Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 76, Ayat: 14-22)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

- [ قوله تعالى ] : { وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا } إلى قوله : { مَّشْكُوراً } . أي : وقربت منهم ظلالها . وانتصب { دَانِيَةً } على العطف على { جَنَّةً } . والتقدير : وجزاهم جنة دانية . ويجوز أن يكون [ حالاً عطفاً ] على { مُّتَّكِئِينَ } أو على { ( لاَ ) يَرَوْنَ } ، ويجوز أن يكون صفة للجنة . ويجوز أن يكون على المدح مثل : { [ وَٱلْمُقِيمِي ] ٱلصَّلاَةِ } [ الحج : 35 ] فهو - [ و ] إن كان نكرة - فإنه يشبه المعرفة ، إذ قال طال الكلام به . وقرأ ابن مسعود : { وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ } ، حَمَلَهُ على تذكير الجمع وهو ظلالها . وفي قراءة أُبَيّ ( ودانٍ ) ، على أنه [ في ] موضع رفع مثل : قَاضٍ المرفوع . حمله [ على ] أنه خبر { ظِلاَلُهَا } مقدم . - ثم قال تعالى : { وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً } . قال مجاهد : معناه : إن قام ارتفعت بقدرة ( الله ) ، ( فإن ) قعد تذللت حتى ينالها ، وإن [ اضطجع ] تذللت حتى ينالها . وقال قتادة : معناه " لا يَرُدُّ أيديهم عنها [ بعد ] ولا شوك " . قال سفيان : { وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا } قال : " يتناوله كيف شاء ، جالساً ومتكئاً " . قال مجاهد : أرض الجنة وَرِقً ، وتُرْبُهَا مسك ، وأصول شجرها ذهب ، ووَرَق أفنانها لؤلؤ وزبرجد وياقوت ، والثمر تحته . - ثم قال تعالى : { وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً } . " ويقال : " المذلل الذي قد ذللـه الماء أي أرواه " . " ويقال : المذلل الذي [ يُفَيِّئُهُ ] [ أدنى ] ريح " . " ويقال : المذلل : المسوى " . وأهل الحجاز يقولون : [ ذلل ] نَخْلَكَ . أي : سوه . ويقال : المُذَلَّلُ : القريب المُتَنَاوَل . من قولهم : [ دابة ] ذليلُ " أي : قصيرة . هذه أقول أهل اللغة . - ثم قال تعالى : { وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ } . أي : ويطاف على هؤلاء الأبرار في الجنة بآنية في بياض الفضة وصفاء القوارير . قال مجاهد : فيها رقة القوارير في بياض الفضة . وهو قول قتادة . - وقوله : { وَأَكْوابٍ } . أي : " ويطاف عليهم مع الأواني بجرار ضخام فيها الشراب . وكل جرة ضخمة لا عروة لها [ فهي ] كوب " . وقال مجاهد : الكوب : [ الكوز ] الذي لا عروة له . وهو قول أكثر المفسرين . وقال قتادة : هو القِدْحُ . - وقوله : { كَانَتْ قَوَارِيرَاْ * قَوَارِيرَاْ } . [ أي ] : كانت هذه الأواني والأكواب قوارير فحولها الله فضة . وقيل : إن قوله : { وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ } يدل على أن أرض الجنة من فضة . لأن المعلوم في الدنيا المتعارف أن كل آنية ( تتخذ ) فإنما تتخذ من تربة الأرض التي [ هي ] فيها ، فدل على أن أرض الجنة من فضة بقوله : { وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ } . قال أبو صالح : كان تراب هذه الأواني فضة . - وقوله : { قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً } . أي : قدروا تلك الأواني على قدر [ رِيِّهم ] ، لا تزيد ولا تنقص في ذلك ، يعني : [ قدرها ] الملائكة [ الطائفون ] بالآنية والأكواب . قال الحسن : " قُدِّرت [ لِريِّ ] القوم . وهو قول قتادة وابن زيد ومجاهد . وعن ابن عباس أن معناه ( وقدروها ) على قدر الكف . والمعنى : [ قدرها ] لهم السقاة الذين يطوفون عليهم بها ، فلذلك نسب إليهم . وقيل : معناه : وجدوها كذا ، فنسب الفعل إليهم لمناولتهم إياها لهم . وقرأ الشعبي وعبيد بن عمير وابن أبزى : " قُدِّرُوهَا تَقْدِيراً " - بضم القاف - أي : قدرت ( عليهم ) لا تزيد ولا تنقص . - وقوله تعالى : { وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً } . أي : ويسقى هؤلاء الأبرار في الجنة شراب ( كأس ) . والكأس : كل إناء فيه شراب . فإذا كان فارغاً من الخمر لم يُقَلْ له كأس ، ويقال له قدح . كذلك لا يقال للخِوان : مائدة حتى يكون [ عليه ] الطعام . - قوله : { كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً } . أي : كان مزاج شراب الكأس زنجبيلاً . قال قتادة : " تمزج بالزنجبيل " . وقال ( قتادة في رواية ابن جبير عنه ) : الزنجبيل : اسم للعين يشرب منها المقربون صرفاً ، وتمزج لسائر أهل الجنة . والعرب تضرب المثل بالخمر إذا مزجته بالزنجبيل ، وكانوا يستطيبون ذلك . فخوطبوا على ما يعرفون . هذا يدل على قول قتادة الأول . - وقوله : { عَيْناً فِيهَا تُسَمَّىٰ سَلْسَبِيلاً } . { عَيْناً } منتصبة على ما انتصب { عَيْناً } ( الأول ) . ( قال ) قتادة : معنى { سَلْسَبِيلاً } . " سلسة يصرفونها حيث شاءوا " . وقال مجاهد : { سَلْسَبِيلاً } أي " [ سلسة ] الجرية " . وقيل : هو اسم للعين ، ويلزم من قال هذا ألا يصرفه . قال النحاس : هي فعلليل من [ السلاسة ] . وهذا غلط ، لأنه كان يجب أن يقال : [ سلسليل ] ، ولا يكون فيه [ باء ] . [ و ] حكى سيبويه أن نظيره قفشليل . - ثم قال تعالى : { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ } . " أي : لا يموتون " . وقيل : معناه مسورون . وقيل : مقرطون ، وذلك بلغة حِمْيَر . يعني بذلك أنهم شباب لا يتغيرون عن ذلك السِن . تقول العرب للرجل إذا كبر وثبت سواد شعره إنه لَمُخْلِدٌ ، وكذلك إذا كَبِرَ [ وثبتت ] أضراسه ، يراد به أنه [ لثابت ] الحال . - ثم قال تعالى : { إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ / لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً } . أي : إذا رأيت - يا محمد - هؤلاء الولدان ، ظننتهم في حسنهم ونقاء بياض وجوههم [ وكثرتهم ] لؤلؤاً منثوراً ومجتمعاً . قال قتادة : { لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً } يعني من [ كثرتهم ] وحسنهم . قال [ ابن عمرو ] : ما من أهل الجنة من أحد إلا يسعى عليه ألف غلام ، وكل غلام على عمل ما عليه صاحبه . قال سفيان : { حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً } قال : " في كثرة اللؤلؤ وفي بياض اللؤلؤ " . وروى جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَلاَ يَبُولُونَ وَلاَ [ يَتَغَوَّطُونَ ] وَلاَ يَمْتَخِطُونَ ، [ يَصِيرُ ] طَعَامُهُم وشَرَابُهُم [ جُشَاءً ] ، وَرَشْحَ مِسِكٍ ، يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ والحَمْدَ كَمَا تُلْهَمُونَ النَّفْسَ " . - ثم قال تعالى : { وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً } . أي : وإذا رأيت - يا محمد - ما ثم رأيت نعيماً . وأكثر البصريين على أن { ثَمَّ } نصبه على الظرف ، ولم يُعَدَّ { رَأَيْتَ } ، كما تقول : ظننت في الدار " فلا تعدي " ظننت " . وقال الأخفش : { ثَمَّ } مفعول بها ، و { رَأَيْتَ } بمعنى نظرت ، و { ثَمَّ } إشارة إلى الجنة . - وقوله : { وَمُلْكاً كَبِيراً } . أي : ( و ) رأيت مع النعيم ملكاً عظيماً . روي : أَنَّ أَدْنَى أَهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً مَنْ يَنْظُرُ فِي مُلْكِهِ في مَسِيرَةِ أَلْفِ عَامٍ ، يَرَى أَقْصَاهُ كَمَا يَرَى أَدْنَاهُ . وقيل : الملك الكبير هنا عني به تسليم الملائكة عليهم واستئذانهم عليهم . قاله مجاهد وسفيان . روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً لَيَنْظُرُ فِي مُلْكِهِ أَلْفَيْ عَامٍ ، يَنْظُرُ أَزْوَاجَهِ وَسُرُرَهُ وَخَدَمَهُ ، وَإِنَّ أَفْضَلَهُمْ مَنْزِلَةً لَيَنْظُرُ فِي وَجْهِ رَبِّهِ - جَلَّ وَعَزَّ - فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ " . قال أحمد بن ثعلبة عن أبيه أنه ( قال ) في قوله تعالى : { وَمُلْكاً كَبِيراً } هو أ [ ن ] ( رسول ) رب العزة يأتيه بالتُّكف واللُطْفِ فلا يصل إليه إلا بحجاب ، ومن داره إلى دار السلام باب يدخل منه على ربه إذا شاء بلا إذن ، فذلك ( الملك ) الكبير . وقال الفزاري : لكل مؤمن في الجنة أربعة أبواب ، باب يدخل عليه منه زواره من الملائكة ، وباب تدخل عليه ( منه ) أزواجه الحور ، وباب مقفل بينه وبين أهل النار يفتحه إذا شاء ينظر إليهم فتعظم النعمة عليه ، وباب بينه وبين دار السلام يدخل على ربه إذا شاء . قال كعب : من الجنة إلى النار كِوَاءٌ يتطلع منها رجال من ( أهل ) الجنة إلى رجال من أهل النار ينظرون إلى عذابهم . ثم قرأ كعب : { فَٱطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَآءِ ٱلْجَحِيمِ } [ الصافات : 55 ] أي : في وسطها . - ثم قال تعالى : { عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ [ خُضْرٌ ] وَإِسْتَبْرَقٌ } . من أسكن الياء في { عَالِيَهُمْ } جعله مرفوعاً بالابتداء ، وما بعده خَبَرُه ، وشَاهِدُهُ أن في قراءة ابن مسعود " عَالِيَتُهُمْ ثياب " . ومن فتح الياء جعله ظرفاً خبرَ ( ابتداءٍ ) مُقَدَّمٍ ، وهو " ثِيَابٌ " . وشَاهِدُهُ أن [ مجاهداً ] قرأ " عَلَيْهِمْ ثِيَابُ " . والسندس : رقيق الديباج ، والاستبرق : غليظه . فالمعنى : أن الثياب الخضر تعلو ثياب أهل الجنة . هذا على قراءة من رفع الخضر وخفض السندس . وقيل : معناه أن الثياب الخضر فوق حجالهم لا عليهم . قال الطبري : { عَالِيَهُمْ } أي : " فوقهم ، يعني : فوق هؤلاء الأبرار ثياب سندس " . هذا كله على قراءة من فتح الياء . ومن أسكنها فمعناه : ظاهرهم ثياب سندس . وقرأ ابن محيصن : " وَاسْتَبْرَقَ " بوصل الألف وفتح القاف . وهو لحن عند النحوين ، لأنه لا يمتنع مثل هذا من الصرف في النكرة . ولأنه لا توصل ألف مثل هذا ( في التسمية به ) ، لو سميت بِـ " اسْتَكْبَرَ " لقطعت الألف ، لانتقاله من الأفعال إلى الأسماء . هذا قول الخليل وسيبويه . - ثم قال تعالى : { وَحُلُّوۤاْ أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ } . أي : وحلاهم ربهم أساور من فضة ، وهو جمع أسورة . - ثم قال : { وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً } . أي : شراباً يصير رشْحاً في أبدانهم ( كرشح المسك ) ، لا يصير بولاً نجساً كشراب الدنيا . قال النخعي : " إن الرجل من أهل الجنة ( يُقْسَمُ له شهوة مائة رجل من أهل الدنيا ) وأكلهم ونعمتهم ، فإذا أكل سقي شراباً طهوراً فيصير رشحاً يخرج من جلده أطيب من المسك الأذفر ، ثم تعود شهوته " . - ثم قال تعالى : { إِنَّ هَـٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَآءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُوراً } . أي : يقال لهم : إن هذا النعيم الذي ذكر في الجنة كان لكم جزاء على أعمالكم في الدنيا وطاعتكم . وإن عملكم متقبلاً . قال قتادة : " غفر لهم الذنوب ، وشكر لهم الحسن " . وقال مرة أخرى : " لقد شكر سعياً قليلاً " .