Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 55-60)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { أَلاۤ إِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } أي : إن ما في السماوات والأرض كلهم عبيده [ وإماؤه وملكه ] ، لا لمن [ تعبدون دونه ] من الأصنام والأوثان ، فمن عند من يملك الدنيا والآخرة اطلبوا ذلك منه ؛ لا من عند من لا يملك يبين سفههم في طلبهم الدنيا من عند من يعلمون أنه لا يملك ذلك ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { أَلاَ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ } : في كل وعد ووعيد أنه كائن لا محالة عذابا أو رحمة . { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } أي : لا ينتفعون بعلمهم ، فنفى عنهم العلم وإن علموا ؛ لما لم ينتفعوا به . ويحتمل قوله : { لاَ يَعْلَمُونَ } أي : لم يكتسبوا سبب العلم ، [ وهو التأويل والنظر في آياته وحججه . ويحتمل نفي العلم عنهم لما أعطوا أسباب العلم ] فلم يعلموا ، فإن كان على هذا فيكونون معذورين ، وإن كان على الوجهين الأولين فلا عذر لهم في ذلك . وفي قوله : { أَلاۤ إِنَّ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } دلالة إثبات البعث من وجهين : أحدهما : فيما يذكر من قدرته من خلق السماوات والأرض وما بينهما [ بغلظهما وكثافتهما وشدتهما وعظم خلقتهما ] ، وأن تلك القدرة خارجة عن وسع البشر وتوهمهم ، فمن قدر على ذلك فهو قادر على إحياء الخلق بعد فنائهم . والثاني : يخبر عن حكمته من تعليق منافع الأرض بالسماء على بعد ما بينهما ، والإفضال على الخلق بأنواع النعم التي تكبر الإحصاء ، وأن كل شيء منها قد وضع مواضعها ، فلا يحتمل من هذا وصفه في الحكمة يخلق شيئاً عبثاً باطلا ولو كانوا للفناء لا حياة بعده كان يكون خارجاً عن الحكمة ، فظهر أنه خلقهم لأمر أراد بهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } أي : تعلمون أنه هو أحيا الأحياء ، وهو الأموات أيضاً وهو كقوله : { وَكُنْتُمْ أَمْوَٰتاً فَأَحْيَٰكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [ البقرة : 28 ] ، فإذا عرفتم أنه هو يحيي الأحياء وهو يميت الأموات لا غير ، فاعلموا أنه هو يبعثكم وإليه ترجعون ؛ ألزمهم الحجة أولاً بالكائن ، ثم أخبرهم عما يكون بالحجة التي ذكر . وقوله - عز وجل - : { يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُمْ مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ } : وهو هذا القرآن قال بعضهم : الموعظة : النهي كقوله : { يَعِظُكُمُ ٱللَّهُ أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِ أَبَداً } [ النور : 17 ] قيل : ينهاكم أن تعودوا لمثله أبدا . وقال آخرون : الموعظة هي التي تدعوا إلى كل مرغوب وتزجر عن كل مرهوب وقال بعضهم [ العظة ] هي [ التي ] تلين كل قلب قاس وتجلي كل قلب مظلم وفي القرآن جميع ما ذكرنا فيه النهي ، وفيه الدعاء إلى كل مرغوب ، والزجر عن كل مرهوب ، وهو يلين القلوب القاسية ويجلي القلوب المظلمة إذا تأملوا فيه ، ونظروا ، وتفكروا تفكر المستشهد وطالب الحق . وقيل : الموعظة هي التي تلين القلوب القاسية وتدمع العيون اليابسة ، وتجلي الصدور المظلمة . وقوله - عز وجل - : { وَشِفَآءٌ لِّمَا فِي ٱلصُّدُورِ } : إن للدين آفات وداء تضر به وتتلفه كما لهذه الأبدان آفات وأمراض تعمل في إتلافها وإهلاكها ، ثم جعلت لآفات الأبدان وأمراضها أدوية يشفى بها الأبدان [ المؤرقة ] المريضة ؛ فعلى ذلك جعل هذا القرآن شفاء لهذا الدين ودواء يداوى به ، فيذهب بآفات الدين وأمراضه ؛ كما تعمل الأدوية في دفع آفات الأبدان وأمراضها ؛ لذلك سماه موعظة وشفاء لما في الصدور ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَهُدًى وَرَحْمَةٌ } قيل : هدى من الضلالة ، ورحمة من عذابه . أو يقول : { وَهُدًى وَرَحْمَةٌ } هدى أي : يدعوا إلى كل خير ويهدي [ إليه ] ، ورحمة : لمن اتبعه ، هو هدى ورحمة لمن اتبعه وتمسك به ، وعمى وضلال لمن خالفه وترك اتباعه وهو ما ذكر { وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى } [ فصلت : 44 ] ، وقال : { فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً } [ التوبة : 124 ] أي : زاد للمؤمنين إيماناً إلى إيمانهم ، و { فَزَادَتْهُمْ رِجْساً } [ التوبة : 125 ] أي : زاد للكافرين رجساً إلى رجسهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ } : قال بعضهم : فضل الله ورحمته القرآن . وقال قائلون : فضل الله القرآن ، ورحمته الإيمان ، وفيه أنه بإنزال القرآن متفضل إذ له ألا ينزل ، وفيه أن أهل الفترة يؤاخذون في حال فترتهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } أي : فرحكم بما ذكر [ هو ] خير مما تجمعون من الدنيا . وقال بعضهم : قوله : { قُلْ بِفَضْلِ ٱللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ } : إنما خاطب المؤمنين بقول : قل للمؤمنين بفضل الله : الإسلام ، وبرحمته : يعني القرآن فبذلك يعني فبهذا الفضل والرحمة فليفرحوا يعني المؤمنين ، هو خير مما يجمعون يعني مما يجمع الكفار من الأموال من الذهب والفضة وغيره . وقوله - عز وجل - : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ مِّن رِّزْقٍ } . [ يحتمل { مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ مِّن رِّزْقٍ } ] أضاف إنزاله إلى السماء ، وإن كانت الأرزاق إنما تخرج من الأرض لما كانت أسبابها متعلقة بالسماء ، يكون نضج الأنزال وينع الأعناب وإصلاح الأشياء كلها أعني أسباب الأرزاق من نحو المطر الذي به تنبت الأرض النبات وبه يخرج جميع أنواع الخارج مما يكون فيه غذاء البشر والدواب ، ومن نحو الشمس التي [ ينضج بها ] الأنزال وبها تينع الأعناب وجميع الفواكه ونحوه أضاف ذلك إلى السماء لما ذكرنا . وكذلك قوله : { وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } [ الذاريات : 22 ] أي : أسباب ذلك في السماء ؛ لا أن عين ذلك في السماء . ويحتمل قوله : { قُمَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ مِّن رِّزْقٍ } أي : ما خلق الله لكم ؛ وكذلك جميع ما يضاف إلى الله إنما يضاف إليه بحق الخلق أي خلقه منزلا ؛ كقوله : { وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ } [ الزمر : 6 ] ونحو ذلك ، أي : خلق لكم مما ذكر ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً } : قال بعضهم : ما حرموا من البحيرة والسائبة والوصيلة وما ذكر في سورة الأنعام والمائدة . وقال بعضهم : ما حرموا الآلهة التي كانوا عبدوها ، أي : جعلوها للأصنام وهو ما ذكر في الأنعام ، وهو قوله : { وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلأَنْعَٰمِ نَصِيباً … } الآية [ الأنعام : 136 ] نحو ما ذكرنا في الآية ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { قُلْ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى ٱللَّهِ تَفْتَرُونَ } أي : آلله أذن لكم في تحريم ما حرمتم وتحليل ما أحللتم أم على الله تفترون : [ بل على الله تفترون ] وذلك أن هذه السورة نزلت في محاجة أهل مكة وهم لم يكونوا مؤمنين بالرسل والكتب ، وإنما يوصل إلى معرفة [ المحرم والمحلل ] بالرسل والكتب والخبر عن الله ، وهم لم يكونوا مؤمنين بواحد مما ذكرنا ، فكيف جعلتم منه حراماً وحلالا وأنتم لا تؤمنون بما به يعرف الحلال من الحرام ، فكيف حرمتم ما أحل لكم أو أحللتم ما حرم عليكم ؟ ! يخبر عن سفههم وعنادهم وافترائهم على الله ، فإذا اجترءوا أن يفتروا على الله فعلى غيره أجرأ ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَمَا ظَنُّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } : فإن قيل كيف أوعدوا بيوم القيامة وهم كانوا لا يؤمنون بالبعث ؟ ! قيل : قد ألزمهم الحجة بكون البعث بما أظهر من كذبهم وافترائهم على الله في التحريم والتحليل ، فذلك يظهر كذبهم بتكذيبهم البعث . وبعد فإنه قد يوعد المرء بما لا يتيقن به ويتخوف عليه ويحذر وإن لم يحط علمه به ، فكذلك هذا . وبعد فإنه قد جعل في عقولهم ما يلزمهم الإيمان بالبعث والجزاء للأعمال ؛ إذ ليس من الحكمة خلق الخلق للفناء خاصة . ويحتمل وجهاً آخر : وهو أن يقول : وما ظن الذين يفترون على الله الكذب لو خرج الأمر حقّاً ، وكان صدقاً على ما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاله من البعث والجزاء لما اكتسبوا ؟ ! وقوله - عز وجل - : { إِنَّ ٱللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ } : هو ذو فضل على جميع الناس من [ جهة ما ساق ] إلى الكل من الرزق كافرهم ومؤمنهم وأنواع النعم ، وما أخر عنهم العذاب إلى وقت ، أو لما بعث إليهم الرسل والكتب من غير أن كان منهم إلى الله سابقة صنع يستوجبون به ذلك ومنه خصوص فضل على المؤمنين ليس ذلك على الكافرين ، ولكن أكثرهم لا يشكرون لفضله وما أنعم عليهم .