Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 11, Ayat: 50-60)
Tafsir: Taʾwīlāt ahl as-sunna
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله - عز وجل - : { وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً } : هذا والله أعلم صلة قوله : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ } فيقول : ولقد أرسلنا هوداً إلى عاد أخاهم . ثم يحتمل قوله : { أَخَاهُمْ } الأخوة تكون على وجوه : أخوة جنس يقال : هذا أخو هذا نحو مصراعي الباب ، يقال لأحدهما : هذا أخو هذا ونحو أحد زوجي الخف وأمثاله . وأخوة النسب . وأخوة الدين ؛ كقوله : { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } [ الحجرات : 10 ] فهو لم يكن أخا لهم في الدين ، فهو يحتمل أنه أخوهم في الجنس وفي النسب ؛ لأن الناس كلهم ينسبون إلى آدم فيقال : بنو آدم مع بعد ما بينه وبينهم ؛ فعلى ذلك يكون بعضهم لبعض إخوة مع بعد النسب الذي بينهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } : يُعبَد أي : الذين تعبدون ليسوا بآلهة يستحقون العبادة [ إنما الإله الذي يستحق العبادة ] الله الذي خلقكم وخلق لكم الأشياء . وقوله - عز وجل - : { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ } أي : ما أنتم إلا مفترون ، لا يحتمل أن يكون هو قال لهم هذا في أول ما دعاهم إلى التوحيد ، وفي أول ما ردوا إجابته وكذبوه ؛ لأنهم أمروا بلين القول لهم وتذكير النعمة عليهم ؛ كقوله لموسى وهارون حيث بعثهما إلى فرعون بقوله : { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً } الآية [ طه : 44 ] ، ولكن كأنه قال لهم ذلك بعد ما سبق منه إليهم دعاء غير مرة ، وأقام عليهم الحجة والبراهين فردوها ، فعند ذلك قال لهم هذا حيث قالوا : { يٰهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ … } الآية [ هود : 53 ] . وقوله - عز وجل - : { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ } : يحتمل في تسميتهم الأصنام التي عبدوها آلهة ، يقول : [ إن ] أنتم إلا مفترون في ذلك . ويحتمل أنه سماهم مفترين فيما قالوا الله أمرهم بذلك ، يقول : أنتم مفترون فيما ادعيتم الأمر بذلك ، أو مفترون في إنكارهم البعث والرسالة . وقوله - عز وجل - : { يٰقَوْمِ لاۤ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِي فَطَرَنِيۤ } : هذا قد ذكر في غير موضع يقول لهم - والله أعلم - : إني لا أسألكم على ما أدعوكم إليه أجرا يمنعكم ثقل ذلك الأجر وغرمه عن الإجابة ، فما الذي يمنعكم عن الإجابة لي ويحملكم على الرد [ بل أدعوكم إلى ] ما ترغبون فيه ، فكيف يمنعكم عن الإجابة والنظر فيما أدعوكم إليه ؟ ! { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } : أني رسول إليكم بآيات وحجج جئت بها ، أو : أفلا تعقلون أنها آيات وحجج ونحوه ، أو يقول : أفلا تعقلون أن الله واحد وأنه رب كل شيء وخالق كل شيء ومنشئه . وقوله - عز وجل - : { وَيٰقَوْمِ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ } : يحتمل أن يكون قوله استغفروا ربكم ثم توبوا إليه واحدا . ويحتمل على التقديم والتأخير توبوا إليه ثم استغفروا ما كان منكم من المساوي ، أي : أقبلوا إلى طاعة الله واندموا على أفعالكم . وقوله : { ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ } : معلوم أن هودا لم يرد بقوله : { ٱسْتَغْفِرُواْ } أن يقولوا : نستغفر الله ، ولكن أمرهم أن يطلبوا السبب الذي به تجب لهم المغفرة وتحق وهو التوحيد ، كأنه قال : وحدوا ربكم فآمنوا به ثم توبوا إليه ، أو يقول : اطلبوا المغفرة بالانتهاء عن الكفر ؛ كقوله تعالى : { إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ } [ الأنفال : 38 ] . وقوله - عز وجل - : { يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ } : قال بعض أهل التأويل : إنه قد كان انقطع عنهم المطر وانقطع نسلهم ، فأخبر أنكم إن تبتم إلى الله ، واستغفرتم ربكم { يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً … } الآية حتى تناسلوا وتتوالدوا . ويحتمل قوله : { وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً } أي : يزدكم قوة أفعالكم إلى قوة أبدانكم ؛ لأنهم كانوا أهل قوة وأهل بطش بقولهم قالوا : من أشد منا قوة . ويحتمل على الابتداء : يرسل السماء عليكم مدرارا ، ويزدكم قوة إلى قوتكم . فقوله : { وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ } عما أدعوكم فيه ؛ فتكونوا { مُجْرِمِينَ } ولا تتولوا عما أدعوكم فيه ؛ فتكونوا مجرمين . المجرم قال أبو بكر : هو الوثاب في الإثم ، وقيل : هو المكتسب . وقوله - عز وجل - : { قَالُواْ يٰهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ } : على ما تدعونا إليه ، أو على ما تدعي من الرسالة ، فعند ذلك قال [ لهم هود ] : { إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ } . { وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِيۤ آلِهَتِنَا } أي : ما نحن بتاركي عبادة آلهتنا عن قولك ، أي : بقولك ، كان لا يدعوهم هود إلى ترك عبادة آلهتهم بقوله خاصة ، ولكن قد دعاهم وأقام على فساد ذلك الحجج والبراهين ، لكنهم قالوا متعنتين مكابرين : { وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ } فيما تدعونا إليه ، وتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا . وقوله - عز وجل - : { إِن نَّقُولُ إِلاَّ ٱعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوۤءٍ } قيل : [ هو كان ] يسب آلهتهم ويذكرهم بالعيب فيقولون : إن يعترك من بعض آلهتنا سوء أو يصيبوك بجنون وخبل ، فلا عجب أن يصيبك منها فاجتنبها سالما ، فذلك يخرج منهم مخرج الامتنان ، أي : إنا إنما ننهاك عن سب آلهتنا وذكر العيب فيها إشفاقاً عليك لئلا يصيبك [ شيء منها ] . وقال ابن عباس - رضي الله عنه - : قالوا : " شتمت آلهتنا فخبلتك وأصابتك بالجنون " ، فتأويله - والله أعلم - أنك إنما تدعونا إلى ما تدعونا إليه وتدعي ما تدعي لما أصابتك آلهتنا بسوء واعترتك بجنون ، كانوا يخوفونه أن تصيبه آلهتهم بسوء بتركه عبادتها ، على ما كانوا يرجون ويطمعون بعبادتهم إياها شفاعتها لهم ؛ قال : { إِنِّيۤ أُشْهِدُ ٱللَّهَ وَٱشْهَدُوۤاْ أَنِّي بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ } به وتعبدونه من الآلهة ، واشهدوا أنتم أيضاً بأني بريء من ذلك ، { فَكِيدُونِي جَمِيعاً } : أنتم وآلهتكم فيما تدعونني من الهلاك أو السوء ، { ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ } أي : ثم لا تمهلون في ذلك . ويحتمل قوله : { فَكِيدُونِي جَمِيعاً } [ أنتم وآلهتكم ] ؛ يقول : اعملوا أنتم وآلهتكم جميعاً التي تزعمون أنها خبلتني وأجنتني ، { ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ } . أي : لا تمهلون ، وهذا من أشد آيات النبوة ؛ لأنه يقول لهم وهو بين أظهرهم وحيداً ، فلولا أنه يقول ذلك لهم بقوة من الله والاعتماد له عليه والانتصار به ، وإلا ما اجترأ أحد أن يقول مثل هذا بين أعدائه علم أنه قال ذلك بالله تعالى ؛ وكذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { قُلِ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ … } الآية [ الأعراف : 195 ] ، وقول نوح : { ثُمَّ ٱقْضُوۤاْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونَ … } الآية [ يونس : 71 ] ، وقول شعيب : { وَيٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ … } الآية [ هود : 93 ] وأمثاله ، قالوا ذلك بين أظهر الاعداء ولم يكن معهم أنصار ولا أعوان ؛ دل أنهم إنما قالوا ذلك بالله وذلك من آيات النبوة . وقوله - عز وجل - : { إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى ٱللَّهِ } أي : فوضت أمري [ إلى الله ] ، أو وكلت في جميع عملي إليه ، أو وثقت به واعتمدت عليه فيما توعدونني من الهلاك ، أو توكلت عليه في دفع ما أوعدتموني ربي وربكم ، أي : كيف توعدونني بآلهتكم التي تعبدون ، ولا تخافون الذي تعلمون أنه هو ربي وربكم ؟ ! وهو كما قال إبراهيم : { وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِٱللَّهِ … } الآية [ الأنعام : 81 ] . وقوله - عز وجل - : { مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ } : يميتها متى شاء . وقوله : { آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ } أي : في ملكه وسلطانه ، يقال : فلان آخذ بحلقوم فلان ، وفلان في قبضة فلان ليس أنه في قبضته بنفسه أو آخذ بحلقوم فلان ، ولكن يراد أنه في سلطانه وفي ملكه وفي قبضته . { إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } أي : على الذي أمرني ربي ودعاني إليه ، أو يكون قوله : { إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } أي : أن الذي أمرني ربي ودعاني إليه هو صراط مستقيم ؛ كقوله : { إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلْمِرْصَادِ } [ الفجر : 14 ] . وقال أبو عوسجة : الاعتراء هو الأخذ ، يقال : اعترته الحمى أي أخذته . وقال القتبي : الاعتراء [ هو ] الإصابة ، بقول : إلا اعتراك : أصابك ، يقال : اعتريت : أصبت ، وهو ما ذكرنا . وقوله - عز وجل - : { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ } : يحتمل على الإضمار أي : فإن تولوا عن إجابتك وطاعتك فقل قد أبلغتكم [ رسالات ربي ] ؛ لأن قوله : { تَوَلَّوْاْ } إنما هو خبر . وقوله - عز وجل - : { أَبْلَغْتُكُمْ } : خطاب ، وأمكن أن يكونا جميعاً على الخطاب ، يقول : فإن توليتم عن إجابتي فيما أدعوكم إليه ، فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم وليس علي إلا تبليغ الرسالة إليكم ؛ كقوله : { مَّا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ } [ المائدة : 99 ] ؛ وكقوله : { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ ٱلْبَلاَغُ } [ النحل : 82 ] ، يقول : إنما علي إبلاغ الرسالة إليكم ، ليس على جرم توليكم عن إجابتي ؛ كقوله : { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمِّلْتُمْ } [ النور : 54 ] ونحوه ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ } [ فيه وجهان : أحدهما : يخبر عن هلاكهم ؛ لأنه أخبر أنه يستخلف قوماً غيرهم ؛ لأنه ما لم يهلك هؤلاء لا يكون غيرهم خلفهم ] : لأنهم كانوا يقولون : { مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً } [ فصلت : 15 ] ، يقول - والله أعلم - : إن قوة أبدانكم وبطشكم لا تعجز الله عن إهلاككم ، وفيه أن عاداً ليسوا هم النهاية في العالم ، بل يكون بعدهم قوم غيرهم ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئاً } أي : لا تضرونه بتوليكم عن إجابتي وردكم رسالة الله إليكم ، ليس كملوك الأرض إذا تولى عنهم خدمهم وحشمهم ضرهم ذلك . والثاني : لا تضرونه كما يضر ملوك الأرض بالقتال والحرب بعضهم بعضا . والثالث : لا تضرونه لأنه لا منفعة له فيما يدعوكم حتى يضره ضد ذلك ؛ إذ ليس يدعوكم إلى ما يدعو لحاجة نفسه ولا لمنفعة له ، إنما يأمركم ويدعوكم لحاجة أنفسكم والمنفعة لكم . ويحتمل أن يكون لا تضرونه شيئاً جواب قوله : { فَكِيدُونِي جَمِيعاً … } الآية . { إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ } [ لا يخفى عليه شيء وإن لطف ، فكيف يخفى عليه أعمالكم وأموالكم مع ظهورها وبدوها . أو يقول : إن ربي على كل شيء حفيظ ] : فيجزيه عليه ، ولا يذهب عنه شيء ، أي : لا يفوته ، والله أعلم . وقوله - عز وجل - : { وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً } . قوله : { جَآءَ أَمْرُنَا } أمر تكوين لا أمر يقتضي الساعة ؛ كقوله : { إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [ يس : 82 ] ؛ فعلى ذلك هذا هو أمر تكوين وقد ذكرناه . وقوله - عز وجل - : { نَجَّيْنَا هُوداً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا } : هذا يدل أن من نجا إنما نجا برحمة منه لا بعمله ؛ وعلى ذلك روي في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يدخل أحد الجنة إلا برحمة الله ، قيل : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته " ، لا على ما يقوله المعتزلة : إن من نجا إنما ينجو بعمله لا برحمته . ثم يحتمل قوله : { بِرَحْمَةٍ مِّنَّا } وجوهاً ؛ تحتمل الرحمة هاهنا هودا ، أي : رحمهم به حيث بعث إليهم رسولا فنجا من اتبعه ، فإن كان هذا ففيه أن أهل الفترة معاقبون في حال فترتهم ؛ لأنه أخبر أن من نجا إنما نجا بهود ، فدل أنهم معاقبون قبل بعث الرسل إليهم . ويحتمل قوله : { بِرَحْمَةٍ مِّنَّا } أي : بتوفيق منا إياهم نجا من نجا منهم . والثالث : { وَنَجَّيْنَاهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ } [ قال بعضهم : نجيناهم من العذاب الذي أهلك هؤلاء . ويحتمل أن يكون على الوعد أي : ينجيهم في الآخرة من عذاب غليظ ] . وقوله - عز وجل - : { وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ } أي : وتلك أهل قرية عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسلهم ، الكفر بالآيات كفر بجميع الرسل ، والكفر بواحد من الرسل كفر بالرسل جميعاً وبالله ؛ لأن كل واحد من الرسل يدعو إلى الإيمان بالله وبجميع الرسل ، فالإيمان بواحد منهم إيمان بالله وبجميع الرسل والآيات ، والكفر بواحد منها كفر بالله وبجميع الرسل ، وإنما كان الكفر بالآيات كفرا بالله ؛ لأن الله إنما يعرف من جهة الآيات والكفر بالآيات كفر به . وقوله - عز وجل - : { وَٱتَّبَعُوۤاْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ } قيل : أخبر أنهم اتبعوا أمر الجبابرة وأطاعوهم ، وتركوا اتباع الرسل وطاعتهم . قيل : الجبار هو المتجبر الذي يتجبر على الرسل ويتكبر عليهم ؛ لأن الرؤساء منهم كانوا يتجبرون على الرسل ويتكبرون ، ثم الأتباع اتبعوا الرؤساء في عملهم . قال أبو عوسجة : الجبار هو المتجبر ، والعنيد هو المعاند المخالف . وقال القتبي : العنود والعنيد والمعاند المعارض لك بالخلاف عليك . وقال أبو عبيدة : العنيد والعنود والمعاند هو الجائر . وقوله - عز وجل - : { وَأُتْبِعُواْ فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ } : قال بعضهم : اللعن هو العذاب ، أي : أتبعوا في الدنيا وفي الآخرة بالعذاب ؛ كقوله : { أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ } [ هود : 18 ] أي : عذاب الله . وقوله - عز وجل - : { وَأُتْبِعُواْ } أي : ألحقوا ، وقيل : إن اللعن هو الطرد ، طردوا عن رحمة الله حتى لا ينالوها لا في الدنيا ولا في الآخرة ، إلا أن عاداً كفروا ربهم { أَلاَ بُعْداً لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ } ، أي : ألا بعداً لهم من رحمة الله .