Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 78, Ayat: 15-36)

Tafsir: al-Hidāya ilā bulūġ an-nihāya

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

- قوله تعالى : { لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً } إلى قوله : { عَطَآءً حِسَاباً } . أي : أنزلنا الماء لنخرج به من الأرض لكم حباً ، يعني القمح والشعير وسائر القطنية ، { وَنَبَاتاً } يعني ما ترعى البهائم . - { وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً } . أي : وثمر جنات ملتفة مجتمعة قال ابن عباس : " التف بعضها ببعض " . وهو قول مجاهد وقتادة وغيرهما . وقال الأخفش وأبو عبيدة : واحد الألفاف لِفٌّ . وقيل : لَفِيفٌ وحكى الكسائي أنه جمع الجمع ، وواحده " لَفَّاءُ " كحمراء ، ثم جمعت لَفَّاءُ على ( لِفّ [ كحمر ] ثم جمعت " لِفٌّ " على ) ألفاف ، [ كخف ] وأخفاف . قال ابن مسعود : يرسل الله جل وعز الرياح فتأخذ الماء من السماء فتجريه في السحاب [ فتذريه ] كما تذر اللقحة . - ثم قال تعالى : { إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً } . أي : يوم يفصل الله فيه بين خلقه كان ميقاتاً لما أعد الله للمكذبين بالبعث ولنظرائهم من الخلق . قال قتادة : هو يوم عظمه الله يفصل فيه بين الأولين والآخرين . - ثم أبدل من { يَوْمَ } للبيان فقال : - { يَوْمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً } . أي : يوم الفصل بين الخلق يوم ينفخ إسرافيل في الصور فتأتون من قبوركم إلى المحشر { أَفْوَاجاً } [ أي ] : زُمَراً زُمَراً . روي أن كل أمة تأتي مع رسولها [ يوم القيامة ] ، وهو قوله : { يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ } [ الإسراء : 71 ] . - ثم قال تعالى : { وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً } . [ أي ] : وشققت السماء وصدعت ( فكانت ) طرقاً . وقيل : تصير قطعاً كقطع الخشب المشققة لأبواب الدور والمساكن . والمعنى : وفتحت السماء فكانت قطعاً كالأبواب ، ( فلما سقطت الكاف صارت الأبواب ) خبرا . وكذلك قوله : { وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً } . أي : صارت لا شيء ، كما أن السراب لا شيء ، وذلك أنها تنسف فَتُجْتَثُّ من أصولها فتصير هباء منبثاً لعين الناظر كالسراب الذي يظنه ( الناظر ) ماء وهو في الحقيقة ليس بماء ، إنما هو هباء . - ثم قال تعالى : { إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً } . أي : إن جهنم كانت ذات ارتقاب ترتقب من يجتاز بها وترصدهم ، ولم يقل " مرصادة " ، لأنه غير جار على الفعل . فالمعنى ترصد من عصى الله . وفي " مرصاد " معنى التكثير . ولذلك لم يقل : " راصدة " ، ففي وصفها بما لم يجر على الفعل معنى التكثير ، ولو قال [ راصدة ] لثبتت الهاء ، لأنه جار على الفعل ، ولم يكن فيه ( معنى ) تكثير ، ففي " مرصاد " معنى النسب ( كأنه قال : " ذات إرصاد " ، وكل ما حمل على معنى النسب ) من الأخبار والصفات ففيه معنى التكثير واللزوم ، فالمعنى أنها مركاد لمن كان يكذب بها في الدنيا . وكان الحسن يقول - إذا قرأ هذه الآية - : أَلاَ إن على النار المَرْصَد ، فمن جاء بجواز جاز ومن لم يجئ احتبس . وروي عنه أنه قال : لا يدخل أحد الجنة حتى يجتاز على النار . وقال قتادة : [ تعلمن ] أنه لا سبيل إلى الجنة حتى تقطع النار . وقال سفيان : على جهنم ثلاث قناطير . - ثم قال تعالى : { لِّلطَّاغِينَ مَآباً } . أي : هي لمن طغى في الدنيا فتعدى حدود الله [ مرجع ] يرجعون إليها ويصيرون إليها . - ثم قال تعالى : { لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً } . قال قتادة : لابثين في جهنم أحقاباً ( لا انقطاع لها . وقيل : معناه : { لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً ) * لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلاَ شَرَاباً } ، ثم بعد ذلك يعذبون بغير هذا العذاب مما شاء الله ، كما قال : { وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ } [ ص : 58 ] . وقيل : الضمير في { فِيهَا } يعود على الأرض ، لأنه قد تقدم ذكرها ، والضمير في { يَذُوقُونَ فِيهَا } لجهنم لتقدم ذكرها . فعلى [ القول ] الأول ، يكون { لاَّ يَذُوقُونَ } حالاً من { لِّلطَّاغِينَ } أو لـ { جَهَنَّمَ } / أو نعتاً للأحقاب . وعلى هذا القول الآخر ، يكون { لاَّ يَذُوقُونَ } حالاً من { جَهَنَّمَ } أو من الطاغين . وروى أبو أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الحقب الواحد ثلاثون ألف سنة " . وهو جمع الجمع ، واحده : حقبة ، جمعت على حقب ، وجمعت حقب على أحقاب . ويجوز أن يكون أحقاب جمع حُقْب والحُقْبُ ثلاثمائة سنة ، كل سنة ثلاثمائة وستون يوماً ، كل يوم ألف سنة من سنين الدنيا . قاله [ بشير ] بن كعب . وقال علي بن أبي طالب : الحقب : ثمانون سنة ، كل سنة اثنا عشر شهراً ، كل شهر ثلاثون يوماً ، كل يوم ألف سنة من سنين الدنيا ، وهو قول ابن جبير ، وقاله الربيع بن أنس . [ وقال ] أبو هريرة : الحقب ستون سنة ، كل سنة ثلاثمائة وستون يوماً ، كل يوم ألف سنة من سنين الدنيا . وقال قتادة : " الحقب ثمانون سنة من سنيّ الآخرة " . وقال : هي أحقاب لا انقطاع لها ، كلما مضى حقب جاء حقب بعده . وقال الحسن : أما الأحقاب ، فليس لها عدة إلا الخلود في النار ، ولكن ذكر أن الحقب سبعون سنة ، كل يوم منها كألف سنة مما نعده . وقال خالد بن مَعَدَّان : هي في أهل التوحيد من أهل القبلة مثل قوله { إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ } [ هود : 108 ] ، وهذا التأويل يرده قوله بعد ذلك . { إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً * وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا كِذَّاباً } . وليس هذه صفة الموحدين . وقد روي عن مقاتل أنه قال : إنها منسوخة ، نسختها قوله : { فَلَن نَّزِيدَكُمْ ( إِلاَّ ) عَذَاباً } . وهذا لا يكون فيه نسخ ، لأنه خبر ، والأخبار لا تنسخ . والحقب عند أهل اللغة مبهم كالحين والزمان . والبرد : النوم . وقيل [ الهدوء ] . وقيل : برد [ الشراب ] المستلذ . قال ابن عباس : هو برد الشراب وقيل : البرد : الراحة . - ثم قال : { إِلاَّ حَمِيماً وَغَسَّاقاً } . قال الربيع : " استثنى من الشراب الحميم ، ومن البرد الغساق " . [ والحميم الذي قد انتهى [ حره ] كالمهل [ يشوي ] الوجوه . وقال ابن زيد : الحميم : دموع أعينهم ، يجمع في حياض ثم يسقونه . والغساق ] : الصديد الذي يخرج من جلودهم مما تصهرهم النار ، يجمع في حياض النار فيُسْقَوْنَهُ . وأصل الحميم الماء الحار ، ومنه اشتق الحَمَّامُ ، ومنه الحُمَّى ، ومنه [ اليَحْمُومُ ] . قال قتادة : الغساق ما يسيل [ من ] جلده ولحمه . وقال سفيان : هو ما يسيل من دموعهم . وقال النخعي : هو " ما يسيل من صديدهم من البرد " . وعن ابن عباس أن الغساق : " الزمهرير " . وقال مجاهد : " الغساق : الذي لا يستطيعون أن يذوقوه ( من برده ) . وقال عبد الله بن [ بريدة ] : " هو المُنْتِنُ " . وروى الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لَوْ أَنَّ دَلْواً مِن غَسَّاقٍ يُهْرَاقُ فِي الدُّنْيَا لأَنْتَنَ أَهْلُ الدُّنْيَا " . وقال عبد الله بن [ عمرو ] : " أتدرون أي شيء الغساق ؟ قالوا : الله أعلم ، قال : هو القيح الغليظ ، لو أن قطرة منه تهراق بالمغرب لأنتنت أهل [ المشرق ] . ولو تهرق [ بالمشرق ] لأنتنت أهل المغرب " . - وقوله : { جَزَآءً وِفَاقاً } . أي : هذا العذاب الذي وصف جزاء للكفار على أفعالهم في الدنيا وافق أعمالهم وفاقاً ، قاله ابن عباس . قال قتادة : " وافق الجزاء أعمال القوم … " . وقال الربيع : " ثواباً وافق أعمالهم " . قال ابن زيد : " عملوا شراً فجوزوا شراً ، [ وعملوا ] حسناً فجوزوا حسناً " . - ثم قال تعالى : { إِنَّهُمْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ حِسَاباً } . أي : لا يخافون محاسبة الله ( لهم على أعمالهم في الآخرة . قال قتادة : كانوا في الدنيا لا يخافون محاسبة ) . وقال ابن زيد : كانوا لا يؤمنون بالبعث ولا بالحساب فكيف يخافون الحساب وهم لا يوقنون بالبعث بعد الموت ؟ ! - ثم قال تعالى : { وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا كِذَّاباً } . أي : جحدوا بها جحوداً . - ثم قال تعالى : { وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً } . أي : وأحصينا كل شيء من أعمالهم وغير ذلك فكتبناه كتابا ، [ فـ { كِتَاباً } ] مصدر عمل فيه فعل مضمر . وقيل : العامل فيه ( احصينا ) [ لأنه ] يعني : كتبنا . - ثم قال تعالى : { فَذُوقُواْ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلاَّ عَذَاباً } . أي : يقال لهم - إذا شربوا الحميم والغساق - ذوقوا العذاب الذي كنتم به تكذبون في الدنيا ، فلن نزيدكم على العذاب الذي أنتم فيه إلا عذاباً زائداً . قال عبد الله بن عمرو : لم ينزل على أهل النار آية أشد من هذه ، فهم في مزيد أبداً . وقد روي مثل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم . وروي أنه لا يأتي على أهل الجنة ساعة إلا ويزدادون صنفاً من النعيم لم يكونوا يعرفونه ، ولا يأتي على أهل النار ساعة إلا وهم مستنكرون لشيء من العذاب لم يكونوا يعرفونه . - ثم قال تعالى : { إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً } . أي : منجى من النار إلى الجنة ينجون به ، وهي حدائق وأعناب . وقال ابن عباس : { مَفَازاً } ، " متنزهاً " . وقيل : المفاز : الظفر بما يحبه الإنسان . يقال : فاز فلان بكذا إذا ظفر به . والحدائق : جمع حديقة ، وهي البستان من النخيل والأعناب والأشجار التي قد حوط عليها الحيطان فأحدقت ( بها ) ، فَلإِحْدَاقِ الحيطان بها سميت حديقة ، ولو لم / تكن الحيطان بها محدقة لم تسم حديقة . قال ابن عباس : الحدائق : [ الشجر ] الملتف . وقال الضحاك : الحدائق التي عليها الحيطان . - وقوله : { وَأَعْنَاباً } . معناه : وكروم أعناب ، ثم حذف . - وقوله : { وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً } . ( أي ) : وحورا نواهد في سن واحدة . قاله ابن عباس وقتادة وغيرهما . - ثم قال : { وَكَأْساً دِهَاقاً } . مَلأَى من الخمر مترعة ، وأصله من الدهق ، وهو متابعة الضغط على الشيء بشدة وعنف . قال ابن عباس والحسن وقتادة ومجاهد : الدهاق : الملأى . وهو قول ابن زيد . وقال عكرمة : الدهاق : الصافية . وقال ابن جبير : هي " المتتابعة " . وقد روي مثل ذلك أيضاً عن ابن عباس ومجاهد . - ثم قال : { لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ كِذَّاباً } . أي : باطلاً [ من القول ] . { وَلاَ كِذَّاباً } ، أي : ولا يكذب بعضهم بعضاً . وقال قتادة : { وَلاَ كِذَّاباً } ، أي : مأثماً . و { لَغْواً } : باطلاً . - ثم قال تعالى : { جَزَآءً مِّن رَّبِّكَ عَطَآءً حِسَاباً } . أي : هذا لهم جزاء لأعمالهم في الدنيا ، أعطاهم الله ذلك عطاءً كافياً . يقال : أحسبني الشيء ، أي : كفاني . وقيل : { حِسَاباً } بمعنى : محاسبة لهم بأعمالهم لله في الدنيا ، يعطون على قدر أعمالهم . وقال قتادة : { عَطَآءً حِسَاباً } ، أي : " عطاءً كثيراً ، جزاهم الله بالعمل اليسير الخير الجسيم الذي لا انقطاع له " .