Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 90-93)

Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله - عز وجل - : { وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ } : هذا ظاهر . وفي قوله : { وَجَاوَزْنَا بِبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ ٱلْبَحْرَ } دلالة خلق أفعال العباد ؛ لأنه أضاف إلى نفسه أنه جاوز بهم ، وبنو إسرائيل هم الذين تجاوزوا ، دل ذلك أنه خالق فعلهم . وأما قوله : { حَتَّىٰ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ } أي : حتى إذا غرق ؛ لأنه ذكر في بعض القصة أن فرعون لما انتهى إلى ساحل البحر ، فرأى البحر منفرجا طرقاً ، فقال : إنما انفرج البحر لي ، فلما دخل غرق فعند ذلك قال غريقا : { آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } ثم إيمانه لم يقبل في ذلك الوقت لوجهين : أحدهما : لما يحتمل أن يكون إيمانه عند رؤية البأس وخوف الهلاك ، فهو إيمان دفع البأس لا إيمان حقيقة ، وهو على ما أخبر عن إيمان الكفرة في الآخرة لما عاينوا العذاب ؛ كقولهم : { رَبَّنَآ أَخِّرْنَآ إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ } [ إبراهيم : 44 ] ؛ وكقوله تعالى : { رَبِّ ٱرْجِعُونِ * لَعَلِّيۤ أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ } [ المؤمنون : 99 - 100 ] وكقولهم : { نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ ٱلَّذِي كُـنَّا نَعْمَلُ } [ فاطر : 37 ] وأمثاله { وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ } [ الأنعام : 28 ] ؛ فما عاينوا هم من العذاب أكبر وأشد مما عاين فرعون ، ثم أخبر أنهم لو ردوا لعادوا إلى ما كانوا يعملون لكنهم قالوا ذلك قول دفع ، فعلى ذلك إيمان فرعون إيمان دفع البأس عن نفسه لا إيمان حقيقة واختيار . والثاني : أن الإيمان والإسلام هو تسليم النفس إلى الله ، فإذا آمن في وقت خرجت نفسه من يده لم يصر مسلماً نفسه إلى الله ؛ إذ نفسه ليست في يده ولذلك لم يقبل الإيمان في ذلك الوقت وقت الإشراف على الهلاك . ويحتمل وجهاً آخر : وهو أن الإيمان بالله [ لا يكون إلا بالاستدلال ] بالشاهد على الغائب ، ولا يمكن الاستدلال بالشاهد على الغائب في ذلك الوقت ؛ إذ لا يكون ذلك إلا بالنظر والتفكر [ وفي ذلك الوقت لا يمكن النظر والتفكر ] ؛ لذلك لم يكن إيمان حقيقة ، والله أعلم . وأما قوله : { فَٱلْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ } قيل فيه بوجوه : قيل : قوله : { نُنَجِّيكَ } من النجوة ، أي : نلقيك على النجوة وهو مكان الارتفاع والإشراف ؛ ليراه كل أحد أنه هلك ليظهر لهم أنه لم يكن إلها على ما ادعى لعنه الله ، وأما سائر أبدان قومه لم تلق على النجوة ولكن بقيت في البحر . والثاني : قيل : { نُنَجِّيكَ } أي : نخرجك من البحر ولا نتركك فيه لتكون لمن خلفك آية . والثالث : ننجيك ببدنك ولا نتبع روحك ؛ لأنه ذكر في القصة أنهم لما غرقوا هم وأغرق ، أخذ إلى النار ؛ كقوله : { مِّمَّا خَطِيۤئَاتِهِمْ أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً } [ نوح : 25 ] أخبر أنه لم يهو جسده بروحه إلى النار ، ولكن أخرج بدنه وهوت روحه إلى النار مع سائر قومه - والله أعلم - ليرى جسده ويظهر كذبه ولا يشتبه أمره عليهم . وقوله - عز وجل - : { لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً } يحتمل وجهين : يحتمل ليكون هلاكك آية ، فلا يدعي أحد الربوبية والألوهية مثل ما ادعى هو ، أو يقول : { لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً } أي : من شاهدك كذلك غريقاً ملقى كان آية له . وقوله - عز وجل - : { وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ } : قال بعض أهل التأويل : يعني أهل مكة عن آياتنا لغافلون عن هلاك فرعون وقومه لما قالوا : { مَا هَـٰذَآ إِلاَّ إِفْكٌ مُّفْتَرًى } [ سبأ : 43 ] ، و { مَا هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ } [ القصص : 36 ] [ … ] يقول : هم غافلون عما أصاب أولئك ؛ إذ مثل هذا لا يفترى ، أعني : هذه القصص . ويحتمل { وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ } ، أي : كثير منهم كانوا غافلين عما أصابهم ، والغفلة تكون على وجهين : أحدهما : غفلة إعراض وعناد بعد العلم به ومعرفة أن ذلك حق . والثاني : يغفل بترك النظر والتفكر ؛ فكلا الوجهين مذموم . وقوله - عز وجل - : { وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ } : قال عامة أهل التأويل : بوأنا أنزلنا بني إسرائيل منزل صدق . وقال بعضهم : { بَوَّأْنَا } : هيئنا لبني إسرائيل ، { مُبَوَّأَ صِدْقٍ } : مهيأ صدق حسنا ؛ كقوله : { وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ ٱلْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ … } الآية [ آل عمران : 121 ] ، أي : تهيئ للمؤمنين . وقال بعضهم : قوله : { بَوَّأْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ } أي : مكناهم تمكين صدق ؛ وهو كقوله : { وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ … } الآية [ القصص : 5 - 6 ] يحتمل ما ذكر من التبوئة التمكين الذي ذكر في هذه الآية وقوله { مُبَوَّأَ صِدْقٍ } قال بعضهم : منزل صدق ، أي : كريم وقال : منزل صدق أي حسن . ويحتمل وجهين آخرين : أحدهما : أنه وعد لهم أن يمكن لهم في الأرض فأنجز ذلك الوعد ، فهو مبوأ صدق أي تمكين صدق ، حيث أنجز ذلك الوعد وصدق الوعد ما ذكر { وَأَوْرَثْنَا ٱلْقَوْمَ ٱلَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ } [ الأعراف : 137 ] الآية . والثاني : { مُبَوَّأَ صِدْقٍ } أي : مبوأ أهل صدق لأن الشام كان لم يزل منزل أهل صدق ، وعلى هذا يخرج قوله : { رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ … } الآية [ الإسراء : 80 ] ، أي : أخرجني مخرج أهل صدق وأدخلني مدخل أهل صدق ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَرَزَقْنَاهُمْ مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } قال أهل التأويل : يعني المن والسلوى ، ولكن الطيبات هي التي طابت بها الأنفس مما حل بالشرع مما لا تبعة على أربابها مما لم يعص فيها . وقوله - عز وجل - : { فَمَا ٱخْتَلَفُواْ حَتَّىٰ جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ } أي : فما اختلفوا في الدين إلا من بعد ما جاءهم العلم أنه حق . وقيل : فما اختلفوا في محمد في أنه رسول الله إلا من بعد ما جاءهم العلم [ أنه رسول الله وقيل : فما اختلفوا في القرآن والأديان التي أنزلها على رسوله إلا من بعد ما جاءهم العلم ] أنه منزل من عند الله . ويحتمل قوله : { فَمَا ٱخْتَلَفُواْ } في موسى أنه رسول الله إلا من بعد ما جاءهم العلم أنه رسول الله . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ … } الآية : ظاهرة من الوجوه التي ذكرنا . وقوله - عز وجل - : { إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ } يحتمل وجهين : أحدهما : الجزاء والثواب ، والثاني : في تبيين المحق من المبطل .