Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 50-54)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً أَوْ نَهَاراً مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ ٱلْمُجْرِمُونَ } يقول - والله أعلم - : أي منفعة لكم إن أتاكم عذابه ؟ ! لا منفعة لكم في ذلك بل فيه ضرر لكم ، فاستعجال ما لا منفعة فيه سفه وجهل ، يسفههم في سؤالهم العذاب ، ويخبر في قوله : { لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } [ الأعراف : 34 ] أن عذاب الله إذا نزل وجاء وقته لا يملك أحد تقديمه ولا تأخيره ، ولا يملك أحد استقدامه ولا استئخاره بالقدر والمنزلة ، كما يحتمل ذلك في الدنيا التقديم والتأخير بالشفاعة والفداء ويذكر عجزه في إنزال العذاب عليهم في قوله : { قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً } . وقوله - عز وجل - : { أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ الآنَ } : قيل : أي العذاب إذا نزل بكم أمنتم به الآن ؟ ! يخبر عنه أنهم إذا نزل بهم العذاب يؤمنون . ثم يحتمل قوله : { آمَنْتُمْ بِهِ } أي : بالله وبرسوله ؛ كقوله : { فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ وَكَـفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ } [ غافر : 84 ] ، ثم أخبر أن إيمانهم لا ينفعهم عند معاينتهم العذاب ؛ وهو كقوله : { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } [ غافر : 85 ] ، وقوله : { لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ ءَامَنَتْ مِن قَبْلُ } [ الأنعام : 158 ] . ويحتمل قوله : { آمَنْتُمْ بِهِ الآنَ } أي : بالعذاب ؛ لأنهم يكذبون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يوعدهم العذاب ، وهم يستعجلون به استهزاء وتكذيبا ، فإذا نزل بهم آمنوا أي صدقوا بذلك العذاب ، يقول : { آمَنْتُمْ بِهِ الآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ } استهزاء وتكذيبا أنه غير نازل [ بكم ذلك ] ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ } قيل : أشركوا في ألوهيته وربوبيته وعبادته غيره . { ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ } لأنهم يخلدون فيه ، يقال ذلك بعدما أدخلوا النار . { هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ } أي : لا تجزون إلا بما كنتم كسبتم في الدنيا . وقوله - عز وجل - : { وَيَسْتَنْبِئُونَكَ } أي : يستخبرونك . { أَحَقٌّ هُوَ } يحتمل هذا وجوهاً . يحتمل قوله : { أَحَقٌّ هُوَ } العذاب الذي كان يوعدهم أنه ينزل بهم ، على ما قاله عامة أهل التأويل . ثم قال : { قُلْ إِي وَرَبِّيۤ إِنَّهُ لَحَقٌّ } أي : قل : نعم وربي إنه لحق إنه نازل بكم . { وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ } أي : بفائتين عنه ولا سابقين له . ويحتمل قوله : { أَحَقٌّ هُوَ } ما يدعوهم إليه من التوحيد ؛ كقولهم لإبراهيم : { أَجِئْتَنَا بِٱلْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ ٱللاَّعِبِينَ * قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ٱلَّذِي فطَرَهُنَّ … } الآية [ الأنبياء : 55 - 56 ] ؛ فعلى ذلك قولهم : { أَحَقٌّ هُوَ } ثم ، أخبر أنه لحق بقوله : { قُلْ إِي وَرَبِّيۤ إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَآ أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ } أي : غائبين فائتين عنه . ويحتمل الآيات أو محمد أو القرآن أحق هو ؟ قل : إي وربي ، قل : نعم إنه لحق ؛ كقوله : { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُوۤاْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِٱللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ } [ البقرة : 67 ] أخبر أن ما يأمرهم به ويدعوهم إليه ليس هو هزوا ولا لعباً ، ولكنه حق أمر من الله تعالى ؛ فعلى ذلك قوله : { أَحَقٌّ هُوَ } . وقوله - عز وجل - : { وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ } : هذا الحرف يحتمل أن يكون من الشاكين [ منهم ] في ذلك طلبوا منه أنه حق ذلك أو لا ، ومن المعاندين استعجال العذاب الذي كان يوعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاء به وتكذيباً له ، ومن المتبعين له والمطيعين التصديق له والإيمان به ؛ كقوله : { يَسْتَعْجِلُ بِهَا ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا } [ الشورى : 18 ] كانوا فرقاً ثلاثة : فرقة قد آمنوا به ، وفرقة قد شكوا فيه ، وفرقة قد كذبوه . وقوله - عز وجل - : { وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي ٱلأَرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ } : يخبر عنهم أنهم يفدون ويبذلون جميع ما في الأرض لو قدروا عليه عند نزول العذاب بهم لشدة العذاب ، وإن كان الذي منعهم عن الإيمان هو حبهم الدنيا وبخلهم عليها وما فيها بقوله : { وَرَضُواْ بِٱلْحَيٰوةِ ٱلدُّنْيَا وَٱطْمَأَنُّواْ بِهَا } [ يونس : 7 ] . وقوله - عز وجل - : { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ } : الندامة لا تكون إلا سرا بالقلب ، فكأنه قال : حققوا الندامة في قلوبهم على ما كان منهم من التكذيب بالآيات والعناد في ردها . وقال بعضهم : { وَأَسَرُّواْ ٱلنَّدَامَةَ } أي : أظهروا الندامة وهو مما يستعمل في الإظهار والإخفاء ؛ كقوله : شعب : جمع ، وشعب : فرق ونحوه ، وبعد فإنه إذا أسر في نفسه لابد من أن يضع ذلك في آخر ويخبره بذلك ، فذلك منه إظهار . وقوله - عز وجل - : { وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ } يحتمل قوله : { وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ } ما توجبه الحكمة ؛ لأن الحكمة توجب تعذيب كل كافر نعمة ، وكل قائل في الله ما لا يليق به ، أو أن يكون تفسير قوله : { بِٱلْقِسْطِ } ما ذكر ، وهم لا يظلمون . ويحتمل قوله : { بِٱلْقِسْطِ } ما ذكر : { ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ … } الآية [ الإسراء : 14 ] ، والقسط : هو العدل ، وهم يومئذ عرفوا أنه كان يقضي بالعدل في الدنيا والآخرة ، والله أعلم .