Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 76, Ayat: 3-13)
Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
- قوله تعالى : { إِنَّا هَدَيْنَاهُ ٱلسَّبِيلَ } ، إلى قوله : { وَلاَ زَمْهَرِيراً } . أي : إنا بينا له طريق الحق وعرَّفناه . قال مجاهد : { إِنَّا هَدَيْنَاهُ ٱلسَّبِيلَ } : الشقاوة والسعادة . وقال قتادة : { إِنَّا هَدَيْنَاهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً } لنعم الله { وَإِمَّا كَفُوراً } لها . وقال ابن زيد : { إِنَّا هَدَيْنَاهُ ٱلسَّبِيلَ } قال : [ ننظر ] أي شيء يصنع وأي الطريقين يسلك . ومعنى " إما " في هذا الموضع كمعنى : [ " أو " إلا أنها ] تدل على المعنى في أول الكلام . ودليل ذلك قول المفسرين : إن معناه : إما شقياً وإما سعيداً . والشقاوة والسعادة يفرغ منهما وهو في بطن أمه . وقيل : { شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً } : حالان مقدران . وأجاز الفراء أن [ تكون ] " ما " زائدة [ و " إن " ] للشرط . والمعنى على هذا : " إنا هديناه السبيل إن شكر وإن كفر " . وفيه بعد لأن " إن " التي للشرط لا تقع على الأسماء إلا بإضمار فعل ، ولا يحسن ذلك هنا . وقيل : تقديره على قول الفراء : " إن كان شاكراً أو كان كفوراً " . - ثم قال تعالى : { إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلاَ وَأَغْلاَلاً وَسَعِيراً } . أي : إنا أعتدنا لمن كفر ( وأعرض عن الإيمان ) وجحد النعم [ { سَلاَسِلاَ } ] يوثقون بها في الجحيم { وَأَغْلاَلاً } تغل بها أيديهم إلى أعناقهم { وَسَعِيراً } أي : وناراً تسعر عليهم فتوقد . فمن لم ينون [ { سَلاَسِلاَ } ] أتى به على منع الصرف لأنه جمع لا نظير له في الواحد ، وهو نهاية الجمع ، فثقل فمنع الصرف . ومن وقف عليه بألف مع منعه لصرفه فعلى لغة مسموعة عن العرب . حكى الرؤاسي والكسائي أن العرب تقف على ما لا يتصرف في حال الفتح بألف [ لبيان ] الفتحة . وله حجة أخرى : وذلك أنه في بعض المصاحف بألف . فاتَّبَعَ السَّوَادَ في الوقف ، واتبع أصل الإعراب في الوصل . فأما من نونه ، فعلى لغة مسموعة من بعض العرب . حكى الكسائي وغيره من الكوفيين أن بعض [ العرب يصرف كل ما ] لا ينصرف إلا " أفعل منك " . وقال بعض أهل النظر : كل ما يجوز في الشعر يجوز في القرآن ، لأن الشعر أصل كلام العرب ، والعرب تصرف هذا ونحوه في الشعر . وقيل : إنما صرف لأنه أُتْبِعَ بما بعده ، وهو [ { وَأَغْلاَلاً } ] . وكذلك الحجة في { قَوَارِيرَاْ * قَوَارِيرَاْ } [ الإنسان : 15 - 16 ] ، عند من منع صرفه ووقف بالألف . أو بغير ألف أو صرفه . - ثم قال تعالى : { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً } . أي : إن الذين بروا ربهم بطاعتهم في أداء فرائضه واجتناب محارمه يشربون في الآخرة { مِن كَأْسٍ } ، وهو كل إناء فيه شراب كان مزاج ما فيها من الشراب { كَافُوراً } يعني أن [ طيب ] رائحة الشراب كالكافور . وقيل : الكافور هنا اسم لعين ماء في الجنة . فعلى هذا ، تكون { عَيْناً } بدلاً من " كافور " . ومن جعل الكافور صفة للشرب نصب { عَيْناً } على الحال من المضمر في { مِزَاجُهَا } . وقيل : انتصب عين على إضمار أعني ، [ وقيل : هي مفعول بها بمعنى : يشربون عيناً يشرب بها عباد الله . وقيل : هي نصب على المدح ] وقيل : التقدير : " من عين " ، قلما حذف الحرف نصب . وقال الحسن : " الأبرار : الذين لا يؤذون الذر [ ولا يرضون الشر ] " . وقال محارب بن دثار : إنما سموا أبراراً لأنهم بروا الآباء والأبناء . فكما أن لوالديك [ عليك ] حقاً ، كذلك لولدك عليك حق . وروى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إنْ أَبَرَّ الْبِرِ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ أَهْلَ وُدِّ أبيه " . قال مجاهد : { كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً } تمزج ( به ) . قال قتادة : " قوم تمزج لهم بالكافور وتختم ( لهم ) بالمسك " . - ( وقوله : { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ … } . أي : يشربها . وقيل : التقدير : يروي بها عباد الله الذين يدخلهم جنته . وقيل : يعني بعباد الله : الأبرار خاصة الذين تقدم ذكرهم . دليله قوله : { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا ٱلْمُقَرَّبُونَ } [ المطففين : 28 ] ، وهم الأبرار تمزج لهم بالكافور وتختم بالمسك ) . - ثم قال : { يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً } . أي : [ يفجرون ] تلك العين كيف شاؤوا حيث شاؤوا من منازلهم وقصورهم . والتفجير : الإسالة للماء والإجراء له . قال مجاهد : يعدلون بها / حيث شاءوا ويعيدونها حيث شاءوا . ويروى أن أحدهم إذا أراد أن يتفجر [ له ] الماء شق ذلك الوضع بعود فجرى فيه الماء . - قال تعالى : { يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ } . أي : يوفون بكل ما يجب عليهم ، نذروه أو لم ينذروه . وقال الفراء : التقدير كانوا يوفون بالنذر في الدنيا . وكانوا { يَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً } ، أي : فاشياً ظاهراً منتشراً ممتداً . قال قتادة : { يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ } : " بطاعة الله وبالصلاة وبالحج والعمرة " . وقال سفيان : { يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ } : " في غير معصية " ، ويخافون عذاب الله في تركهم الوفاء في يوم كان شره ممتداً . ( قال قتادة ) " استطار والله شر ذلك اليوم حتى ملأ السماوات والأرض " . وقال الفراء : { مُسْتَطِيراً } أي : [ مستطيلاً ] . يقال : استطار الشيء إذا انتشر . - ثم قال تعالى : { وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ … } . أي : على حبهم إياه وشهوتهم له ، { مِسْكِيناً … } أي : ذا حاجة ، { وَيَتِيماً } ، وقوله { وَأَسِيراً } قال قتادة : هو المَأْسُورُ عندك المُشْرِك ، قال : وأخوك المسلم أحق منه . وقال عكرمة : الأسير - في ذلك الزمان - المشرك . قال الحسن : " ما كان أسراؤهم [ إلا ] المشركين " . وقال مالك : يعني أسرى المشركين . وقال مجاهد : الأسير - هنا - المسجون من المسلمين . وهو قول ابن جبير وعطاء . وهذا كله من صفة الأبرار . - ثم قال : { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ … } . أي : يقولون إذا هم أطعموهم : إنما نطعمكم طلب رضاء الله والتقرب إليه . - { لاَ نُرِيدُ … } منكم أيها الناس على إطعامنا لكم . - { جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً } . و { شُكُوراً } يحتمل أن يكون جمع " شُكْرٍ " وأن يكون مصدراً . قال مجاهد : " أَمَا إنَّهُمْ ( ما ) تكلموا به ، ولكنَّ الله عَلِمَه من قلوبهم فأثنى به عليهم لِيَرْغَبَ فِي ذَلِكَ رَاغِبٌ " . ومثلَ ذلك قال ابن جبير . وكذلك روى [ الفِرْيَابِي ] عن سالم الأفطس عن ابن عمر . - ثم قال تعالى : { إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً } . أي : إنما نطعمكم رجاء أن [ يؤمننا ] الله عقوبته في يوم شديد تعبس فيه الوجوه من شدة هوله وطول بلائه ، فهو نعت لليوم بمعنى النسب ، كما قال : { فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } [ الحاقة : 21 ] والقمطرير : الشديد ، ومثله [ القماطر ] ، وقد اقمطر اليوم [ يقمطر اقمطراراً ] : إذا اشتد بلاؤه ، ومثله يوم عصيب وعصبصب . قال ابن عباس في قوله : { يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً } قال : " يعبس الكافر يومئذ حتى يسيل من [ بين ] عينيه عرق مثل القطران " . وقال قتادة : " عبست فيه الوجوه وقبضت ما بين أعينها كراهية لذلك اليوم " ، وهو قول مجاهد . وعن ابن عباس أن العبوس : الضيق ، والقمطرير : الطويل . وقال ابن زيد : " العبوس : الشر " . - ثم قال تعالى : { فَوَقَٰهُمُ ٱللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ ٱلْيَومِ } . أي : وقاهم ما كانوا يحذرون في الدنيا من شر ذلك اليوم بما كانوا يعملون في الدنيا . - ثم قال تعالى : { وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً } . قال الحسن : " [ نضرة ] في الوجوه وسروراً في القلوب " وكذلك قال قتادة . وقال ابن زيد : نعمة وفرحاً . وروي أن هذا كله نزل في علي بن أبي طالب رضي الله عنه . ثم هو عام في من كان على [ منهاجه في فعله ] . - ثم قال تعالى : { وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيراً } . أي : وأثابهم بصبرهم في الدنيا على طاعة الله واجتناب محارمه دخول جنته . واستعمال الحرير في اللباس والفرش . - { مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَىٰ ٱلأَرَائِكِ } . نصب { مُّتَّكِئِينَ } على الحال من الهاء والميم في { جَزَاهُمْ } . " وجزى " هو العامل في الحال . ولا [ يحسن ] أن يعمل فيه { صَبَرُواْ } لأن الصبر كان في الدنيا والاتكاء في الآخرة . ويجوز أن ينتصب على النعب للجنَّة " لأنه قد عاد [ عليها ] من نعتها عائد ( وهو ) { فِيهَا } . وقوله : { عَلَىٰ ٱلأَرَائِكِ } ، واحد الأرائك : أريكة وهي [ السرر ] في الحجال . - وقوله { لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً [ وَلاَ زَمْهَرِيراً } . " شمساً " ] في موضع الحال من الهاء والميم ، ( أو ) في موضع النعت لجنةً ، أي : غير رائين في الجنة شمسا تؤذيهم بحرها ، ولا برداً شديداً يؤذيهم [ بشدته ] . قال مجاهد : الزمهرير : البرد : المُقَطِّعُ . وقال قتادة : " علم الله جل ذكره أن شدة البرد [ مؤذ ] . وشدة الحر مؤذ . فوقاهم إياهما " . والزمهرير : لون من عذاب جهنم .