Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 87-89)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَٱجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً … } الآية يحتمل وجهين : [ أحدهما ] : يحتمل قوله : { أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا } أي : اتخذا لقومكما مساجد يصلون فيها ، { وَٱجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ } أي : اجعلوا في بيوتكم التي اتخذتم مساجد قبلة ؛ [ فيكون في قوله : ] { أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً } [ الأمر باتخاذ المساجد ، ويكون في قوله : { وَٱجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً } الأمر باتخاذ القبلة في المساجد التي أمر ببنيانها . والثاني : قوله : { أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً } ] أي : اتخذا لقومكما بمصر مساجد على ما ذكرنا . وقوله - عز وجل - : { وَٱجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً } أي : اجعلوا في بيوتكم التي بنيتم لأنفسكم قبلة تتوجهون إليها ، ويكون فيه دلالة أن نصب الجماعة واتخاذ المساجد والقبلة متوارثة مسنونة ليست ببديعة لنا وفي شريعتنا خاصة ، ويؤيد ما ذكرنا أن فيه الأمر باتخاذ المساجد . وقوله : { وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ } دل الأمر بإقامة الصلاة على أن الأمر ببناء البيوت أمر باتخاذ المساجد واتخاذ القبلة . فإن قيل : هذا في الظاهر أمر باتخاذ المساجد ، والآية التي ذكر فيها اتخاذ المساجد تخرج مخرج الإباحة لنا ، وهو قوله : { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ } [ النور : 36 ] هو في الظاهر إباحة . قيل : هو أمر في الحقيقة ، وإن كان في الظاهر إباحة ، ألا ترى أنه قال : { وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا … } الآية [ النور : 36 ] ، ولا شك أن ذكر اسمه والتسبيح له أمر ؛ فدل أنه ما ذكرنا ، والله أعلم . وأما أهل التأويل فإنهم قالوا : إنهم كانوا يخافون فرعون وملأه ، فأمروا أن يجعلوا في بيوتهم مساجد مستقبلة الكعبة يصلون فيها سرّا خوفاً من فرعون ، هذا يحتمل إذا كان قبل هلاك فرعون وقبل أن يستولوا على مصر ، وإذا كان بعد هلاكه وبعدما استولوا وملكوا على مصر وأهله فالأمر فيه ما ذكرنا ؛ أمر باتخاذ المساجد ونصب الجماعات فيها وإقامة الصلاة فيها . وقال بعضهم من أهل التأويل : وجهوا بيوتكم ومساجدكم نحو القبلة لكن هذا بعيد ؛ لأنه لا يكون بيتاً إلا ويكون جهة من جهاته إلى القبلة ، فلا معنى له . والوجه فيه ما ذكرنا . ويحتمل الأمر ببناء البيوت لقومهما بمصر وجعل البيوت قبلة وجهين : أحدهما : الأمر بالانفصال من فرعون وقومه حتى إذا أرادوا الخروج من عندهم قدروا على ذلك ولا يكون المرور عليهم وكان ذلك الانفصال إنما كان من جهة القبلة . والثاني : ما ذكرنا أرادوا أن يعتزلوهم حتى يتهيأ لهم الصلاة فيها ، وكان لا يتهيأ لهم في بيوت فرعون . وقوله - عز وجل - : { وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } يحتمل البشارة في الآخرة بالجنة وأنواع النعيم [ ويحتمل أن يبشرهم بالملك في الدنيا والظفر على فرعون وأنواع النعم ] بعدما أصابوا الشدائد من فرعون ؛ كقوله : { ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَآءَ وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكاً وَآتَاكُمْ مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن ٱلْعَٱلَمِينَ } [ المائدة : 20 ] . وقال أبو عوسجة : قوله : { أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا } تهيآ من هيأ ، أي : هيئا لهم موضعاً ؛ كقوله : { وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ } [ يونس : 93 ] أي : هيأنا لهم مهيأ صدق . وقوله - عز وجل - : { وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَآ إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً } ويحتمل قوله { زِينَةً } : من أنواع ما آتاهم من الأنزال والنبات ؛ كقوله : { حَتَّىٰ إِذَآ أَخَذَتِ ٱلأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَٱزَّيَّنَتْ } [ يونس : 24 ] ونحوه . ويحتمل الزينة التي كانوا يتزينون بها من المركب والملبس ، وما يتحلون بها من أنواع الحلي وأموال كثيرة سوى ذلك . وقوله - عز وجل - : { رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ } : قالت المعتزلة تأويل قوله : { رَبَّنَآ إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ } أي : آتاهم لئلا يضلوا الناس عن سبيله ، ولكن أضلوهم عن سبيله وقالوا هذا كما يقال [ لم أقل كذا لأجل كذا ] ، ولكن فعلت ونحوه من الكلام ، ولكن عندنا هو ما ذكر : آتاهم الأموال وما ذكر ليضلوا عن سبيله ؛ لأنه إذا علم منهم أنهم يضلون الناس عن سبيله آتاهم ما آتاهم ليضلوا وهو كما ذكرنا في قوله : { إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوۤاْ إِثْمَاً } [ آل عمران : 178 ] ؛ وقوله : { نُسَارِعُ لَهُمْ فِي ٱلْخَيْرَاتِ … } الآية [ المؤمنون : 56 ] وأمثاله فكذا هذا والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } يحتمل هذا وجهين : يحتمل : أي : اطمس على أموالهم ، واجعل في قلوبهم قساوة وغلظة تنفر الأتباع ومن يقلدهم عن اتباعهم وتقليدهم ، فيكون ذلك أهون علينا في استنقاذ الأتباع منهم وأدعى لهم إلى الإيمان أعني الأتباع ومن يقلدهم ، ويكون ذلك سبباً لإبعادهم عن اتباعهم وتقليدهم إياهم ؛ هذا وجه . والثاني : قوله : { رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } أي : اجعل ذلك آية تضطرهم إلى الإيمان ، فإنهم لم يؤمنوا بالآيات التي أرسلتها عليهم من الطوفان والجراد وما ذكر من البلايا ، فيكون قوله : { فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } هذا من طمس الأموال وقساوة القلوب وشدتها ، والله أعلم . وقال بعض أهل التأويل : واشدد على قلوبهم واطبعها فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم وهو الغرق فعند ذلك يؤمنون ، وأما بهذه الآيات فلا . هذا يحتمل إذا كان الله - عز وجل - أخبر موسى أنهم لا يؤمنون فيسع له هذا الدعاء ، وأما قبل أن يخبره بذلك فلا يسع له أن يدعو بهذا ، وهو إنما أرسله إليهم ليدعوهم إلى الإيمان والطمس . قال أبو عوسجة : هو الذهاب بها ، أي : اذهب بها . وقال القتبي : قوله : { رَبَّنَا ٱطْمِسْ } أي : أهلكها ، وهو من قولك : طمس الطريق إذا عفا ودرس . وقال غيره : الطمس هو المسخ ؛ كقوله : { لَطَمَسْنَا عَلَىٰ أَعْيُنِهِمْ } [ يس : 66 ] أي : مسخناهم . وقال بعضهم : الطمس هو التغيير عن جوهرها ، دعا موسى بهذا الدعاء بالأمر لما أيس من إيمانهم ؛ وهو كقول نوح : { رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ } الآية [ نوح : 26 - 27 ] عند الإياس منهم فعلى ذلك موسى ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا } قال بعضهم : إن موسى كان يدعو وهارون يؤمن على دعائه ، فقال الله - عز وجل - : { قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا } سمى كليهما دعاء ، ولهذا قال محمد بن الحسن - رحمه الله - في بعض كتبه : إن الإمام يدعو في القنوت في الوتر والقوم يؤمنون . وقوله تعالى : { فَٱسْتَقِيمَا } على الرسالة وما [ أمرتكما به ] { وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } ؛ وهو كقوله لمحمد صلى الله عليه وسلم : { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } [ الجاثية : 18 ] ؛ وكقوله : { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ } [ المائدة : 48 - 49 ] ونحوه ، وإن كان العلم محيطا أن الأنبياء - صلوات الله عليهم - لا يتبعون سبيل أولئك ولا يتبعون أهواءهم لما عصمهم - عز وجل - ولكن ذكر هذا - والله أعلم - ليعلم أن العصمة لا تزيل النهي والأمر بل تزيد حظراً ونهيا ، والله أعلم .