف . وهو جمع " عهنة " ، وأهل اللغة على أنه لا يقال ( للصوف ) " عهن " حتى يكون مصبوغاً . - ثم قال : { وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً } . أي : ولا يسأل قريب ولا صديق عن قريبه ولا عن صديقه لشغله بنفسه . ومعنى { يُبَصَّرُونَهُمْ … } . أي : يُبَصَّرُ كلُّ إنسان قَرِينَهُ فيعرفه . قال ابن عباس : يعرف بعضهم بعضاً ، ويتعارفون ، ثم يفر بعضهم [ من ] بعضهم ، بعد ذلك ، يقول الله : { لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } [ عبس : 37 ] ، وهو قول قتادة . فالهاء والميم - على هذا - للأقرباء ، والضمير في [ يُبَصَّرُونَ ] للكفار ، فالهاء والميم للأقرباء ، أي : يبصر الله الكفار أقرباءهم في القيامة ويعرفهم بهم ، فهو تأويل موافق لصدر الآية ؛ لأنه قد ذكر القريب وقريبه ، وهذا مثل قوله : { يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ } [ عبس : 34 - 35 ] الآية . وقال مجاهد : معناه : يبصر الله المؤمنين الكفار في القيامة . فيكون الضمير في " يُبَصَّرونَ " للمؤمنين ، والهاء والميم للكفار . وقال ابن زيد : معناه : يبصر الله الكفار الذين أضلوهم في الدنيا في النار . فيكون الضمير في { يُبَصَّرُونَهُمْ } للكفار التابعين ، والهاء والميم للمتبوعين . وقد روي عن ابن كثير وأبي جعفر يزيد وشيبة : أنهم قرأوا : " وَلاَ يُسْأَلُ حَمِيمٌ " على ما لم يسم فاعله . ومعناه : لا يقال لقريب : أين قريبك ؟ ، ( أي ) : لا يطلب بعضهم بِبَعْضٍ . ويجوز أن يكون معناه : ولا يسأل إنسان عن ذنب قريبه ، مثل قوله : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } [ الأنعام : 164 ] . - ثم قال { يَوَدُّ ٱلْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ } . ( أي : يتمنى الكافر يوم القيامة لو يفتدي من العذاب ببنيه ) . { وَصَاحِبَتِهِ … } وهي زوجته ، { ( وَأَخِيهِ ) } { وَفَصِيلَتِهِ … } : عشيرته ، { ٱلَّتِي تُؤْوِيهِ } أي : التي تضمه إلى رحلها ومنزلها لقرابة ما بينها وبينه . - ثم قال : { وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيهِ } . أي : ويود لو يفتدي بمن في الأرض جميعاً ثم ينجيه ذلك من عذاب الله ، أي : لو وجد إلى ذلك سبيلاً من عظيم ما نزل به لفعله . وجواب " لَوْ " قوله : { ثُمَّ يُنجِيهِ } ، وقيل " ثُمَّ " بمعنى الفاء أي : فَيُنَجِّيه ذلك ، فهو مثل قوله { لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } [ القلم : 9 ] الفاء جواب " لَوْ " . قال قتادة : { وَفَصِيلَتِهِ ٱلَّتِي تُؤْوِيهِ } " الأحب فالأحب ، والأقرب فالأقرب من أهله وعشيرته . … " . قال الخليل : الفصيلة فخذ الرجل من قومه . وقال مجاهد : فصيلته : " قبيلته " . وقال ابن زيد : " عشيرته " . وفاعل " يُنْجِيهِ " محذوف ، والتقدير : ثم ينجيه ذلك الافتداء ، ودل " يفتدي " على الافتداء . " قالت سودة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يحشر الناس حفاةً عراةً غُرلاً حتى ألجمهم العرق وبلغ شحم الآذان . قالت : ( قلت ) : واسوءتاه يا رسول الله ، أينظر بعضنا إلى بعض ؟ ! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : شُغِلَ النَّاسُ { لِكُلِّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ } " . - ثم قال تعالى : { كَلاَّ إِنَّهَا لَظَىٰ * نَزَّاعَةً لِّلشَّوَىٰ } . أي : ليس الأمر على ما يتمنون ، ولا يفيدهم ( من عذاب الله شيء . ثم ابتدأ بالإخبار عما أَعدَّ لهم من العذاب فقال : { إِنَّهَا ) لَظَىٰ } ، و " لظى " اسم من أسماء جهنم ، ولذلك لم تَنْصَرِفْ . ومعنى : " نزاعة للشوى " : تنزع جلدة الرأس وأطراف البدن . والشوى جمع : شواة ، وهي الأطراف . قال ابن عباس : { نَزَّا ( عَةً ) لِّلشَّوَىٰ } أي " تنزع أم الرأس " . وعنه : يعني " الجلود والهام " . وقال مجاهد : " [ لجلود ] الرأس " . وعنه : تنزع اللحم دون العظم . وقال أبو صالح : { لِّلشَّوَىٰ } : " للحم الساقين " . [ وقاله ] مجاهد أيضاً . وقال الحسن : { لِّلشَّوَىٰ } : " للهام ، / تحرق كل شيء منه ويبقى فؤاده نضيجاً " . وقال الضحاك : { لِّلشَّوَىٰ } : " تبدي اللحم والجلد عن العظم حتى لا تترك منه شيئاً " . وقال ابن زيد : الشوى : " الأراب العظام ، قال : تقطع عظامهم كما ترى ثم تحرق خلقهم وتبدل جلودهم " . قال ابن جبير : { لِّلشَّوَىٰ } " للعصب والعقب " . وعن مجاهد أيضاً : { لِّلشَّوَىٰ } : للجلد . وعنه : للأطراف . وقال ثابت البناني : للشوى : لِمَكَارِمِ وجه ابن آدم . - ثم قال تعالى : { تَدْعُواْ مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّىٰ } . أي : تدعو لظى إلى نفسها من أدبر عن طاعة الله وتولى عن الإيمان بالله وبكتبه وَرُسُلِه ، هذا معنى قول قتادة . قال ابن زيد : ليس لها سلطان ( إلا على من أدبر وتولى [ وكفر وتولى ] ، فأما من آمن بالله ورسوله فليس له عليه سلطان ) . قال الخليل بن أحمد " ليس دعاؤها كالدعاء : " تعالوا " و " هلم " . ولكن دعوتها [ إيَاهم ] ما تفعل بهم من الأفاعيل ، يعنى نار جهنم نعوذ بالله منها . وقيل : معنى " تدعو " تريد وتطلب ، كما قال : { وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ } [ يس : 57 ] أي : يريدون ويطلبون ، فهو " يفتعل " من الدعاء . ويقال : تداعت الحيطان إذا انقاضت . وتداعى عليه العدو : إذا أتى من كل جانب . وتداعت القبائل على بني فلان ، إذا أقبلوا لحربهم . [ ودواعي ] الدهر : صروفه . - وقوله : { وَجَمَعَ فَأَوْعَىٰ } . أي : وتدعو من جمع مالاً فجعله في وعائه ومنع حق الله منه . ومعنى " أوعى " : أحاط بِمَنْعِ المَالِ وحِفْظِه ، ومنه : وَعيْت العلم ، وأذنٌ واعيةٌ . - ثم قال : { إِنَّ ٱلإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً } . الهلوع - عند أهل اللغة - : الجزوع ، وهو هنا الذي يستعمل في حال الفقر من الجزع ما لا يجب أن يستعمله ، وفي الغنى ما لا ينبغي أن يستعمله من منع الحق الواجب فيه وقلة الشكر . وقيل : الهلع شدة الجزع مع شدة الحرص والضجر . وقد فسر الله جل ذكره لنا الهَلوع من هو فقال : { إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ ٱلْخَيْرُ مَنُوعاً } . وعن ابن عباس : الهلوع الجزوع : الحريص ، وهذا كله في الكفار . قال الضحاك { إِنَّ ٱلإِنسَانَ } يعني الكافر { خُلِقَ هَلُوعاً } أي : بخيلاً فهو منوع للخير جزوع إذا نزل به البلاء . قال ابن جبير : { هَلُوعاً } " شحيحاً ، جزوعاً " . وقال عكرمة : ضجوراً . وقال قتادة وابن زيد : الهلوع : الجزوع . - وقوله { إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعاً } أي : إذا قل ماله وناله الفقر والعدم فهو جزوع من ذلك لا صبر له عليه . { وَإِذَا مَسَّهُ ٱلْخَيْرُ مَنُوعاً } أي : إذا كثر ماله فهو بخيل بما في يديه لا ينفقه في طاعة الله ولا يؤدي منه حق الله . - ثم قال تعالى ذكره : { إِلاَّ ٱلْمُصَلِّينَ } . ( أي ) : إلا الذين يطيعون الله بأداء فرائضه ، [ فليسوا ] بداخلين في عدد من خلق هلوعاً وهو [ كافر ] بربه . وذكر بعض العلماء أن المصلين هنا الذين كانوا مع رسول الله ، وهو قول ابن زيد . وقال غيره : هي في كل من صلى الخمس : قال النخعي { ٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ دَآئِمُونَ } عني به الصلوات الخمس . وقال [ عقبة بن عامر ] { دَآئِمُونَ } لا يلتفتون في صلاتهم خلفهم ولا عن أيمانهم ولا عن شمائلهم . - ثم قال : { وَٱلَّذِينَ فِيۤ أَمْوَٰلِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ } . أي : موقت ، وهو الزكاة { لِّلسَّآئِلِ } [ أي ] للذي يسأل { وَٱلْمَحْرُومِ } الذي حرم الغنى وهو فقير لا يسأل . قال قتادة : الحق المعلوم : " الزكاة المفروضة " . وعن ابن عباس أنه حقٌّ آخَر غير الزكاة . وسئل ابن عمر عن الحق المعلوم أهو الزكاة ؟ فقال : " إن عليك حقوقاً سوى ذلك " . وقال الشعبي : " إن في المال حقاً سوى الزكاة " ، وهو قول مجاهد . وهذا إنما هو على الندب والترغيب لا على الفرض ؛ لأن المسلمين قد أجمعوا ( على ) ألا فرض في المال سوى الزكاة المعلومة ، وقد تقدم ( ذكر ) اختلافهم في المحروم في " والذّارِيَاتِ " وأضفنا الأقوال إلى أصحابها ، ونحن نذكره هنا مجملاً : قيل : هو المحارف الذي لا سهم له في الإسلام . وقيل : هو الذي لا سهم له ( في ) الغنيمة . وقيل : هو الذي لا ينمى له مال . وقيل : هو الذي اجتيح ماله . وقيل : هو المصاب بزرعه . وقيل : هو " المتعفف " . - ثم قال : { وَٱلَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ } . أي : يؤمنون بالبعث والجزاء والجنة والنار . { وَٱلَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ } : أي : هم وَجِلُونَ في الدنيا خوفاً ( أن ) يعذبهم ربُّهم في الآخرة ، فهم من [ خوفه ] لا يضيعون فرائضه ولا يتعدون إلى ما حرم عليهم . - ثم قال تعالى : { إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ } : أي : لا يُؤمَن منه من عصى ربه . والوقف على " لَظَى " جائز حسن في قراءة من رفع " نَزَّاعَةٌ " ، على تقدير : هي نزاعة . ومن جعل { لَظَىٰ * ( نَزَّاعَةً ) } بدلاً من اسم " إن " وجعل " نَزَّاعَةٌ " " خبر " إن لم يقف على " لَظَى " . وكذلك إن رفع { نَزَّاعَةً } على البدل من { لَظَىٰ } أَوْ على أنها خبر بعد خبر ، وكذلك إن جعل الضمير في " إِنَّهَا " للقصة لم يقف على " لظى " ، / لأن " نزاعة " خبر " لظى " . فإن نصبت " نَزَّاعَةً " فعلى الحال من " لظى " ؛ لأنها معرفة . [ ولا ] يوقف أيضا - على هذا القول - على " لَظَى " . وقد رد المبرد النصب ومنع جوازه ، [ قال ] : لأنه لا يجوز أن تكون لظى إلا نزاعة للشوى ، وليس كذا سبيل الحال .