Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 71, Ayat: 5-24)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

- قوله تعالى : { قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي ( لَيْلاً وَنَهَاراً ) … } ، إلى قوله : { إِلاَّ ضَلاَلاً } . أي : قال نوح لما بلغ رسالة ربه قومه فعصوه : يا رب إني دعوت قومي إلى توحيدك ليلاً ونهاراً وحذرتهم عقابك على كفرهم بك فلم يزدهم دعائي ( لهم ) إلا إدباراً عن قبول ما جئتهم به . قال قتادة : بلغنا أنهم كانوا يذهب الرجل منهم بابنه إلى نوح فيقول لابنه : احذر هذا [ لا يغويك ] فإن أبي قد ذهب بي إليه وأنا مثلك فحذرني كما حذرتك . من رواية ابن شعبان عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يَجمَع اللهُ الأوَّلين ، والآخِرين ، ويَنزِل اللهُ في ظُلَلٍ منَ الغَمام فَيَكون أَوَّلَ من يَقْضي لَه نوحٌ وَقَومُه ، يَقولُ اللهُ لِقومِ نوحٍ : ماذا أجبتم المُرْسَلين ؟ قال : فَيقولُ نوحٌ : أيْ رَبِّ ، بَلَّغتُهم رسالتَك ودَعَوتُهم لَيلاً ونَهاراً فكذَّبوني واتَّهَموني ، فَيقولُ اللهُ لِقَوْم نوحٍ : ماذا تقولون ؟ فيقولون : ربَّنا ما بَلَّغَنا الرّسالة ، وقَد كان فينا حتى خَلَت قرونٌ ( بعد قرون ) ، وَقَد كَتَمَ الرِّسالةَ فلم يَدْعُنا وَلَم يُنذِرْنا ، فيقول الله لنوحٍ : ماذا تقول ؟ فيقول : رَبِّ ، لي بَيِّنَة ، فيقول الله : إِيتِ بِبَيِّنَتِكَ . قال النبي صلى الله عليه وسلم : فيأتي نوح فيقول : يا مُحمدُ ، أَسأَلُكَ الشَّهادةَ ، فإِنَّ قَومي قَدْ كذَّبوني عِندَ رَبّي وَجَحَدوا ، قال النبي عليه السلام : فَأَبْعَثُ معه رهطاً مِن أمتي يَشْهَدون له . قال : فيَنطلِق الرَّهط حتى يَقِفوا على الرّب ، فيقول الله لهم : بِمَ تَشْهَدون ؟ فيقولون : نَشهَدُ أن نوحاً قد بَلَّغَ قَومَه وَدَعاهُم لَيْلاً وَنَهاراً وسِرّاً وعَلانِية فَكذَّبوه واسْتَغْشَوْا ثِيابَهُم وأَصَرّوا وَاسْتَكْبَروا . فيقول اللهُ لقوم نوح : ما تقولون ؟ ( فيقولون ) : رَبّنا ، كيف يقبلون علينا وَنَحْن أولُ الأُمَمِ وهُمْ آخِر الأُمَمِ ؟ فيقول الله للرَّهطِ : أجيبوهم ، فيقول ( الرهط ) : ربَّنا ، بَعَثْتَ إِليْنا رسولاً من أَنفسِنا فآمَنّا به وصَدّقنا ما أَنْزَلتَ عَليْه مِنَ الكِتابِ ، فَكان فيما أَنزَلتَ عَلَيْه أَنَّك أَرْسَلتَ نوحاً إِلى قَومهِ فَبلَّغهم الرسالةَ وَدَعاهم لَيلاً ونَهاراً وسِرّاً وعلانيةً فكذَّبوه ، قال : فيقرأون سورة " نوح " ، فيقول قوم نوح : خصمنا فقوموا . قال النبي صلى الله عليه وسلم : فما من نبيٍّ يُكذِّبه قومُه إِلاَّ يَأْتينا ، فَأَبْعَثُ مَعهُ رَهطاً مِن أُمَّتي يَشْهَدون لَه وَأنا عَلَيهم [ شهيدٌ ] " . - ثم قال : { وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوۤاْ أَصَابِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِمْ وَٱسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ … } . أي : وإني كلما دعوتهم إلى طاعتك والعمل بمرضاتك لتغفر لهم إذا فعلوا ذلك ، أدخلوا أصابعهم في آذانهم لِئَلاَّ يسمعوا دعائي ( إياهم إلى ذلك ، واستغشوا ، أي تغطَّوا بها لِئَلاَّ يُسْمَعَ دعائي ) . - ثم قال { وَأَصَرُّواْ وَٱسْتَكْبَرُواْ ( ٱسْتِكْبَاراً ) } : أي : أَصروا على كفرهم ، أي : تمادوا عليه ، واستكبروا عن قبول ما جئتهم به من الحق وقبول الإيمان . - ثم قال : { ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً * ثُمَّ إِنِّيۤ أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً } . أي : ثم إني دعوتهم إلى ما أمرتني به من عبادتك دعاءً ظاهراً غيرَ خَفِيّ . قال مجاهد : الجِهار : الكلام المعلن ( به ) " . { ثُمَّ إِنِّيۤ أَعْلَنْتُ } أي صرخت وصِحْتُ بالذي أمرتني به من الإنذار . قال مجاهد : أَعْلَنتُ : " صِحْتُ بهِم " ، وَأَسْرَرْتُ لَهُمُ ( أي ) : قلت لهم ذلك فيما بيني وبينهم . - { فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ … } . أي : سلوا ربكم المغفرة عن ذنوبكم وتوبوا إليه من كفركم يغفر لكم ذنوبكم . - { إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً } . أي : لم يزل غفارا لمن تاب إليه واستغفره . - ثم قال : { يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً } . أي : إن تبتم واستغفرتم من ذنوبكم أرسل السماء عليكم بالمطر متتابعاً . وكان عمر رضي الله عنه إذا [ استسقى ] ما يزيد على الاستغفار ، وسئل عن ذلك فقرأ هذه الآية ، وقرأ الآية في هود في قصة هود : { وَيٰقَوْمِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ } [ هود : 52 ] الآية . - ثم قال : { مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً } . ( أي : ما لكم لا ترون لله عظمة ، ذكر ذلك عن ابن عباس ، وهو قول مجاهد . وعن ابن عباس أيضاً أن معناه : " ما لكم لا تعظمون الله حق عظمته " . وقال قتادة : معناه : " { مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ } عاقبة " . وقال ابن زيد : معناه : ما لكم لا ترون لله طاعة . وقال الحسن : معناه ما لكم لا تعرفون لله حقاً ولا تشكرون له نعمة . و " ترجون " هنا - في أكثر الأقوال - / بمعنى : تخافون . - ثم قال : { وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً } . أي : خلقكم نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم ثم ، وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك ، إلا أنهم اختلفوا في الترتيب ، فمنهم من بدأ بالتراب ثم النطفة حتى بلغ ( تمام الخلق . ومنهم من بدأ بالنطفة حتى بلغ ) نبات الشعر وحتى بلغ اللحم . وقيل : معناه : وقد خلقكم مختلفين المناظر والألوان والكلام والصور [ والعمر ] والهمم وغير ذلك . وقيل : هو الصحة والسقم ، من قولهم : جاز فلان طوره ، أي : خالف ما يجب أن يستعمله . والطور في اللغة : المرة . فالمعنى : وقد خلقكم مراراً ، أي خلقكم تراباً ، ثم نقلكم إلى النطفة [ ثم إلى العلقة ] ثم إلى المضغة ، ثم عظاماً ، ثم يكسو العظام اللحم ، ثم أنبت الشعر ، ثم أخرجه طفلاً ، ثم صبياً ، ثم بالغاً ، ثم حدثاً ، ثم رجلاً ، ثم كهلاً ، ثم شيخاً . - ثم قال تعالى : { أَلَمْ تَرَوْاْ كَيْفَ خَلَقَ ٱللَّهُ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ طِبَاقاً } . أي : وقال نوح لقومه : ألم تروا كيف خلق الله فوقكم سبع سماوات طبقاً فوق طبق ، فيدلكم ذلك من قدرته على وحدانيته وتعتبروا وتزدجروا عن كفركم . والطباق مصدر من قولهم : [ طابقه ] ( مطابقة ) وطباقاً . فالمعنى : ألم تروا كيف خلق الله سماء فوق سماء مطابقة ؟ ! . ويجوز أن يكون " طباقاً " [ نعتاً ] لـ " سبع " ، جمع طبق . ومعنى ألم تروا كيف [ خَلَقَ اللهُ ] : [ اعلموا ] أن الله خلق ذلك . ولو كان على غير الأمر ، معناه لقالوا ما نرى إلا واحدة ، ولكن معناه الأمر كما تقول : غفر الله لك ، اللهم اغفر له ، لأنك لست تخبره عن أمر [ علمته ] ، إنما هو دعاء يتمنى كونه له . ومن هذا قول الرجل [ للرجل ] أَلَمْ تَرَ أَنِّي لقيت زيداً فقلت له كذا وقال لي كذا ؟ . معناه : اعلم أني لقيت زيداً فكان من أمره وأمري كذا وكذا . ومثله : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ } [ الفيل : 1 ] . وقيل : معناه : ألم يبلغكم كيف خلق الله سبع ( سماوات ) طباقاً فتتعظوا وتزدجروا ؟ وكذلك معنى الآية الأخرى : ألم يبلغك يا محمد كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ، ولم أُوحِ إليك كيف فعلت بهم ؟ - ثم قال { وَجَعَلَ ٱلْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً … } . أي : في السماوات ، قال المفسرون : بين كل سماء وسماء مسيرة خمسمائة عام . فقال السائل : نحن نرى الغيم يكون دون القمر فلا نرى نوراً ، فكيف تضيء السماوات كلها بالقمر على تفاوت ما بينها ، وستر بعضها بعضاً ؟ ، فقيل في ذلك : إن هذا الكلام [ مجاز ] ، إنما قال : " فيهن " ، [ يريد ] : في بعضهن ، كما تقول العرب : أتيت بني تميم ، وإنما أتى بعضهم ، [ وتقول ] : في هذه الدور وليمة ، وإنما هي في واحدة منهن . وتقول : قدم فلان في شهر كذا ، وإنما قدم في يوم منه . فلذلك أخبر بالقمر أنه في سبع سماوات وإنما هو في واحدة . وقيل معناه : وجعل القمر معهن نوراً ، أي : خلقه نوراً مع خلقه للسماوات فيكون مثل : { ٱدْخُلُواْ فِيۤ أُمَمٍ } [ الأعراف : 38 ] . وقال ابن كيسان : إذا جعله في إحداهن فقد جعله فيهن ، كما تقول : أَعطِني من الثياب [ المعلمة ] ، وإن كنت إنما أعلمت أحدها . وقد قال ابن عمر : إن الشمس والقمر وجوههما في السماء وأقفاؤهما في الأرض . وقال عبد الله بن عمرو بن العاص : إن ضوء الشمس والقمر ونورهما في السماء ، وقرأ : { أَلَمْ تَرَوْاْ كَيْفَ … } الآية . وقيل : التقدير : وجعل القمر نوراً ، ثم قال : " فيهن " بعدما مضى الكلام . وسأل عبد الله بن عمر رجل فقال له : ما بال الشمس تَصْلاَنا أحياناً وتبرد أحياناً ؟ فقال : أما في الشتاء فهي في السماء السابعة تحت عرش الرحمن ، وأما في الصيف فهي في السماء الخامسة ، قيل له : ما كنا نظن إلا أنها في هذه السماء . قال : لو كان ذلك ما قام لها شيء إلا أحرقته . - ثم قال : { وَٱللَّهُ أَنبَتَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ نَبَاتاً } . أي : أنبتكم من تراب فخلقكم منه فنبتم نباتاً ، يعني آدمَ أَبَا الخلقِ خَلَقَهُ من تراب الأرض . - { ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا . … } . أي : في الأرض فتصيرون تراباً . - { [ وَيُخْرِجُكُمْ ] … } . منها إلى البعث . - ثم قال : { وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ بِسَاطاً } . [ هذا ] كله [ إخبار ] من الله جل ذكره لنا عن قول نوح لقومه ووعظه لهم وتنبيهه لهم على آيات الله ونعمه عندهم . فالمعنى : جعل لكم الأرض بساطاً لتستقروا عليها ، { لِّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً } . أي : طرقاً واسعة . وقال ابن عباس : { سُبُلاً فِجَاجاً } ، أي : " طرقاً مختلفة " . - ثم ( قال تعالى ) : { قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَٱتَّبَعُواْ مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً } . أي : قال نوح لمّا عصاه قومه : يا رب ، إنهم عصوني فيما بَلَّغتُهم عنك فلم يقبلوه واتبعوا أمر من لم يزده ماله وولده إلا خساراً ، أي : اتبعوا في معصيتهم إياي من كثر ماله وولده فلم يزده ذلك إلا بعداً منك - يا رب - [ وذهاباً ] عن سبيلك . ومن قرأ " وُلده " بالضم احتمل أن يكون / جمع " وَلَد " ، ك " وُثُن " جمع " وَثَن " ، ويجوز أن يكون واحداً يراد به ( غير ) الولد : ( وقد قال مجاهد : وُلده : زوجه وأهله ) ، وقال أبو عمرو : وُلده : عشيرته وقومه . وقال أكثر ( أهل ) اللغة : الوَلد والوُلد بمعنى واحد . - ثم قال : { وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً } . أي : كبيراً ، يقال كُبَارٌ وكُبَّارٌ بمعنى كبير ، كما يقال : " أمر عجيب " ، وعُجاب بمعنى واحد . ورجل حُسَانٌ وحُسَّان بمعنى . وجَمَال وجُمَّال بمعنى جميل . قال مجاهد : { كُبَّاراً } " عظيماً " . - ثم قال : { وَقَالُواْ لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ … } . أي : وقال بعضهم لبعض : لا تذرن عبادة آلهتكم [ لقول ] نوح { وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً } . [ " هذه أسماء أصنام كانوا يعبدونها : أما وُدّ ، فكانت لكلب بدومة الجندل ، وأما سُواع فكانت لهذيل ، وأما يَغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف ( بالجرف ) عند سبأ ، وأما يعوق فكانت لهمدان ، وأما نسر فكانت لحِمْيَر ، لآل ذي الكلاع " ] . قال محمد بن قيس : [ هذه الأسماء ] أسماء قوم صالحين بين آدم ونوح وكان لهم تباع يقتدون بهم ، فماتوا ، فقال تباعهم : لو صورناهم كان أشرف لنا نتذكرهم [ فنفعل ] مثل ما كانوا يفعلون ، فصوروهم ثم ماتوا ، وجاء آخرون فدب فيهم الشيطان ، فقال : إنما كانوا يعبدونهم وبهم يسقون المطر فعبدوهم ، فكان قوم نوح يحض بعضهم بعضاً على عبادتهم وترك قبول [ قول ] نوح . وقيل : بل [ كانوا أصناماً ] يعبدونها ( من دون الله ) قاله ابن عباس وغيره . - ثم قال { وَقَدْ أَضَلُّواْ كَثِيراً … } . هذا إخبار عن قول نوح ، أي وقد أضلت هذه الأصنام كثيراً من الخلق ، أي ضل بعبادتها كثير . - ثم قال : { وَلاَ تَزِدِ ٱلظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلاَلاً } . أي : لا توفقهم حتى يموتوا على ضلالتهم فكلما عاشوا ازدادوا إثماً وضلالاً .